مسلمون …. بلا إسلام

ما زلت أحفظ هذا القول المنسوب إلى طه حسين- على ما أذكر – جوابا على سؤال وجه إليه عن أحوال البلاد الإسلامية التي زارها مؤخرا إذ قال :

– بلى ..و.جدت هناك مسلمين غير أنني لم أجد إسلاما !…

ياله من جواب يكاد يلخص على إيجازه الدراما الإجتماعية الدينية للبلاد الإسلامية جمعاء ..و أكاد أقول إن معظم مسلمي الكوكب الذي نعيش عليه قد شرعوا يخرجون عن دينهم بعد وفاة رسولهم ( صلى الله عليه و سلم ) مباشرة حين اختلفوا في الإجتماع الذي دار بين الأنصار و المهاجرين في سقيفة بن ساعِدة وفي غياب علي بن أبي طالب الذي كان مشغولا بدفن الرسول، إذ كاد النقاش يحتدم في تلك السقيفة ، ويطول أجله لولا أن عمر بن الخطاب بادر إلى إنقاذ الموقف المتوتر بمبادرة ذكية حين نهض و بايع “أبا بكر” بمنصب الخلافة وهو يعدد المزايا الكبرى التي يتميز بها ” أبو بكر” على الأخرين، ولكن حروب الردة التي خاضها خالد بن الوليد بأمر من أبي بكر ضد القبائل التي قيل أنها أرتدت عن الإسلام مع وفاة الرسول قد أثبتت أن العقيدة الإسلامية كما شرحها رسولها و دعا إليها لم تتعاطف عميقا في العقيدة كما في الشخص الذي دعا إليها و كأن الإسلام انتهى بموت رسوله في عقول وعادات عرب الجاهلية المعتادة على إستخدام العنف بين القبائل المتناحرة دوما على الماء والعشب في أرض صحراوية مجدبة … في هذا المناخ الحار الملتهب بالنزاعات الضارية على موارد الماء بدا أن البيئة ما تزال جاهزة لاستخدام العنف في عمليات اغتيال الخلفاء الراشدين الثلاثة الذي خلفوا أبا بكر الخليفة الراشدي الوحيد الذي مات ميتة ربه – كما يقولون – مع أن قتل المسلم للمسلم حرام في مبادئ الشريعة إلا إذا أدين أحد المسلمين إدانة قطعية من قبل محاكمة عادلة بالكفر وهي تهمة لا تحق  فعلا ولا قولا على الخلفاء الراشدين الثلاثة…

و هكذا تحولت عملية الخلافة مع الأمويين و العصور التي تلت إلى نظام الوراثة المحصورة في أسرة محددة بدلا من نظام الشورى الذي دعا إليه الإسلام في القرأن الكريم كما في الاحاديث الشريفة المؤكد صدقها.

و هكذا باتت مخالفة الشريعة في سلوك المسلمين عادة إجتماعية سائدة في معظم أحوال الجماعات و الافراد على السواء – فالنقاب الأسود الشامل على وجه المرأة و جسدها ليس إجراءا إسلاميا لا في القرأن الكريم و لا في الأحاديث الشريفة و ها نحن في العصور الحديثة ما عسانا نصف تصرف المسلمين في غالبيتهم في التجارة بين الغش و المبالغة في تسعيره للبيع و الشراء كما في صناعة الأدوات و غيرها – بل و في علاقات الصداقة و الوفاء والمحبة في مختلف أغراضها و أساليبها …

أين المسلمون إذن في كل هذه الأحوال من الإسلام وهل يحق لهم أن ينسبوا عقيدتهم الدينية إلى الإسلام و أن يكونوا مسلمين حقا ؟…

أنظروا الآن مثلا إلى فتياتنا في لباسهم على الموضة كيف استحال إلى عرض لأعضاء الجسد في استداراتها  وتفاصيلها كما في بنطلونات الجينز الضيقة – الأميركية الطراز – و مؤخرا في تمزيق بعض أجزائها فوق البطن أو على الأفخاذ…

لقد عمدت مؤخرا الحكومة التونسية وحدها – من دون  الحكومات الأخرى للأقطار العربية المختلفة – إلى إصدار قوانين جديدة تقضي بإلغاء زواج المسلم بأكثر من إمرأة واحدة  و بتساوي الميراث بين الذكر و الأنثى …إن تونس حقا هي البلد العربي الإسلامي الوحيد  في   صدق إسلامه المتطور مع ما تقتضيه تطور الأزمان كما صنع عمر بن الخطاب مثلا في إيقاف عقوبة سارق الحاجات الطفيفة كالخبز مثلا أو بعض الخضرة والفاكهة لأنه فقير عاجز عن دفع أثمانها و بقطع يده مثلا …. و ها هي تركيا الحديثة تغدوا بلدا إسلاميا رائدا في تطوير الحضارة لديها مع تغير العصور والتقدم البشري تاركة الحرية لمواطنيها في التعامل مع عصورهم بما يكفل جوهر العقيدة الأخلاقي في حين ما تزال معظم الأقطار الأخرى تتخبط في تعاطيها مع تطور العادات و التقاليد مع تطور الزمن ….

بلى … كما قل طه حسن – رحمه الله : ” وجدت مسلمين و لكن بلا إسلام”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى