محمود درويش .. ضد الغياب (أيمن رفعت)


أيمن رفعت


مؤلف هذا الكتاب هو الإعلامي المغربي عبدالصمد بن شريف الحاصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، ويعمل مدير قناة المغربية التليفزيونية في الرباط ، أعد وقدم عدة برامج تليفزيونية سياسية وفكرية واجتماعية، في قضايا مغربية وعربية. له من الإصدارات، كتاب (رهانات مشتركة) و(أناشيد الذاكرة) و(الرهان والرهينة).
وفي مقدمة كتابه "ضد الغياب"، يهدي كتابه: إلى كل الأوفياء لمشروع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي كرسه لتأسيس هوية إنسانية وجمالية، ووظفه لمحاربة الغياب والتغييب والتلاشي والعدم.
ومن أقوال الشاعر محمود درويش يعرض منها: أعتقد أن الكتابة عن الحب شكل من أشكال المقاومة الجمالية للخطاب الدراماتيكي الذي يفرض علينا أن نكتبه، لأنه في موضوع الحب تجد حيزًا للتعبير عن فرح لا تجده إلا هناك، فرح بالحياة، بالعلاقة الإنسانية، بمشاركة الآخر أسئلته وحياته وتطلعاته وأحلامه، وكذلك أن تكتب، أيضًا عن الطبيعة، ففي الكتابة عن الطبيعة والحب، هناك المنطقة الوحيدة التي يتجلى فيها الفرح بالشعر، لأن الشعر مليء بالأحزان.
يقول الإعلامي عبدالصمد بن شريف، في 1992، شاركت في ندوة دولية عن الموسيقى في قصر (النجمة الزهراء)، بالعاصمة التونسية، ومن المصادفات أن الشاعر الكبير محمود درويش، كان يقيم قريبا مني في فندق أبو نواس بلاس في قمرت.
كان صعبًا أن أتجرأ على شاعر في قامة درويش، لأطلب منه إجراء مقابلة صحفية، فكرت في الأمر ألف مرة، وبالفعل، اتصلت به في غرفته بالهاتف، وطلبت منه، بأدب وتقدير، تحديد موعد، فوافق دون تردد، بعد أن قدمت له نفسي.
ويقول: للجلوس مع الشاعر محمود درويش نكهة خاصة، ليس لأنه شاعر فلسطيني وقائدها الشعري الذي يملك كاريزما استثنائية، وليس لحضوره الرمزي الكبير عربيًا وكونيًا، لكن لأنه حالة شعرية وثقافية متميزة ومكثفة وعميقة، متعددة وممتدة وغنية بالتجارب والأسئلة الإشكالية. محمود درويش يملك براعة خاصة في فن التواصل، يجعلك، دون أن تشعر ترغب في نسج علاقة به.
وفي 3 مايو/ آيار 1995، اتصلت بالشاعر درويش هاتفيًا، وكان ينزل في فندق حسان، في الرباط ويعاني بعض المتاعب الصحية، إلا أنه قبل دعوة إجراء حوار معه، هذا الحوار الذي أجل، منذ لقائنا الأول في تونس عام 1992، والذي كان فاتحة حوارات تالية.
ويشير الكاتب إلى رد الشاعر الكبير على هذا السؤال، لفلسطيني يقيم داخل فلسطين وخارجها، هل ترى أن مواطنيك في الداخل لمسوا مظاهر إيجابية لعملية السلام؟ هذه من النقاط التي تشوش على الاندفاع العام الذي حصل بعد توقيع اتفاق القاهرة الذي وضع آليات لتطبيق اتفاق أوسلو. ورأوا أنه قد يكون فاتحة لإنجاز حتى بهذا الحل المحدود، ورأوا أنه قد يكون فاتحة لإنجاز بعض المطالب الفلسطينية الوطنية العادلة.
لكن السلام، عندما يتقدم به أي طرف، فإنه يعد شعبه بالرخاء وتطور الاقتصاد، لأنه حتى الثمن الاقتصادي للسلام، لم يتح تسديده من جانب الإسرائليين. وتشير الإحصائيات الاقتصادية إلى هبوط في مداخيل السكان في غزة، لأن الاحتلال الإسرائيلي المستمر لغزة زاد الأعباء الاقتصادية على الشعب الفلسطيني.
لذلك لم يحل الشعب الفلسطيني داخل هذا العدوان، لا القضية الوطنية، ولا القضية الاقتصادية، أي حتى ثمن السلام الطبيعي لم ير الناس له أي أثر.
وينقلنا الكاتب إلى حوار مع الشاعر درويش في فبراير/ شباط 2004، وذلك عندما استضاف الشاعر درويش، لإحياء أمسية شعرية في مسرح محمد الخامس بالرباط، ساعدني الصديق حكيم الذي كان مرافقًا في تلك الظهيرة لدرويش، على أن أزداد قربًا من الشاعر الراحل، لاسيما وأنه حكيم، وبتلقائيته التي لا تخلو من مرح، قال لي إنه ليس أديبًا ولا شاعرًا، لكي يناقش محمود درويش، ويتجاذب أطراف الحديث معه.
بمعنى آخر طلب مني أن أقوم بالمهمة، بيد أنه كان، من حين لآخر، يُدلي برأيه في أشياء كثيرة، وإن كانت اللغة العربية لا تسعفه كثيرًا، بحكم أنه صافي، يكتب بالفرنسية، ويتواصل بها جيدًا.
ومن ضمن حاره، يعرض الكاتب بعض أقوال الشاعر الراحل محمود درويش: الشاعر لا يبشر، لا يُعرف بما يقوله فقط، بل يُعرف أيضًا: بجماليته وقدرته التخيلية.
من هنا نستطيع أن نبحث عن جدوى الشعر. والنقطة الثانية هي أن الشعر خلق وإبداع وابتكار، يضع الكلمات في حالاتها الأولى دونما تشكل، فهو يعمل على العودة إلى بدايات إنسانية أولى وبريئة.
وكان رده على هذا السؤال أيضًا، عندما تكتب قصيدة، هل تلمس أن هناك تأثيرًا ما أو سلطة يمارسها النص الشعري على القارئ، تجد لها، أو يجد النص الشعري له صدى في الشارع؟
– عندما أكتب، لا أضع في الحسبان أي شيء خارجي في العلاقة الحرة بشكل مطلق بيني وبين النص الشعري. لا أفكر حتى بالقارئ، أي تفكير خارج حرية القصيدة في أن تبني نفسها بإشراف من الشاعر، هو نوع من الرقابة الخارجية على النص الشعري، لكن عندما تكتب القصيدة، وتصبح نصًا مستقلًا، وبناء وكيانًا، ولا تصبح القصيدة ملكية فردية، تصبح ملكية جماعية، وعندما تتعرف الجماعة في هذا النص، باعتباره تعبيرًا عن الذوات التي تشكل هذه الجماعة، يشعر الشاعر بسعادة كبرى، وهذا يعوض الشاعر عن الجهد المضني والعبثية في أثناء الكتابة.
وفي خاتمة الحوار، يقول الشاعر الراحل: هناك مفارقة في تجربتي الشخصية تسعدني، وهو بقدر ما يتطور مشروعي الشعري، بقدر ما أتمرد على موجة الشعر، فأنا أستبق النقاد وأراجع تجربتي، فأنا لا أريد أن أركن إلى أي إنجاز، وأقول إنني بلغت درجة يجب أن أبقى عندها. القلق وعدم الرضا عن النفس هو سر التطور.
يذكر أن كتاب "ضد الغياب" للكاتب عبدالصمد بن شريف صدر عن دار الصدى للصحافة والنشر بدبي. ويقع في نحو111 صفحة من القطع المتوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى