نوافذ

مستوطنة أم… وطن؟

“هناك من يقضي على التمرد بسوء تغذيته”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ 1 ـ

جاءت الشرطة إلى الضجة الكبرى التي ارتكبناها في المطعم اليوناني في قبرص. اعتذرنا، وقدمنا للشرطيين كأسين من نبيذ أثينا، واستمعا قليلاً إلى غرابة الضجيج في أغاني الفرح، وإلى وضوح الكآبة في أغاني الحنين العربية.

كنا مجموعة من عدة بلدان، فائض نزوح بيروت الثمانينات، بعد الاجتياح الإسرائيلي واحتلال العاصمة العربية الأولى (الثانية بعد القدس بوصفها عاصمة أرواح البشرية)… كنا مهاجرين ومنفيين، وأصحاب يقين، ومثقفي مراحل. وأصحاب مهن منقرضة.

المناسبة أننا نحتفل بتورط أحدنا في اقتحام القلعة العظيمة القديمة…الزواج، بعد قصة طويلة.

في الساعة الخامسة صباحاً انتهى الاحتفال، غادر الجميع منفردين ولأسباب عاطفية تخص كل قلب في الصدور البمعثرة. كان كل واحد منا وتراً في بوزوكي يوناني، أو كلمة طائشة في أغنية لوديع الصافي، أو قطرة ندى في كأس أخير. وثمة من لم يصحْ حتى الآن.

هذه المجموعة التي التقت تلك الليلة للتواطؤ على فرح مصنوع من المؤقت في سبيل الدائم، ومن العرضي إلى سبيل الأعماق…لا أحد بوسعه الآن أن يعرف مصيراً لأحد منها. ذلك لأن الزمن تكفل بالمرور السريع على نباتات الزينة، ونرجس القبور. ذلك لأن الحرب التي شتتت شملهم في الأوطان، وجمعتهم في المنافي…لم تتوقف مهنتها في صناعة المصائر ومنتجعات الموت. ذلك لأن الطريق الطويل كان طويلاً لأجل عذاب السائرين لا بسبب وعوده بالوصول. ذلك لأن المأساة تجلت في أننا صرنا نقول:

“إذا كانت المنافي السابقة أفضل من المنافي اللاحقة.

كانت الأعداد المنفية تتاقص مع هنيهات السلم، صارت الأعداد في ازدياد، لأن الحروب أصبحت بالجملة.

ذلك … لأن العربي الحديث هو صاحب القنبلة الحديثة في القبيلة القديمة!”

ـ 2 ـ

قبل سنوات كتبت على الفيس بووك ما يلي:

كنا نعيش في مستوطنة…وليس في وطن.

رأيت في النوم دنيانا مزخرفة مثل العروس تبدّت في المقاصير
فقلت: جودي. قالت على عَجَلٍ إذا تفلّتُ من أيدي الخنازير

جاءت التعليقات على شكل تهم وانتقادات وطنية. فكتبت إيضاحاً:

ليس معنى ذلك أنني أصبحت عدمياً. ولكن من الضروري عدم خداع النفس.

لم نكن في أي يوم، متساوين، ولا متفاعلين، ولا مندمجين…حتى ولا متحابين، فحيث يفرق الدين لا تجمع الوطنية، وحين تشجنت الطوائف، هبت العواصف. وحيث يوجد الفساد والاستبداد، يتدهور إلى الحضيض الدموي العباد والبلاد.

أنا لا أعرف إن كان بوسع الأجيال، الآن ومن يليهم، يستطيعون فهم الذي حدث بصورة تساعدهم على بناء وطن دمرّه، بسهولة، أسلافهم؟

ذلك لأن جيلي لا يملك العمر للمسساهمة في هندسة الإعمار ( نحن اختصاص هندسة الخراب).

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى