محطة في التاريخ السوري: قرار إسرائيل بتحويل نهر الأردن

 

خاص بوابة الشرق

يهتم السوريون كثيراً بأيام الوحدة السورية ــ المصرية، وفي تلك الأيام هناك وقائع مهمة من الحياة السياسية والحزبية السورية، وقد رصدها كثيرون من مختلف وجهات النظر، ولكن صحيفة ( الصدى العام) نشرت في 14 آب 1962 مقابلة مع صلاح الدين البيطار وهو واحد من السياسيين السوريين الذين لعبوا دوراً هاماً في تلك الفترة، وكان وزيراً للثقافة في دولة الوحدة .

والحوار المرافق معه يتعلق بأسباب استقالة الوزراء البعثيين من الوزارة أيام حكم عبد الناصر، وقد رصدها الصحفي فهمي المحايري في يومياته عن تلك المرحلة فقال:

تقول جريدة النصر الدمشقية على لسان حسن الخير: دعا الرئيس عبد الناصر الوزراء المركزيين السوريين والمصريين بعد العطلة الصيفية وفي منتصف شهر تشرين الثاني 1959 إلى اجتماعات يعقدها ليطلعهم على النقاط الهامة في السياسة، وجاء بحث تحويل مجرى نهر الأردن فقال الرئيس: يتكلم اليهود الآن من جديد عن تحويل مجرى نهر الأردن فجرى النقاش حول هذا الموضوع .. وبالطبع تكلم الوزراء السوريون / أكرم الحوراني – احمد عبد الكريم – أمين النفوري وانأ (أي صلاح البيطار) بوصفنا مطلعين على تطورات هذا الموضوع منذ عام 1953.

فذكر الأستاذ أكرم والوزراء السوريون كيف أن الجيش السوري وقف عام 1953 في وجه التحول وأطلق نيران مدافعه ضد المواقع الإسرائيلية في الضفة الثانية للنهر وتحدثوا عن مشروع جونسون وكيف حاول أن يضغط على دول الجامعة العربية التي كانت المرجع العربي الرسمي لدراسة هذا الموضوع ولا سيما أنها شكلت لجنة لدراسته خلال أكثر من سنة وكيف وقف رئيس الحكومة السورية السيد سعيد الغزي مدعوماً من المجلس النيابي 1955 ضد هذا المشروع فرفض نهائيا ودفن .

وتكلم السيد احمد عبد الكريم بوصفه مطلعاً على هذا الموضوع بحكم عمله عن الموقف العسكري في الجبهة آنئذ وانه  بإمكان الجيش الأول اليوم إن يقف الموقف نفسه الذي وقفه عام 1953 وقال : إن اتخاذ هذا الموقف كفيل بأن يمنع التحويل كما منعه بالسابق لان هناك مجلس الأمن بيده القضية .

فأجابه المشير : إن لدى الجيش الأول الأوامر بأن يقف ذات الموقف الذي وقفه 1953 بأن يمنع بالقوة تحويل مجرى الأردن من المنطقة المجردة ولكن لدينا معلومات تفيد بأن إسرئيل ربما تلجأ إلى تحويله من منطقة أخرى غير المجردة تبعد عنها 5/ كيلو متر نحو الجنوب قرب طبريا حيث تصبح في أراضيهم في إسرائيل .

وتكلم الأستاذ أكرم الحوراني عن مشروع جونستون وكيف أن سورية رفضته بالرغم من أنها لم تلزم آنذاك في تمويله فكيف نقبل أن تستغله إسرائيل لوحدها الآن .

تكلم الوزيران أمين النفوري واحمد عبد الكريم مشيدين بما فعله الجيش السوري بالماضي واخذ الكلام طابعاً إقليميا مما جعل المناقشة تمتد وتخرج عن النقاش الهادئ الموضوعي وتأخذ الطابع الاستفزازي، فتكلم عبد الناصر وقال : البحث ليس بحث التحويل من المنطقة المجردة ، فالمشير ذكر بأن الأوامر معطاة للجيش الأول أن يقف في هذه الحالة نفس موقفه عام 1953 ومجلس الأمن سيكون إلى جانبنا كما كان في الماضي لأن اتفاقية الهدنة تمنع أي طرف من استغلال المنطقة المجردة عسكريا لمكاسب له ، وإنما نحن في صدد البحث عن احتمال التحويل من غير المنطقة المجردة وما يترتب على ذلك من احتمال وقوع عمليات عسكرية ولذلك فبرأيي أن تشكل لجنة تدرس هذا الموضوع كما تدرس الناحية القانونية للانهار الدولية.

فرد عليه أكرم الحوراني أنه بالإمكان لعمليات شبه عسكرية، كما حدث عام 1953 – أن تقف في وجه التحويل دون أن يؤدي ذلك إلى حرب فأجابه عبد الناصر / إنني استطيع أن اضمن لنفسي أن أقوم بعمليات شبه عسكرية ولكن لا استطيع أن افترض إن إسرائيل تجعلها شبه عسكرية والموضوع لا يبحث بهذه السهولة بل يجب أن نبحثه على النطاق الاستراتيجي العسكري فنحن لا نستطيع أن ندخل معارك حربية إلا إذا كنا مستعدين ولا يجوز ان ندع الحرب تفرض علينا فرضاً، بل يجب أن نحدد نحن يوم المعركة ومكانها. لنفترض بأن الطائرات اليهودية قامت بقصف دمشق فهل يمكن السكوت أم أننا سنضطر لخوض حرب فعلية، فتوتر الجو من جديد واخذ النقاش طابعاً إقليمياً وعاطفياً بين الوزراء السوريين وبين الرئيس والمشير وخرج عن الموضوع إلى القول إن دمشق على استعداد دائماً ان تتحمل القنابل وأن سورية وقفت لوحدها في وجه الحشود التركية وان الجيش السوري منع في عام 1953 تحويل مجرى الأردن.

عندئذ التفت الرئيس إلى المشير قائلا :- والله يا أخ عبد الحكيم إذا كان الأمر هكذا فلتقم قواتك بالهجوم على إسرائيل .

وقال الأستاذ البيطار: استطيع أن أقول إن النقاش عندئذ أصبح شخصياً وان كلا الجانبين كان وكأنه لوحده وكان الآخر لا يسمعه .

عندئذ أخذت ( الأستاذ البيطار ) الكلام وقلت : سيادة الرئيس إن تحويل مجرى نهر الأردن خطير يهدف إلى هجرة مليون يهودي جديد ليسكنوا صحراء النقب بعد أن ترويها مياه الأردن المحولة، وان اليهود ملؤوا الدنيا في الإعلام بدعايتهم بأن مشروع التحويل هو مشروع إنمائي يهدف إلى تحويل صحراء النقب إلى جنة يسكنها اليهود المشردون والذين يريدون أن يأتوا إلى إسرائيل ويعيشوا فيها آمنين، ولذلك يجب أن نبدد هذه الدعاية إذا ما حاولت اليهودية تحويله من المنطقة المجردة أو غير المجردة، مما يضطرنا إلى وقف التحويل ونكون قد هيأنا قبل ذلك الرأي العام الدولي لتفهم قضيتنا وإنها قضية عادلة. لذلك يجب أن نعطي التعليمات إلى الوفود العربية في هيئة الأمم بأن تطالب بمنع هجرة اليهود وإعادة اللاجئين إلى أرضهم، ولا سيما أن هناك قراراً من الأمم المتحدة بعودة اللاجئين إلى ارض الوطن وان يبينوا لوفود هيئة الأمم المتحدة وللرأي العام العالمي ان هجرة اليهود من فلسطين ليست عملا إنسانيا بل هو عمل عدواني عسكري .

إن إسرائيل ترمي إلى استيعاب مهاجرين جدد من الشباب والشابات المتحمسين المتعصبين يأتون بهم إلى معسكرات خاصة لتعليم اللغة العبرية والعقيدة الصهيونية العدوانية وتدريبهم على السلاح، وإعدادهم إعدادا عقلياً ونفسياً وجسمياً للقتال والعدوان هادفين إلى تحقيق حلمهم بالتوسع – من هنا – برأيي يجب أن نتناول الموضوع بهذا الشكل نكون قد ربطنا تحويل مجرى الاردن بكونه عملاً عدوانياً عسكرياً ومن حق الجمهورية العربية المتحدة ان تمنعه .

قال البيطار : فأجابني عبد الناصر قائلاً :- هذا ما تفعله وفودنا وهذا ما يفعله الدكتور محمود فوزي وسألت الأستاذ البيطار / اصحيح أن الوفود العربية تقوم بهذه الدعاية ؟

فأجاب : بالواقع … لا .. إن الدكتور محمود فوزي والجمهورية العربية المتحدة لم تقم بمعالجة القضية في هيئة الأمم على هذا النحو ، كما أن جميع الوفود العربية كلها بما فيها مصر وسورية لم تعالجها أيضا بهذه الطريقة حتى اليوم، الأمر الذي يجعلنا نفهم الجميع بعدم تقديرهم لخطورة موضوع تحويل مجرى نهر الأردن .

وفي هذه الأيام يجري الضخ الجزئي من بحيرة طبريا أمام أعيننا ولم تتحرك مصر ولا أية دولة عربية أخرى .

وهنا قاطعه رفيقنا الذي لا يحتاط بقوله :

أين التبجح بالبطولات إذن ؟

فاستأنف الأستاذ البيطار يقول :

وأنا لا أجيز لنفسي أن أدخل في مزاودة كلامية في أخطر قضية عربية مثل قضية فلسطين لان كل العرب السياسيين والمسؤولين في جميع الدول العربية يستغلون هذه القضية لتوطيد دعائهم حكمهم غير الشعبي …؟

وسألت الأستاذ البيطار : هل كان بحث تحويل الأردن من أسباب استقالتكم  فأجاب : لا أبدا .. إن استقالتنا كانت لأسباب داخلية بحتة . وكنا قد اتفقنا عليها أنا والأستاذان ميشيل عفلق وأكرم الحوراني يوم كنت مريضا بالزبداني في أوائل شهر أيلول – قبل شهرين ونصف من بحث هذا الموضوع – ولم نستقل إلا بعد مرور أكثر من شهر على بحثه وقد كان السبب المباشر لاستقالتنا تأزم الموقف بين الوزيرين / قنوت وحمدون من جهة وبين المشير من جهة ثانية ، وليس لبحث تحويل الأردن أي علاقة باستقالتنا وإنما كانت لاختلافنا مع نظام الحكم الفردي لا لسبب غيره .

وسأله احدنا : لقد قال أكرم الحوراني : إنني لأول مرة اسمع بفكرة ضخ المياه من بحيرة طبريا عندما حدثني بأن عبد الناصر، وبعد عدة أشهر جرى الضخ من البحيرة ويستنتج أكرم من ذلك بأن عبد الناصر هو الذي أشار على أمريكا بأن تقنع ابن غوريون بالعدول عن تحويله من المنطقة المجردة والاكتفاء بالضخ من طبريا فما رأيك بهذا الاستنتاج ؟ فأجاب : إن من حق الأستاذ أكرم أن يستنتج ما يريد.

 

إعداد الفقرة : باب الشرق ،، ع / ن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى