مرسي يعلن حرب الدفاع.. عن الكرسي! (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

1
إنها الحرب

لا مجال أمام الرئيس محمد مرسي إلا دفع فرص العنف (الأهلي) الى مداها الاقصى الذي ينشر اليأس والرعب.
وبعد ساعات قليلة من نهاية خطاب «كشف الحساب» بدأت عملية واسعة هدفها «حصار المساحات»، بدءاً بالمقار الحكومية للمؤتمرات (أقيل مديرها يحيى حسين احد أبطال محاربة فساد بيع الشركات أيام مبارك)، وصولاً إلى الفضائيات (التي استخدم فيها النائب العام ليقرر القبض على مذيع معروف بلغته الشعبوية ويصلح لأن يكون رسالة تحذير الى الآخرين). يبدو مرسي هنا مستجيباً لصيحات جمهوره «اغضب»، متخيلاً انه يواجه «مؤامرة» تهدف الى إعادة احمد شفيق الى الحكم. يشترك في المؤامرة قضاء (يحكم عبر اللجنة العليا للانتخابات بتزوير الانتخابات) وإعلام (يمهد الأرض لوصول شفيق) ومعارضة تمنح العودة غطاءً سياسياً.
مرسي يصدّق المؤامرة فعلاً، وقد اتخذ إجراءات انتقامية على كل المستويات، سواء في القضاء (أحال القاضي الذي حكم ببراءة شفيق الى التفتيش القضائي ضمن ٢٥ قاضياً اتهموا بتزوير انتخابات العام ٢٠٠٥)، والإعلام (إجراءات لإغلاق القنوات وأوامر قبض على مذيع أثناء وجوده على الهواء)، والإدارة الحكومية (تشغيل سلاح البيروقراطية للسيطرة على مساحات المعارضة)، بالإضافة إلى تفعيل النائب العام لقراره القديم: منح الضبطية القضائية للمواطنين في إلقاء القبض على مثيري الشغب والبلطجية (وهو قرار يمنح الترخيص للعنف الأهلي ويفتح المساحة بتقنين وضع المجموعات الإخوانية ذات الطابع الميلشياوي).
مرسي اختار عدوه، وفصّل مؤامرته وخطط حربه، متحصناً بشراكته مع العسكر (بالرعاية الأميركية)، وهذا ما جعله يحضر الأشباح ويستعرض قوته عليهم بينما الثورة في مكان آخر.


2
احمد شفيق ليس الشبح الوحيد

أدى مرسي خطابه بشعور المنافسة مع حسني مبارك، بداية من الملل (الذي كان شرعية مبارك الأقوى)، وحتى النظرة التي لا ترى في الحياة سوى اشخاص يضغط عليهم بخطابه (تهديداً وطلباً للتسليم او الاذعان او القبول بشروط صفقة ما).
الاهم ان المرسي قدم نفسه على أنه الرئيس الشامل الكامل. يناقش شركات وشخصيات في اسعار اراضي الدولة (اي سمسار)، ويعرف ما يدور في العالم الخلفي لمحطات «البنزيم» (اي عنصر نشيط في الشرطة السرية) ومتورط في مافيا البلطجة («عارفك يا فودة.. شايفك يا عاشور»!)، ومفاوض في شراء الطيارات (قومسيونجي) .
رئيس يعرف كل شيء. هذه رسالة مرسي ليس الى جمهور يشك في قدراته، ويراه صغيراً على الكرسي، ولكن الى جمهوره (اهله وعشيرته) الذي يؤكد لهم بين كل كلمة واخرى «انا الرئيس»، و«الله العظيم ..انا الرئيس» و«القائد الاعلى للجيش» و«الرئيس الاعلى للشرطة»، وهي زلات لسان تشير الى افتقاد مرسي للشعور بأنه بالفعل حاكم مصر.
أضاف مرسي، في خطاب الملل، مهمة أخرى للتذكير بأنه الرئيس، وهي طلب ولاء «الشرطة والجيش» بالمديح المجاني والتهديد المستتر. وتلك رسالة اخرى الى جمهوره: «أجهزة مبارك معنا وستقوم بحمايتي»، والى عناصر من بقايا النظام القديم (للضغط عليهم من اجل التسليم في تسويات مقبلة).
كل هذه الرسائل تصب في اتجاه اضعاف حشد 30 حزيران، اولاً بتصوير انها مجرد مؤامرة من الخارجين من طرة (صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور على سبيل المثال)، متجاهلاً المعارضة وحركة «تمرد» بشبابها الذين اعتذر اليهم (ولم يتوقف عند سبب الاعتذار).
كشف مرسي في خطابه عن نزوع الى شخصنة الثورة عليه في اسماء بعينها مثل محمد الامين في الاعلام وفودة وعاشور في شراء البلطجية ومكرم محمد احمد في الصحافة، وثلاثي نخبة مبارك في القيادة العامة.
ربما تكشف هذه الصورة عن ارهاق نفسي يخيل لمرسي وهو معزول (في قصره وبين جماعته) انه يحارب اشباحاً تخرج من رأسه اولاً. هذه الحرب تعميه عن التعامل مع الواقع ومتطلباته، سواء في ما يتعلق باتساع مساحة الغضب عليه وعلى جماعته، او باقترافه جرائم فعلية من على منصة الرئاسة، فليس من حق احد ان يتهم شخصاً بما لم تصدر فيه احكام، كما ان الحاكم الذي يتهم قاضياً من دون ادلة يشل ارادته في الحكم، هذا غير عدم النزاهة في تحويل خصومات شخصية قديمة (مع القاضي ومع منافسه في الانتخابات) الى عمليات انتقامية من موقعه الذي من المروض ان يكون رفيعاً في مقامه ومتجرداً في سلوكه وملتزماً بحدود وظيفته في السياق العام.


3
ليس لدى الديكتاتور من يتحالف معه

مرسي أثبت للمرة الأخيرة ربما انه مندوب عن جماعة لا استعداد لديها للتوافق باتجاه المستقبل، تحركها شهوة للسلطة والحكم يمكنها ان تدمر من اجلها كل شيء.
الجماعة لا تريد التفاوض الا مع بقايا نظام مبارك، وكلما فشلت المفاوضات لعب مرسي بورقة الترغيب والترهيب، متصوراً ان الاتفاق مع البقايا (من اجهزة واشخاص) سيعيد ادارة الدولة الى الغرف المغلقة، وسيفرغ الشارع من تأثيره والمجتمع من قوته.
وهو في هذا ليس وحده. هذا ما يفعله ايضاً البقايا (سمّها الفلول، لكنها تحتاج الى تسمية جديدة تعبر عن مستجدات وضع ما تبقى من دولة مبارك في ظل حكم عصابة/جماعة منافسة).
مرسي يريد التسوية (يديرها خيرت الشاطر) ويمكنه ان يستمر في التصعيد طلباً للولاء وتقوية للقبضة، وفي المقابل سيواجهه المزيد من العنف، وهنا إما ان ترتبك القوى الثورية او تسير في حشدها لقوة المجتمع لتسقط السلطة وحدها او متحالفة لإنهاء الديكتاتوريات المحلية بالرعاية الأميركية.

صحيفة السفير اللبنانية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى