مرسي ووهم الانتصار (الياس حرفوش)

الياس حرفوش

 

كشفت قرارات الرئيس المصري بمدّ يده للسيطرة على كل سلطات الدولة، من تنفيذية وتشريعية وقضائية، المدى الذي يمكن أن يصل إليه وهم الانتصار بعد الثورة، خصوصاً إذا كان هذا الانتصار يفتقر إلى الواقعية. لقد اعتقد مرسي أن رئاسته تسمح له بمصادرة الثورة، لكن أكثرية المصريين وقفت في وجهه لتذكّره أن فوزه بالرئاسة لم يكن ساحقاً، فهو لم يفز من الدورة الأولى، ولم تتجاوز الأصوات التي حصل عليها في دورة الإعادة سوى نسبة 1 في المئة من نصف أعداد الناخبين. وهذا يعني أن الرئيس المصري لا يتمتع بالثقة الشعبية الواسعة التي تتيح له الادعاء أنه رمز الثورة والمؤتمن على نجاحها.
كشفت قرارات مرسي أيضاً قصوراً سياسياً منعه من الإفادة من لحظة «انتصار» استثنائية، حققها بعد تكليفه بالتوسط لوضع حد للعدوان الإسرائيلي على غزة. هكذا أصبح الرجل الذي كان قبل أيام يحظى بالتعليقات الإيجابية من كل مكان، فلسطينياً وعربياً وإسرائيلياً ودولياً، موضع انتقاد لسلوكه الدكتاتوري الإقصائي في ممارسة السلطة في مصر، ذلك أن أي دولة تُحكم ديموقراطياً لا تملك سوى التبرّم من مثل هذا السلوك.
كان منتظراً من الرئيس محمد مرسي أن يكون أكثر حكمة مما أظهرته قراراته الأخيرة. فهو يعلم مدى التجاذب القائم في بلاده بفعل تداعيات الثورة، بين من يشعرون بالنصر ومن يعتبرون أنهم خسروا مواقع كانت لهم قبل الثورة. ويعلم أيضاً مدى الحذر القائم لدى قطاعات واسعة من المصريين كما لدى غيرهم، حيال سلوك «الإخوان المسلمين» الذي يمثلهم مرسي في الحكم، مهما حاول أن يدعي عكس ذلك. ويعود هذا الحذر إلى الشك في سعة صدر «الإخوان» حيال الأفكار والأحزاب المنافسة، وفي مدى احترامهم لقواعد اللعبة الديموقراطية القائمة على عدم تفرد أي طرف بإدارة الشأن العام، واعتبار أن قراراته وأحكامه هي فوق المساءلة.
لكن مرسي كشف مبكراً حقيقة سلوك «الإخوان»، وكشف كذلك ضيقهم بتعدد الآراء وبإتاحة المجال للجميع للمشاركة السياسية. ومع أن هذه لم تكن مواجهته الأولى مع أعلى السلطات القضائية في مصر، إذ سبقتها مواجهة بشأن حل مجلس الشعب، إلا أن الإعلان الدستوري الأخير فاق ذلك، بقطعه الطريق على أي طعن من أية جهة كانت، في قرارات الرئيس، بانتظار الانتهاء من إقرار الدستور الجديد وانتخاب مجلس الشعب بعد ذلك. مما يعني أن اليد الطويلة التي يريدها مرسي لنفسه خلال هذه الفترة تتيح له تجهيز كل المؤسسات بالطريقة التي تناسب مصلحته ومصلحة مؤيديه.
غير أن للمواجهة الأخيرة بين محمد مرسي ومعارضيه، وهم في هذه الحالة أكثرية المصريين، إيجابيات كثيرة، أهمها أن سعة الاحتجاجات أثبتت أن ما من رئيس في الزمن المسمى «الربيع العربي» يستطيع أن يمارس سلطاته بالطريقة التي مارستها أنظمة الحكم المخلوعة. لقد استعاد المواطنون زخمهم وباتوا يشعرون أن تقرير مصيرهم بيدهم. وهذا خطأ آخر اقترفه مرسي حين استهان بهذا النبض الشعبي وأساء تقدير المعنى الحقيقي لثورة المصريين على نظام حسني مبارك.
أما الإيجابية الثانية فقد ظهرت من خلال رغبة مرسي في الحوار مع المجلس الأعلى للقضاء، واستعداده للحد من السلطات التي أعطاها لنفسه، وقصرها على القوانين والقرارات التي تتعلق بالأعمال السيادية. غير أن كل ذلك لا ينفي أن شرخاً كبيراً وقع بينه وأكثرية المصريين يتعلق بالثقة بسلامة قراراته وبقناعاته الديموقراطية. ولا يماثل هذا الشرخ سوى انكشاف صورة «الإخوان المسلمين» كجماعة مستعدة لقول الشيء وممارسة عكسه، بهدف احتكار السلطة وإبعاد المعارضين.

 

صحيفة الحياة اللندنية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى