فن و ثقافة

مسلسل على قيد الحب : لاتهمني خلافات النص، يهمني العرض!

تجربة الكاتب الدرامي فادي قوشقجي معروفة ولا تحتاج إلى شهادة، وتجربة المخرج باسم السلكا هامة، وأيضا لاتحتاج إلى شهادة، لكن الأهم من هاتين المسألتين أن مسلسل (على قيد الحب) ، بغض النظر عن الخلافات التي ظهرت بين الكاتب والمخرج ومديرة شركة إيمار الكاتبة ديانا جبور ، مسلسل سلسل حميمي من المسلسلات التي استمتعنا بعرضها ، ويستدعي أيضاً قراءة نقدية جادة لأنه ببساطة خرج عن المألوف في محاكاة الواقع السوري، محاولاً استخدام الرمز في سيرورة الحدث الدرامي وشخصياته ، وينبغي تقييم هذه التجربة .

في البداية ، هل نحن بحاجة إلى استخدام الرمز في العمل الدرامي، وسواء كان الجواب سلباً أم إيجاباً، فإن السؤال الذي يفرض نفسه، هل تصل هذه اللعبة الدرامية الرمزية إلى الجمهور، كما ينبغي لها الوصول، باعتبار أن (الخطاب) المكتوب الروائي مثلا، يختلف عنه  كرواية أو (كخطاب) درامي مصور.

ترافق عرض مسلسل (على قيد الحب) مع عروض أخرى في شهر رمضان المبارك، حاكت الأزمة السورية (الحرب) من جوانب مختلفة، وكان القاسم المشترك بينها هو (الفساد)، بما هو قوى مجتمعية نافذة في الحياة العامة والمؤسسات ومختلف بنى المجتمع حتى على المستوى الشعبي أثرت وتؤثر في مسارات الحرب التي لم تنته آثارها بعد.

وعندما ندقق في فكرة المسلسل كما طرحت عبر التصريحات والمقالات المنشورة ترد العبارة مبسطة، تريد أن لا يضيع المشاهد في زواريب النقد، ففي “هذا المسلسل نقدم نماذج من حياة اجتماعية بين أسرتين تجمعهما صحبة ووحدة حال على امتداد سنوات طوال إلى أن يأتي طرف ثالث يحمل معه الكثير من التغيّرات بما يمثله من قيم وأفكار تناسب وضعه ومكانته، فتواجه الأسرتان تحديات ومواقف حادة لا بدّ من القيام بها”.

هذا ما ورد بشكل عام، لكن الحتوتة الدرامية التي تدور حولها التفاصيل هي أن حادثة (مفاجأة) تدفع المسارات كلها في اتجاه آخر، هو هنا (الاتجاه الرمزي)، وهذه الحادثة هي تعرض (شام) إلى حادثة سيارة تجعلها في حالة غيبوبة، ومن حولها تتوالد الأحداث والتفاصيل، أمام إشارات رمزية تأخذنا إلى أن الحديث يجري عن رمز وليس عن (طفلة) محبوبة من الجميع ، مع ملاحظة أن ثمة تصريحات تشير إلى هذه الرمزية (راجع مقال الناقد نضال قوشحة وتصريحات تدل على ذلك).

والغريب أن الدلالات تحمل نبض الحياة وتكاد تخفي ما تريده، لأن لعبة الرمز في الدراما التلفزيونية يفترض أن تمكن المشاهد من حصر (المعنى) بينما النص الروائي يقلل من هذا (الحصر) ويجعله أكثر احتمالاً وتأويلاً ، لهذا فشلت فكرة الرمزية في المسلسل.

بعد عدة حلقات، تمضي الأحداث قدما لتصل إلى نتيجة متوقعة ، وهي أن (شام) ستصحو، في لحظة ما !

الأسرتان تنتسبان إلى روابط مصاهرة، إلى نوع من الود تحسدان عليه، وبين هاتين الأسرتين، يدخل عاملان خارجيان : الأول هو (الفساد)  وتُحمّل عليه نسبة عالية من المأساة، والثاني هي (جرائم) تعود وتعزى إلى (الفساد)، ثم يعود الوئام إلى الطرفين بعد صحوة شام (القاسم المشترك بين الجميع).

وعودة الوئام كنتيجة كانت (سطحية)، قللت من أهمية الأبعاد الرمزية، وإن ساعدت الجمهور على الاندماج بالفكرة، وربما كانت المشاركة في أغنية جمعت الفنانين دريد لحام وأسامة الروماني قبل شارة الختام، وهي مقنتسبة من مسرح دريد لحام، وهي النقطة التي احتج عليها الكاتب فادي قوشقجي . ربما كانت نتيجة أجهضت الفكرة الرمزية بمجملها لأنها ساعدت في إغلاق الاحتمالات التي كنا نتوقعها .

نشر صاحب المسلسل فادي قوشثجي نص الحلقة الأخيرة كما كتبها، فإذا نحن أمام أغنية “رحعت ليالي زمان” لفيروز ، مع إشارات أخرى مثل : (ماما صرلك شي عشر ساعات نايمة) ، (تحاول أن تسوي جلستها.. لا تنجح ،فجسدها يؤلمها لطول زمن التمدد.. تلاحظ السيروم) ، وعندما تخبرهم شام أنها نعسانة ( تخبرها أمها نعسانة طيب.. روحوا بدي نام)، وينتهي المسلسل هكذا :

(يضحكون من كونها “نعسانة” ويهمون، بالذهاب ومروى كذلك لكن شام تمسك

يدها، أنت خليكي.. اغمريني، تضمها ودموعها لا تتوقف) ثم :

– قطع / نهاية الحلقة الأخيرة

هذا يعني أن الخلاف الذي ظهر لايعني النقد كثيراً، وأن ماعرض هو الجوهر .

إذا اتفقنا على معالجة مسلسل (على قيد الحب) ، من جهة معطياته الرمزية، فماذا تحمل العائلتان من مهام، وأين موقعهما في السياق العام للنص/ العرض؟ هما بالضرورة شريحتان اجتماعيتان يمثلهما : دريد لحام (أمين)، وأسامة الروماني   (حسان)، والحادثة ( طارئة) لأن لا أحد إلاّ ويحب (شام) .وهنا تأتي الصدفة (الحادثة التي استهدفت شام) ، فلو أنها مقصودة، كان ثمة مفاتيح أخرى للرمز، ولو أن الفاعل مجهول، كنا شرعنا نحن بالبحث عنه، لذلك نتجه مباشرة إلى المحاميل التي ترد في السياق عن (الفاعلين) :  خالد شباط  (أسامة) ، وهو مرتكب (الجريمة)، سلوم حداد (عزام) ، الذي تكشف الأحداث أنه قاتل سابق وفاسد دائم وإنسان ( بالنسبة لتعامله مع أسرته).

هنا يضيع الرمز، أو على الأقل يتم تحميل المأساة كلها للفساد، وآلية التعاطي مع الفساد هنا محدودة، وإن تشابهت مع أحد رموز الفساد المعروفين.

في هذه الحالة ، يخرج مسلسل ( على قيد الحب) عن كونه مسلسلاً رمزياً عن (الحرب في سورية)، وبذلك نكون قد ظلمنا بقية المنجز الذي تم، لأن الرموز التي تحتاجها الحرب أبعد بكثير، والأحداث أعقد من تبسط بشخص، وضمن هذه النتيجة، يسقط المسلسل من مرتبة كونه حاملا فنيا رمزيا لفكرة (ما) عن الحرب، ويعود لكونه مسلسلاً جميلاً علينا أن نقرأ أحداثه كما وردت، مع تغيير بسيط هو تغيير اسم شام إلى اسم آخر، وليكن سوسن أو نجلاء، أو أي اسم آخر!

هنا تبدو المسألة من وجهة نظر النقد أكثر انسجاماً، ويبدو المسلسل أكثر قوة، ولاتضيع الجهود الفذة في تقديم هذا المنتج لشركة إيمار وطواقم العمل، وعندها نرى أن المسلسل يتجه إلى تقديم قصة جميلة وشفافة تقوم بتقديمها شخصيات درامية هامة في المجتمع تحمل أبعاداً إنسانية مختلفة تقدم صورة من وقائع الحياة .

وعلى هذا الصعيد، نعيد تقييم النص، فيتحول إلى نص اجتماعي جميل، قدمه الإخراج (الأستاذ فايز السلكا) بعناية رسام، اشتغل على توزيع الأدوار بمهارة، واشتغل على الإيقاع الدرامي بسلسلة خبير، قدم لنا نجوما تستحق المتابعة عندما جمع الفنانين الكبيرين دريد لحام وأسامة الروماني بأدائين ساحرين كانا فيهما بمثابة صورتين لضمير واحد، وقدم نادين خوري وصباح الجزائري وسمر سامي وجرجس جبارة بأنماط تتكئ على الأحداث فتنميّها، لكن الأهم هو الظهور الجميل للنجوم الشباب في أدوارهم الصعبة والسلسة كما بدت لنا كأدوار يزن خليل (وليد) ومهيار خضور  (كنان) وعاصم حواط  (أنس) ورنا كرم  (لينا) وهافال حمدي (نمر) وترف التقي (كندة)، والأدور الأخرى المكملة والحساسة التي دفعت النص إلى المنافسة .

كان مسلسل (على قيد الحب) نوعا جديدا على المنتج الرمضاني، وتمكن من تحقيق متابعة ورضا من الجمهور، وأكبر خطأ ارتكب بحقه هو التصريحات التي حاولت إرشادنا إلى المعنى !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى