مشهد الانتخابات في ايران بين النظرة النمطية والواقع

ازعم انه حتى الآن لم تستطع غالبية النخبة العربية فهم ايران كما هي فعليا وليس وفق النظرة النمطية العالقة في أذهان الأغلبية ، والتي رسمتها على مدى العقود الماضية سياسيات النظم العربية مع تأثيرات السياسات الغربية الحليفة للنظام الرسمي العربي والمعادية لإيران منذ انتصار الثورة ، مع ما ساد من صراعات وحروب في الإقليم كانت الجمهورية الاسلامية لاعبا أو مؤثرا فيها ، لذلك بنيت السياسات العربية تجاه ايران غالبا على تقديرات خاطئة لم تؤد إلى حالة من استقرار العلاقة معها وهذا ليس مجال بحثنا هنا .

أردت من هذا المدخل الولوج إلى ما تشهده ايران اليوم من استعداد لإجراء الانتخابات الرئاسة في 19 من أيار مايو المقبل . إذ تغدو النظرة لهذه الانتخابات منحصرة في اتجاهين الأول مهتم أن كانت ايران ذاهبة إلى التشدد عبر صعود تيار الأصوليين أو الانفتاح عبر الإصلاحيين . والاتجاه الثاني ينتظر اهتزازا ما في نظام الحكم عند هذا المفصل اعتمادا على ما حدث في انتخابات 2009 ، من احتجاجات واسعة على نتائج الانتخابات عول عليها الغرب ومعه أنظمة حكم عربية لدخول ايران في أزمة نظام . وهذا ربما مثال لما كنت أشرت إليه آنفا بالتقديرات الخاطئة ، إذ أضر الدعم الخارجي المعلن بحركة الاحتجاج ، وكان عاملا كبيرا في عودة تكتل الشعب الايراني على ذاته ، نظرا لعدم إدارك الخارج لحساسية الشعب الايراني من التأثيرات الخارجية التي تفقد أي حركة داخلية في ايران مشروعيتها القومية .

في الانتخابات الماضية 2013 لم يكن حسن روحاني هو مرشح التيار المعتدل الذي أوصله لاحقا إلى موقع الرئيس ، كان ثمة اب روحي لهذا التيار الجديد ( الاصلاحي المعتدل ) هو الراحل هاشمي رفسنجاني ، إلا أن ممانعة مجلس صيانة الدستور لأهلية الشيخ رفسنجاني بسبب تقدمة في السن ، دفع رفسنجاني إلى تقديم حسن روحاني مرشحا لهذا التيار ، لم يكن التيار الأصولي أقل شعبية من التيار المعتدل الجديد ، إلا أن التيار الأصولي واجه روحاني أن ذاك بأربعة مرشحين ، ماادى إلى تشتت أصوات الناخبين المؤيدين للتيار بين الأربعة . ربما كان بإمكان إشارة من المرشد خامنئيأن تدفع إلى انسحاب ثلاثة مرشحين لصالح الرابع ، وهذا كان سيغير من نتائج تلك الانتخابات ، لكن هذا لم يحصل .

اليوم يفتقد تيار روحاني لرعاية رجل بوزن هاشمي رفسنجاني ، من المؤكد أن لهذا تأثيراته على حظوظ روحاني في ولاية ثانية ، إلا أن اعتماد روحاني اليوم يرتكز على إنجاز الاتفاق النووي مع الغرب و حالة الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي التي سادت خلال ولايته الأولى ، وهذا ما سيعطيه أفضلية في مراكز المدن وخاصة العاصمة طهران . بيد أن مراكز المدن وحدها لا تحسم نتيجة الاقتراع .

في ايران ثمة نظام حكم متفرد ، مبني على أبعاد راسخة تجمع بين الماضي والمعاصر و حسابات المستقبل ، ما أعطاه ميزة الحصانة من الاهتزاز حتى الآن ، والمرور بسلاسة في الإستحقاقات الداخلية ، وعدم التأثر بالتغيرات المحيطة . فالنظام هو مزيج من العقيدة والأرث الإسلامي من جهة ونوع من الليبرالية الحديثة المعتمدة على رأي الشعب . هو باختصار تجسيد لمقولة( إرادة الله والشعب ) ، يأخذ فيها المرشد موقع الولي الفقيه في العقيدة الشيعة ، أو خليفة المسلمين أو أمير المؤمنين في التراث الإسلامي . وهو المنصب الأعلى ببعده الديني والسياسي معا .وعلى يمينه مجلس خبراء القيادة الذي يناط به اختيارالولي الفقيه ومراقبة عمله ، وهو مجلس منتخب من الشعب مجسدا مبدأ الشورى في النظام الإسلامي .

وبذات الأهمية مؤسسات منتخبة من الشعب مباشرة على طريقة الأنظمة الليبرالية الحديثة. لهذا ربما يغدو الاتهام السائد عند البعض مع كل انتخابات بأن المرشد يؤثر فيها قصورا في فهم طبيعة النظام وهذا التداخل بينالعقيدي الروحي والثقافيالمتجذر في المجتمع الإيراني والمعاصر الذي يلحظ حداثة الدولة واندماجها في المنظومة الدولية . إذ يغدو هنا تأثير المرشد في سياق المنظومة ولا يناقضها.

لايبدو السؤال المحير في عالمنا والعربي والغرب على حد سواء، وهو من سيخلف المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية السيد على خامنئي ، محيرا في داخل ايران وهو ليس مبعث قلق ، فنظام الجمهورية الاسلامية كما ذكرنا آنفا يعتمد آليات تضمن استمرار النظام والمحافظة على قيم الثورة الإسلامية وفق حسابات يذوب فيها العامل الشخصي في قدسية المصالح العليا للأمة .

قبل بدء الانتخابات كانت الاهتمام داخل ايران ينصب على عدد من الشخصيات القادرة على ملأ منصب المرشد الأعلى في حال شغوره ، تعمل مراكز قوى عديدة ومتنوعة داخل ايران على معاينة المؤهلين لتقديمهم في اللحظة المناسبة لمجلس خبراء القيادة.

إذ يشترط في من يصل إلى منصب الولي الفقيه أن تجتمع فيه مجموعة من المؤهلات والخصائص الشخصية. تنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني، أن منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والقائد لإيران، المنوط بـ “ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في زمن غيبة الإمام المهدي تكون بيد الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه، الشجاع الكفؤ في الإدارة والتدبير”، الذي يتولّى هذا المنصب وفقا للمادة 107 من الدستور، التي تنص كذلك على تساوي القائد مع عامة الشعب أمام القانون.

في هذا السياق برز اسم اية الله السيد إبراهيم رئيسي ، يبدو رئيسي من طراز القادة الأكفاء ، وذي مكانة وشعبية وتقوى ، إلا أن أقدام السيد رئيسي على ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة ، وضع ترشيحه لمنصب المرشد الأعلى محل مجازفة ، إذ أن خسارة رئيسي في الانتخابات الحالية أمام روحاني ، سيبدد هذا الترشيح ، أما فوزه ربما يضعه على ذات الطريق التي سلكها المرشد السيد علي خامنئي الذي شغل منصب رئيس الجمهورية في زمن الإمام المؤسس الموسوي الخميني . يبدو رئيسي مناسبا لمرحلة التصعيد السياسي والعسكري المقبلة مع الولايات المتحدة ، لكن هذه النظرية يمكن نقدها، إذ أن رئيسي في اول تصريح له بعد إعلان ترشحه أكد على حرص ايران على إقامة أفضل العلاقات مع دول العالم عدا إسرائيل . وقد تدفع ايران بسياسة تعتمد المزيد من العقلانية في مواجهة جموح الإدارة الأمريكية ، لتكون مسؤولية التصعيد والتدهور في المنطقة إن حصل يقع على عاتق واشنطن وحدها بينما تكسب ايران على المسرح الدولي نقاطا جديدة .

وبطبيعة الحال اذا انسحب مرشحواتيار رئيسي الاصولي لصالحه وهذا متوقع فهذا سيقربه من الفوز .

الرئيس السابق محمد أحمدي نجاد بدأ انه خلط الأوراق بترشحه للانتخابات المقبلة ، إلا أن أحمدي نجاد الآن ليس هو أحمدي نجاد سابقا ، فعندما فاز في انتخابات 2005 والولاية الثانية 2009 كان يستند إلى التيار الأصولي الذي لم يعد معه اليوم . كما أن اسم أحمدي نجاد مرتبط بما يسميه الإيرانيون بفتنة 2009 حيث شهدت البلاد أكبر حركة احتجاج على فوز أحمدي نجاد ، وربما سيتجنب الإيرانيون تكرار صورة أحمدي نجاد في مواجهة مرشح تيار الاعتدال . كما أن شعبوية أحمدي نجاد قد تكون ورقته في السباق، وباعتقادنا أنها لن تكون فعالة الآن ، وحظوظ أحمدي نجاد لن تتعزز إلا بحالة واحدة وهي انسحاب إبراهيم رئيسي من السباق .

أيا كان الفائز في انتخابات ايران 2017 فإن تجربة العقود الماضية تؤشر إلى أن السياسية الخارجية لإيران لا تتأثر بشكل جذري بتغير الرئيس أن كان إصلاحيا أو معتدلا أو أصوليا، لأن لسياسات ايران الخارجية محددات مستمدة من مبادىء الثورة الإسلامية التي لا يمكن لايكان تجاوزها .

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى