علوم وتكنولوجيا

محركات بريطانية تحطم قوانين الفيزياء بألف حصان في 12 كيلوغراما

في خطوة قد تعيد رسم خريطة هندسة السيارات الكهربائية عالية الأداء، كشفت شركة “ياسا” (YASA) البريطانية، المملوكة لمجموعة مرسيدس-بنز، عن جيل جديد من المحركات الكهربائية يتميز بوزن خفيف للغاية وقوة هائلة، مما يضع صناعة السيارات أمام مرحلة جديدة قد ينتهي فيها عصر المحركات المركزية التقليدية وأعمدة نقل الحركة.

التقنية الجديدة تعتمد على مفهوم “المحرك داخل العجلة” (In-Wheel Motor)، وتعدُ بحل إحدى أكبر معضلات السيارات الكهربائية: الوزن الزائد.

ثورة الكيلوغرامات: كثافة طاقة غير مسبوقة

وفقاً للبيانات التي كشفت عنها الشركة، يزن المحرك الجديد حوالي 12.7 كيلوجراماً فقط، وهو رقم ضئيل جداً مقارنة بالمحركات الكهربائية التقليدية (Radial Flux) التي تزن أضعاف هذا الرقم لتوليد نفس القوة. وتعتمد هذه القفزة على تقنية “التدفق المحوري” (Axial Flux) التي تشتهر بها “ياسا”، والتي تسمح بتصميم محركات مسطحة تشبه القرص (“Pancake shape”) بدلاً من الأسطوانات الطويلة.

وتشير المعطيات إلى أن النظام المتكامل المعتمد على هذه الوحدات قادر على توليد طاقة إجمالية تصل إلى 750 كيلوواط (ما يعادل 1,005 أحصنة ميكانيكية)، مما يمنح المركبات قدرات خارقة تتجاوز سيارات الـ “هايبركار” الحالية، ولكن بوزن سيارة سيدان عادية.

وداعاً لـ 500 كجم من “الدهون الميكانيكية”

قال تيم وولمر، مؤسس “ياسا” والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، في تصريحات سابقة حول رؤية الشركة، إن تبني هذه التقنية لا يقلل وزن المحرك فحسب، بل يغير هيكلية السيارة بالكامل. فوضع المحرك داخل العجلة يلغي الحاجة إلى أنظمة نقل الحركة (Differentials)، وأعمدة الكردان (Driveshafts)، والمحاور الثقيلة.

وتشير التقديرات الهندسية إلى أن هذا التصميم، مقترناً بتقليل حجم البطارية نظراً لزيادة الكفاءة، قد يخفض وزن السيارة الكهربائية بحوالي 500 كيلوجرام. هذا التخفيض الهائل يعالج “نقطة الألم” الرئيسية في السيارات الكهربائية الرياضية، مما يعيد لها رشاقة السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود .نهاية المكابح الخلفية؟

ومن بين المزايا الأكثر إثارة للجدل في النظام الجديد هو قدرته الهائلة على “الكبح المتجدد” (Regenerative Braking). فبفضل عزم الدوران الفوري والقوة العالية للمحرك داخل العجلة، يمكن للمحرك عكس دورته لإيقاف السيارة بقوة تضاهي المكابح الهيدروليكية.

ويفتح هذا الباب أمام المصنعين للاستغناء تماماً عن الفرجار والأقراص في المكابح الخلفية، أو تقليل حجمها بشكل كبير، مما يساهم في خفض الوزن غير المنبض (Unsprung Mass)، وهو الوزن الذي يؤثر سلباً على تعامل السيارة مع الطريق.

منافسة شرسة مع “المادة المظلمة”

يضع هذا الإعلان شركة “ياسا” في مواجهة مباشرة مع عمالقة الابتكار، وتحديداً شركة “كوينيجسيج” السويدية التي كشفت مؤخراً عن محركها “Dark Matter” (المادة المظلمة). ورغم أن محرك كوينيجسيج يجمع بين التدفق المحوري والشعاعي (Raxial Flux) ويقدم أداءً مذهلاً بوزن 39 كجم، فإن محرك “ياسا” الجديد يتفوق بوضوح في معادلة “الوزن مقابل القوة”، حيث يقل وزنه بأكثر من النصف مقارنة بمنافسه السويدي، مما يجعله الخيار الأنسب للتطبيقات التي تتطلب خفة قصوى داخل العجلات.

من فيراري إلى المستقبل

لا تعد تقنيات “ياسا” غريبة على عالم السرعة؛ فالشركة تورد بالفعل محركات لسيارات مثل فيراري SF90 و296 GTB ولامبورغيني ريفويلتو. ومع استحواذ مرسيدس-بنز على الشركة في عام 2021، فإن الهدف المعلن هو نقل هذه التقنية من خانة “الحصرية” إلى طرازات الأداء العالي المستقبلية (AMG).

ويرى محللون في قطاع السيارات أن نجاح مرسيدس في دمج هذه المحركات داخل عجلات طرازاتها الكهربائية القادمة سيخلق فجوة تقنية يصعب على المنافسين ردمها قريباً، خاصة مع القدرات الديناميكية للتحكم في العزم (Torque Vectoring) لكل عجلة بشكل مستقل وبدقة ميلي-ثانية.

بينما يتسابق العالم لزيادة مدى البطاريات، اختارت “ياسا” مساراً مختلفاً: جعل السيارة أخف وزناً وأكثر كفاءة. إذا نجح هذا المحرك الصغير بوزن 12.7 كجم في الوفاء بوعوده، فإننا قد نكون أمام الفصل الأخير من هيمنة المحركات الثقيلة، وبداية عصر تكون فيه القوة المفرطة “خفيفة كالريشة”.

 

ميدل إيست أون لاين

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى