مزيد من الثورة… والعبث (محمد صلاح)

 

محمد صلاح

الأوضاع في مصر وصلت إلى حالة توجب تجاوز الحديث عن الثورة، وما جرى فيها، وما آلت إليه، أو إيجابياتها وسلبياتها، ومساوئ نظام مبارك، وخطط فلوله، وأخطاء القوى المدنية وخطاياها، وقطف الإسلاميين الثمار وحدهم ثم معاناتهم وفشلهم في إدارة الدولة، وخبايا مساندة العسكر للثورة، وترحيبهم بإطاحة مبارك ثم ارتباكهم في الفترة الانتقالية، وموقفهم من الطريقة التي يدير بها الإسلاميون الحكم، والانفلات الأمني، والشرطة التي انهارت في بدايات الثورة ثم عادت لتمارس ما ثار المصريون ضده. الحالة المصرية الآن تشير إلى أن الحلقة تضيق أكثر فأكثر لكنها لا تُفرج.
تجاوز الأمر الحكم والمعارضة، أو بمعنى أدق الصراع التقليدي بين قوى سياسية تحكم وأخرى تعارض، إلى عبث تمارسه كل الأطراف، وأحياناً تتلذذ به من دون أن يعي أي منها أن ما يمارسه يضر به قبل أن يصيب منافسيه. فلا الحكم سيتمكن من أن يحكم إذا استمر في الغوص تحت أمواج الفشل وصخب المواجهة. ولا المعارضة ستخلع الحكم وهي تواصل التنظير الفضائي طوال الأسبوع ثم تثور كل جمعة وترتاح بعدها، أو يعود رموزها إلى مواقعهم الثابتة في برامج الفضائيات ليواصلوا نضال الميكروفونات والعدسات وصراع الاستديوات في انتظار يوم العطلة التالي!
من وحي أحداث المقطم تكتشف المبالغة في كل الروايات عن «ميليشيات» الإخوان، خصوصاً والإسلاميين عموماً، فالإسلاميون كثيراً ما يفخرون بكونهم منظمين ولديهم «ذخيرة» من الشباب الراغبين في الاستشهاد من أجل الدين! وتجلت مشاهد ميليشياتهم أمام مدينة الإنتاج الإعلامي أمس واليوم، في الحصار الثاني لها، وقبلهما عند قصر الاتحادية، وكذلك أمام المحكمة الدستورية، وأخيراً يوم المقطم عندما احتشدوا لحماية مقر الإرشاد، ونصب المكامن للقادمين إليه، بينما القوى المدنية ورموز المعارضة لا يتوقفون عن التحذير من استخدام «الإخوان» ميليشياتهم والإسلاميين لشبابهم في كل صدام أو حصار. وظهر أن الصراع في كل مواجهة لم يكن في مصلحة «الإخوان»، حتى لو كانوا منظمين أو ملبين للأوامر والتوجهات العليا، فالعنف العشوائي ضدهم يفرقهم ويشتتهم وينهكهم ويهزمهم. أثبتت الموقعة أيضاً أن نظام الحكم بكل مكوناته، رئيساً وحزباً وجماعة ومناصرين، فشل في إدارة الأزمة دائماً لأنه لا يعتقد أصلاً أن هناك أزمة، فهو مقتنع بالمؤامرة التي تحاك ضد «المشروع الإسلامي»، علماً أن المسيرات إلى المقطم، والدعوة إلى «رد الكرامة» لم يكن لها علاقة بالمشروع الإسلامي وإنما رد على عنف مُورس ضد عدد قليل من الناشطين والصحافيين، بينهم فتاة صُفعت بوحشية على وجهها، تماماً كما كانت المسيرات والتظاهرات، من قبل عند الاتحادية أو كوبري القبة، رداً على تصرف أو سلوك أو قرار أو إجراء أو خطاب للحكم.
اللافت أن ردود فعل الإسلاميين عبر شبكة التواصل الاجتماعي، وكذلك في مؤتمر «الإخوان»، وأحاديث وحوارات رموزهم، وبعضها صدر أثناء وبعد موقعة المقطم في توقيت واحد، تضمنت مطالبات للرئيس بأن يغضب، وأن يعتقل المعارضين المخربين، وأن يطيح رموز المعارضة، وأن يفرض سلطة الدولة، التي هي سلطة الجماعة، على الجميع. وبغض النظر عن تفاصيل المشهد، إن المحصلة أن نظام الحكم ماضٍ في سبيله من دون أية تنازلات يعتبرها تقوّض سيطرته على مقومات الدولة، أو كما يروّج أنصاره تضر بالمشروع الإسلامي، اللهم إلا الدعوة المكررة إلى حوار لا يتم إلا بين الحكم ومناصريه، بينما قوى المعارضة بكل أطيافها مصرة على مواجهة «الإخوان» والرئيس بتظاهرات ومسيرات تبدأ سلمية وتتحول كل مرة إلى مواجهات دموية مع الشرطة، أو «الإخوان» ومناصريهم.
واقع الأمر يشير إلى فشل نظرية «الطفل الصغير» التي يتعاطى بها الحكم مع قوى المعارضة، إذ ينتظر كل يوم أن تهدأ الميادين، أو تيأس المعارضة، أو تنام حركة الشارع، كما الطفل الذي يبكي أولاً ثم يصرخ ثم يطيح بما تصل إليه يداه لكنه في النهاية ينهك ويتعب وينام! تجلت النظرية في «تويتة» الرئيس أمس عندما خلص إلى أن العنف الدائر ليس له علاقة بالثورة، وإذ بدا أن المعارضة تخطت مرحلة الطفولة فإن المشهد المصري يشير إلى أن كل الأطراف يعيشون «فترة المراهقة»، حيث الاندفاع من دون ضوابط، والسلوك من دون هدف، والصراع بلا فائدة، والرغبة بلا قدرة!! أما المعايرة بعرض صور ممارسي العنف، أو وجوه وسلوك البلطجية، مع مزيد من النحيب على الثورة السلمية التي أطاحت نظام مبارك فلم يعد يُجدي، أو بمعنى أصح لا ينطلي على أحد. فإذا كان مشهد تنظيف ميدان التحرير، بعد تنحي مبارك، مازال عالقاً فإنه لم يمح حقيقة أن الثورة السلمية سقط فيها مئات الشهداء وضحايا آخرون من الشرطة التي أحرق أكثر من 90 قسماً لها وأقتحم نحو عشرة سجون وهُرب من فيها ونهبت مجمعات تجارية وأحرق المقر الرئيسي للحزب الوطني قرب التحرير.. لم يعد للمزايدة محل حتى وسط كل ذلك العبث.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى