ما الذي يزعج إسرائيل في اتفاق السداسية الدولية مع إيران (عامر راشد)

 

عامر راشد

انفردت إسرائيل بتوجيه انتقادات حادة للاتفاق الذي توصلت إليه المجموعة "السداسية" الدولية (5+1) مع إيران بشأن ملفها النووي، ما يرجح أن إسرائيل ستستمر في المشاغبة على الجهود الدولية لحل الخلافات مع طهران بوسائل دبلوماسية، فهل ستستفيد الحكومة الإسرائيلية من السباحة عكس التيار؟
لم تخالف تل أبيب توقعات غالبية المراقبين بأنها لن ترحب بأي اتفاق بين المجموعة السداسية الدولية (الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا، الصين وكذلك ألمانيا)، الخاصة بالملف النووي الإيراني، إلا إذا كان الاتفاق يلبي كل الشروط والمطالب الإسرائيلية، واللافت أن مصادر رسمية إسرائيلية استخدمت في تعليقها الرافض للاتفاق مقولة "إسرائيل تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها.. والاتفاق لا يفرض أي التزام عليها"، وكأن الحكومة الإسرائيلية فوق الإجماع الدولي، وباستطاعتها أن تحلق خارج السرب عندما لا يستجيب أي توافق دولي لشروطها ومطالبها كاملة.
غير أن بعض المراقبين كانوا قد توقعوا أن تكون الحكومة الإسرائيلية أكثر عقلانية بشأن اتفاق المجموعة السداسية الدولية مع إيران، كون الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوربي شريكاً رئيسياً فيه، فضلاً عن اعتراف مصدر رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، حسب وكالة رويترز، بأن الاقتراحات التي قُدمت على طاولة المباحثات في جنيف بُلورت في مباحثات سرية بين ممثلين عن واشنطن وطهران، خلال الشهور الثلاثة الماضية، وكانت أساس الاتفاق الذي أعلن عن مرحلته الأولى في ختام مباحثات جنيف المتعددة الأطراف.
بنيامين نتنياهو وأركان ائتلافه الحكومي يعتقدون أن إدارة أوباما فضلت المضي قدماً في بلورة اتفاق مع طهران، دون الأخذ بعين الاعتبار لمجموعة الملاحظات الاعتراضية الإسرائيلية على سير المباحثات بين المجموعة السداسية الدولية وإيران، بعد تسلم الرئيس الإيراني حسن روحاني للرئاسة خلفاً لمحمود أحمدي نجاد، وإبدائه مرونة في التعامل مع الملف النووي لبلاده، قوبلت بإيجابية من مجموعة (5+1) بما فيها الولايات المتحدة، التي وجدت في المرونة الإيرانية فرصة تتفق مع قرار واشنطن استبعاد الخيار العسكري، والسعي بدل ذلك لتسوية سياسية مع حكومة الرئيس روحاني.
الاعتراض الإسرائيلي عبر عنه نتنياهو غير مرة بالإدعاء أن الرئيس روحاني يحاول أن يكسب الوقت بإبداء "مرونة كاذبة"، بينما يتواصل البرنامج النووي لبلاده لامتلاك عتبة صنع أسلحة نووية، ورغم نص المرحلة الأولى من الاتفاق مع طهران على وقف عمليات التخصيب لمدة ستة أشهر إلى نسبة أعلى من 5%، وإخضاع منشآتها النووية لرقابة دولية صارمة، وتمكين خبراء وكالة الطاقة الذرية الدولية من زيارة المنشآت، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد النظر في موقفها من مباحثات السداسية الدولية مع إيران.
المعلق السياسي الإسرائيلي شمعون شيفر نوَّه قبل ثلاثة أيام من الإعلان عن اتفاق جنيف بين مجموعة السداسية وإيران، في مقال ("يديعوت أحرانوت"، 21 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري) إلى أن المجموعة الدولية اتخذت قراراً يبدو أنه لا رجعة عنه، ويقضي بالتوصل إلى حل دبلوماسي لأزمة البرنامج النووي الإيراني، من دون الاضطرار للخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، ويتعين على إسرائيل أن تستوعب هذه الحقيقة.
نصيحة شيفر لم تلق آذاناً صاغية لدى نتنياهو، الذي سمع الكلام نفسه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، يوم الأربعاء الماضي، حيث أكدت مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى أن بوتين أبلغ نتنياهو بأن موسكو مع تسوية سياسية للخلافات حول البرنامج النووي الإيراني، من خلال محادثات جنيف. وخرجت المصادر الرسمية الإسرائيلية حينها باستخلاص مفاده أن "الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يضع حداً للخلافات بين الدولتين، فيما يتعلق بالاتفاق الآخذ بالتبلور في مفاوضات جنيف بين دول (5+1) وإيران، بشأن الملف النووي الإيراني".
ما ذكرته المصادر الإسرائيلية تؤكد أن نتنياهو وأركان ائتلافه الحاكم يرفضون الاستماع للنصائح، ويفضلون السباحة عكس التيار الدولي في قضية خاسرة، إلى حد أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان دعا في أول خطاب له، بعد عودته إلى منصبه، في مؤتمر سديروت للشؤون الاجتماعية والأمنية، إلى البحث عن حلفاء آخرين في ضوء تدهور العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، معللاً ذلك بأن الأمريكيين يواجهون تحديات كبيرة في كوريا الشمالية وأفغانستان وباكستان وإيران وسورية ومصر والصين، كما أن لديهم الكثير من المشكلات الاقتصادية الخاصة.
وكأن ليبرمان أراد أن يوصل رسالة للولايات المتحدة بأن إسرائيل في حال لم تستطع أن تقنع أكبر حليف استراتيجي لها، بموقفها الخاص من ملف البرنامج النووي الإيراني، فلا مانع عندها من البحث عن حلفاء جدد، وهذا يمكن أن يتكرر في حال حدثت خلافات واسعة بين الطرفين في ملفات أخرى ساخنة، مثل ملف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية. ولا نعتقد بأن هناك عاقلا يأخذ كلام ليبرمان في هذا الخصوص على محمل الجد.
كيف ستترجم إسرائيل مقولة "حق الدفاع عن النفس" إزاء اتفاق المجموعة السداسية مع إيران، الذي تعتبره الحكومة الإسرائيلية "خطأ تاريخيا، يشكل خطراً على العالم كله لا على إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط فقط.
الخيار الأول الذي يتبادر إلى الذهن لجوء إسرائيل إلى الخيار العسكري منفردة، وأشار إلى ذلك مدير مركز بيغن- السادات للدراسات الجامعية إفرايم عنبار، في مقالة له نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم"، 19/11/2013- ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، حيث يؤكد عنبار أن "التقديرات التي تشير إلى قدرة عسكرية إسرائيلية على مهاجمة البنية للمشروع النووي في إيران وإلحاق دمار كبير بها، تقديرات موثوقة، ومن أجل القيام بهذه العملية كل ما هو مطلوب هو الوصول إلى هدف الهجوم، والتغلب على منظومات الدفاع، وتدمير الأهداف".
ويستدرك: "بيد أن المسألة الأهم هي القدرة على تدمير الأهداف الموجودة تحت الأرض.. ومن المحتمل أن تتطلب العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران وجوداً برياً، تحديداً من أجل ضمان تدمير الأهداف، وتستطيع الوحدات الخاصة الإسرائيلية القيام بهذه المهمة..".
ثم يعود ليستدرك مرة ثانية: "لكن علينا أن لا ننسى أن الهجوم الإسرائيلي ضد البنية التحتية النووية الإيرانية عملية معقدة وتكتنفها الكثير من المخاطر". ويمكن أن نأخذ تخبط أفكار إفرايم عنبار كنموذج للتخبط الإسرائيلي إزاء الملف النووي الإسرائيلي.
الخيار الثاني شن حرب غير مباشرة ضد إيران من خلال استهداف "حزب الله" في لبنان، وتحدث عن هذا الخيار يعقوب لايين، مراسل صحيفة "جيروزاليم بوست" للشؤون العسكرية، حيث كشف عن أن إسرائيل تعمل على رد عسكري على ما تدعي أنه عمليات تسلح يقوم بها الحزب، وحسب لايين يخطط الجيش الإسرائيلي لاستخدام تشكيلة مركبة غير مسبوقة من قدراته الجوية، بالتضافر مع مناورات برية خاطفة، للقضاء على "حزب الله" كقوة قتالية إلى سنوات طويلة قادمة.
وهكذا، إن خيار إسرائيل في الرد على اتفاق جنيف بين المجموعة السداسية الدولية وإيران ينحصر في استخدام الخيار العسكري مباشرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، أو شن حرب غير مباشرة على إيران بضرب "حزب الله" في لبنان. لكن الإسرائيليين يدركون قبل غيرهم أنهم ليسوا وحدهم من يضعون خطوطا حمراء، فهناك خطوط حمراء دولية متبلورة إزاء بعض الملفات الحساسة وأقوى من مثيلتها الإسرائيلية، وعلى إسرائيل أن لا تسبح عكس تيار التوافق الدولي الذي بدأ يثبت فعالية ومصداقية غير مسبوقة في العلاقات الدولية، وإن كانت هذه المصداقية مازالت قيد الاختبار.
إسرائيل خسرت رهان الحرب واستخدام القوة ضد إيران، وعليها أن تعترف بذلك، وهذا ما يزعجها في اتفاق السداسية الدولية مع إيران.

وكالة أنباء موسكو

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى