ما بعد الاتفاق النووي

الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1» لن يطوي التحديات العاجلة التي تواجه الولايات المتحدة والعالم العربي. فتنظيم «داعش» الإرهابي سيواصل تهديد العراق وسوريا وما وراءهما، وستظل قضايا الحكم الطائفي في العراق تغذي اضطرابات العرب السنة والأكراد، وستستمر الحرب الأهلية أو حرب الوكالة التي طال أمدها في سوريا خارجة عن السيطرة، تدمر حياة الأبرياء وتغذي الأزمة السياسية ومأساة اللاجئين، وتهدد استقرار دول الجوار، بينما ستبقى الأزمة الإنسانية والدولة الفاشلة في اليمن، وسيولّد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي يفاقمه تعنت الاحتلال اعتداءات متكررة، وسيواصل القادة والرأي العام في العالم العربي فقدان الثقة بالولايات المتحدة كحليف موثوق.

ولأن بعض العرب يرون أن لإيران يداً في كثير من أزمات المنطقة، فهم أقل اهتماماً بعدد أجهزة الطرد المركزي التي ستبقى لديها بعد الاتفاق، مقارنة بما يرونه توسعاً إيرانياً مزعزعاً للاستقرار في العراق وسوريا والآن في اليمن. وبالنسبة لهم، لا يمكن أن تتمخض المفاوضات عن نتيجة جيدة، إذا أخفقت الولايات المتحدة في معالجة تأثير الاتفاق على هذه الصراعات ودور إيران فيها.

وربما يتم كبح برنامج إيران النووي، لكن القلق الحقيقي لهؤلاء العرب، هو أنه مع تخفيف العقوبات ورفع الحظر عن أصول إيران، فإنها ستحصل على دعم مباشر من الإيرادات التي تقدر بنحو 150 مليار دولار. وهم يخشون من استخدام قسم من هذه الأموال في فترة ما بعد الاتفاق للاستثمار في مغامراتها الإقليمية.

وفي استطلاعات الرأي كافة التي أجريتها للرأي العام العربي، وجدت أن العرب يفضلون دوماً رؤية منطقتهم خالية من الأسلحة النووية، لكنه هدف يشعرون بأن الولايات المتحدة أحبطته مراراً برفضها تحدّي القدرات النووية الكبيرة التي تتمتع بها إسرائيل. وخلال السنوات الأخيرة، بينما تزايد قلق العرب من التدخل الإيراني في سوريا والعراق، أخبرونا أيضاً أنهم لا يودون رؤية إيران قوة نووية، وعبروا عن غضبهم من سياسة الكيل بمكيالين الأميركية.

وبرغم ذلك، أرى أن نجاح أوباما في هذه المفاوضات مهم لسببين رئيسيين:

الأول أنه سيكون قد أظهر أن القضايا الصعبة يمكن حلها من خلال الديبلوماسية، والثاني هو الأمل بأن يتمكّن أوباما من تعزيز نفوذه على نحو يمكنه من اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة الصراعات الكبرى في الشرق الأوسط.

بناء على ذلك، أحضّ أوباما على اتخاذ موقف حاسم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال العام الجاري بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، عن طريق تأييد قرار من مجلس الأمن يدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومبادرة السلام العربية وفرض موعد عامين لإنهاء المفاوضات اللازمة لحل قضايا الصراع.

وهذا يتيح لأوباما أن يستغل الدعم الذي يمكن أن تتمخض عنه مثل هذه المبادرة، من أجل السير نحو تحقيق سلام إقليمي عن طريق استخدام الديبلوماسية، وذلك عبر التفاوض على إطار أمني إقليمي بين العرب والإيرانيين. وهذه، وإن كانت مهمة شاقة، إلا أنها ضرورية. إذ لا يمكن لإيران أن تخرج من الاتفاق النووي بشعور أن لديها ضوءاً أخضر للتدخل في شؤون الدول العربية.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى