مشروعات الترجمة العربية: أين الشعر؟

 

 

شهدت الفترة الأخيرة انتعاش الكثير من مشاريع الترجمة في الوطن العربي التي انطلقت بناء على تقارير وتحليلات رصدت حال الترجمة المتدني في بلادنا، إن واقع الحال يشير إلى تفوق المترجم في مجال القصة والرواية العالمية على حساب ما هو مترجم في ميدان الشعر، ولما كانت الخمسون سنة الماضية قد شهدت تحولاً أفقياً وعمودياً في الإقبال على قراءة الشعر المترجم، وكانت القصيدة العربية قد بدأت تدخل في حداثتها الشعرية الثانية، مع ظهور مصطلح قصيدة النثر، فإن طرح موضوع ترجمة الشعر يستحق الوقوف عنده، لا سيما أن هناك جملة من الملاحظات التي تتعلق بجودة المترجم، فضلاً عن قلة المنتخبات المنقولة إلى العربية وتكرارها، وربما يتسع الحديث ليشمل المؤسسات العربية الفاعلة في حقل الترجمة .
 أكد الشاعر أحمد العسم أن هناك تقصيراً في ترجمة الشعر العالمي إلى اللغة العربية ومن واقع قراءاته المكثفة في هذا الموضوع يشير أحمد العسم إلى ضعف المترجم، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لضرورة أن يكون المترجم نفسه مثقفاً وشاعراً في الآن نفسه، فالشاعر العربي لا سيما ذلك المنخرط في هم الحداثة معني بالتعرف إلى أفق يتجاوز العادي والمألوف في النماذج الشعرية المترجمة، وهو بالضبط ذلك الذي يحفز الشاعر ويثير فيه شرارة المتعة وقابلية تفعيل أدواته المعرفية والتخييلية، وهذا بحسب ما يشير العسم لا يزال في حدود النماذج القليلة من القصائد التي باتت معروفة لشعراء غربيين وآخرين ينتمون للثقافة الإفريقية واللاتينية، وقليل من الصينية واليابانية .
في جانب آخر تحدث العسم عن مشروع “ترجم” الذي قدم في السنوات القليلة الماضية نتاجاً مترجماً يستحق الشكر، وعرف المثقفين الإماراتيين والعرب إلى نماذج جديدة من المنشورات العالمية في حقول المعرفة المختلفة ومنها الرواية والشعر، ومن ذلك تلك المختارات المنقولة من الشعر العالمي لكل من: بيلي كولينز، ولانغستون هيوز، وتشارلز بوكوفسكي، وروبرت بلاي، ولويز غليك، وآن ساكستون، وكيم أدونيزيو، وآرتشي آمونز، وفلورنس أنطوني (آي) وسيلفيا بلاث، وتيد هيوز ودنيس ليفرتوف ودوريان لوكس وتشارلز سيميك وغيرهم .
أما القاصة والمترجمة عائشة الكعبي، وبحكم اطلاعها على الآداب العالمية، وصلتها المباشرة بنماذج عديدة من الآداب المنقولة إلى اللغة العربية، وخبرتها في زيارة معارض الكتب في الإمارات فإنها تدل بما لا يدع مجالا للشك عن نشاط ملحوظ في ترجمة حقول المعرفة المختلفة ومن بينها الشعر والرواية، كما أشارت الكعبي إلى دور نشر بعينها تعنى في الأردن وسوريا ولبنان، وهي دور نشر تحظى بالرصانة والعلمية في كل ما يصدر عنها، لكنها أشارت إلى نوع التقصير العربي في حقل الخطوات الرسمية والإدارية التي من شأنها أن تقوم بشراء حقوق النشر، وهو ما يجب أن يتم التركيز عليه، كما لم يفتها أن تشير إلى ما قدمته مشروع “كلمة” في أبوظبي من نشاط ملحوظ يكاد يغطي مساحة لا يستهان بها من الآداب، ومن بينها الشعر، وهذا يثري المكتبة العربية بحسب الكعبي ويقدم تنوعها ثقافياً ومعرفياً حقيقياً .
ويقول الشاعر حسّان عزت: إن حركة الترجمة لم تخب ولم تضعف كما يظن الكثير، لكن ما حدث هو أن الترجمة في النصف الأخير من القرن العشرين كانت منصبة على الأدب المكتوب بالإنجليزية والفرنسية، وكانت جزءاً من مشروع حضاري عربي للترجمة، تجلى في سلاسل الترجمات التي كانت تصدرها بعض المؤسسات الثقافية والنشرية العربية مثل سلسلة كتاب الهلال وسلسلة اقرأ وسلسلة كتابي، وغيرها وضمن هذه السلاسل كانت تترجم روائع الكتب في الرواية والشعر والفكر، فترجمت الإلياذة والأوديسة ورباعيات الخيام، وأعمال ديستوفسكي وهمنجواي، وشهدت هذه الفترة أسماء كبيرة في الترجمة في مصر ولبنان وسوريا، ثم ظهرت مشاريع الترجمة في الكويت والمغرب العربي والعراق، وكان لدى الناشرين وعي ثقافي واستعداد لتحمل تكاليف هذه الترجمات، وصاحب ذلك نشر أمّات كتب الثقافة العربية مما أوجد نهضة ثقافية قوية، واليوم اتسعت حركة الترجمة لتشمل لغات وأمماً أخرى، فترجم الأدب الياباني والإسباني والروسي والصيني، وأصبحت في كل قطر عربي مؤسسات للترجمة، ومن هنا فإن الإشكالية ليست في غياب الكتاب الشعري المترجم، فهو موجود وبكثرة، وهناك ترجمات جيدة، لكن المشكلة تكمن في انشغال الشعراء بالحياة اليومية وعدم وجود الوقت الكافي للقراءة، وكذلك -وهذه هي المعضلة الكبرى- غياب مشروع ثقافي عربي للترجمة يحدد ما الذي يترجم وكيف وما أهداف هذه الترجمة، مثل ما كان يحدث في الماضي، وهكذا أصبح الأمر مختلطاً على الشاعر والقارئ، فهو لا يعرف كيف يختار قراءاته من بين هذا الخليط من الترجمات .
ويقول الشاعر قاسم سعودي: لا أظن أن ترجمة الشعر اختفت أو أن ما هو ينشر منها الآن لا يلبّي حاجة القراء الشعراء، فهناك حركة ترجمة شعرية لا بأس بها، وكتبها متاحة للجميع، وأنا كشاعر مهتم بحركة الحداثة الشعرية أنهيت منذ أيام قراءة كتاب عن الشعر البوسني مترجم حديثا، وقبله كنت قرأت كتابين جديدين أحدهما مختارات من الشعر الأمريكي الحديث والآخر مختارات من الشعر الأوروبي، خاصة الفرنسي والإيرلندي، وقد وجدت تلك الترجمات زاخرة بالحرارة الشعرية والرؤى الإنسانية، كما وجدت فيها كثيراً من فنيات الحداثة الشعرية، خاصة في ناحية التصوير الفني، فمن المؤكد أن في كثير مما يترجم من الشعر العالمي الحديث الكثير مما يلبّي حاجة الشاعر العربي ويغني تجربته، لكن الإشكالية لا تتعلق بالترجمة بل تتعلق بانعدام القراءة، وغياب الوعي بارتباط الإبداع بالمطالعة المستمرة وبالتطور الثقافي لدى المبدع، كذلك غياب الذوق الجمالي لدى الكثيرين، ما يجعلهم غير قادرين على التقاط عناصر الجمال في القصيدة أو النص الذي يقرأونه، ولا يميزون بين ما هو الجميل وغيره .

صحيفة الخليج الإماراتية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى