مصر تعفو عن سجناء سياسيين وتلتفت للحوار الوطني
بعد إفراجات لافتة عن سياسيين، يتقدم أول حوار وطني في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نحو اقتراح إضافة أو تعديل تشريعات في ثلاثة محاور سياسية واجتماعية واقتصادية ذات أولوية.
وهذه المحاور تمس سياسيا ملفات منها التظاهر والحبس الاحتياطي والأحزاب والانتخابات، واجتماعيا قوانين أبرزها التعليم والأسرة، واقتصاديا إصلاحات داعمة لتحفيز بيئة الاستثمار.
وانطلق الحوار في 5 يوليو/ تموز الماضي على مستوى مجلس الأمناء (19 عضوا بينهم محسوبون على المعارضة ومستقلون نسبيا)، وجرى إقرار 15 لجنة فرعية لمناقشة مقترحات محاوره الثلاثة.
ومن المنتظر أن تبلور مناقشات هذه اللجان مقترحات بإضافة أو تعديل تشريعات أو توصيات بقرارات حكومية تُرفع إلى الرئيس المصري لتصل إلى مجلس النواب، وفق أحاديث شبه رسمية، دون تحديد سقف زمني.
وتأتي محطة التشريعات المنتظرة بعد أجواء نادرة شهدتها مصر في عهد السيسي عبر التوسع في قرارات العفو والإفراجات عن سجناء ومحبوسين احتياطيا، منذ أن دعا في 26 أبريل/ نيسان الماضي إلى حوار وطني.
وأوصت لجنة الحوار، أكثر من مرة عبر بيانات، بالتوسع في سياسة العفو والإفراج عن السجناء والمحبوسين احتياطيا.
وأفرجت السلطات الأربعاء، عن 25 محبوسا احتياطيا، بينهم صحفي، ما رفع عدد المفرج والمعفي عنهم من “أصحاب الرأي والسياسيين” إلى ما لا يقل عن 163 بين 26 أبريل/ نيسان الماضي و17 أغسطس/آب الجاري.
بينما تفيد تقديرات غير رسمية بأن الحصيلة وصلت إلى 700 من دون تحديد عدد المعارضين بينهم.
وأكد السيسي إمكانية صدور مقترحات بتشريعات عن لجنة الحوار الوطني، عندما قال في 26 أبريل/ نيسان الماضي “نود إطلاق حوار لكل القوى السياسية وعرض نتائجه على مجلسي النواب والشيوخ لمزيد من النقاش”.
وفي 26 يونيو الماضي، أوضح منسق الحوار ضياء رشوان، في تصريحات صحفية، أن “الحوار كله يستهدف تحديد أولويات العمل الوطني”.
وتابع “وقد تخرج اقتراحات تشريعية تُرفع لرئيس البلاد، ومن ثم إحالتها إلى البرلمان لإقرارها، وكذلك الخروج بإجراءات تنفيذية (تُمكّن الحكومة من إصدار قرارات) في مختلف القضايا”.
وقال رئيس مجلس الشيوخ عبد الوهاب عبد الرازق، في بيان صادر في 4 يوليو الماضي، إن “مخرجات الحوار الوطني مآلها في نهاية المطاف للبرلمان بغرفتيه (الشيوخ والنواب) وستتطلب في أغلب الأحـوال تعديلات تشريعية بعد دراسة من الحكومة”.
وعقدت لجنة الحوار ثلاث جلسات تشاور مغلقة في 19 و30 يوليو الماضي و3 أغسطس الجاري غلب عليها تصنيف المقترحات التي وصلت لإدارة الحوار، وتقدر بنحو 15 ألف ورقة مقترح، وفق ما أفادت وكالة الأناضول للأنباء.
واكتمل تأسيس 15 لجنة فرعية أفرزتها المحاور الثلاثة، لتنظيم نقاشات الحوار، على أن يتم تسمية مقرريها في جلسة 27 أغسطس الجاري، بحسب بيان لمجلس أمناء الحوار في الثالث من الشهر.
ستُدار جلسات الحوار بشكل مؤسسي يناقش كل القضايا المعروضة دون التوجه لتعديل الدستور
وستضم لجنة المحور السياسي ثلاثة لجان فرعية أبرزها حقوق الإنسان والحريات، ونظيرتها الاجتماعية خمسة لجان تختص بقضايا منها التعليم والأسرة، بينما تضم نظيرتها الاقتصادية سبعة لجان أبرزها التضخم وغلاء الأسعار، والعدالة الاجتماعية، وفق البيان.
وقال رئيس الأمانة الفنية للحوار محمود فوزي آنذاك، في تصريح تلفزيوني، إنه بعد جلسة التوافق على تسمية مقرري اللجان ستبدأ جلسات الحوار.
وأوضح أنه “لن تكون (الجلسات) مؤتمرا شعبيا.. ستُدار بشكل مؤسسي يناقش القضايا عبر لجان مفتوحة للجميع، وسيكون لها مخرجات إما ستحتاج إلى تشريع لتطبيقها أو قرارات وسياسات حكومية لتطبيقها”، مستبعدا أن يكون التوجه لتعديل في الدستور.
وتقتصر أولويات التشريعات المحتملة سياسيا، على “تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بمواد الحبس الاحتياطي، وقانون الأحزاب، وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون المحليات”، وفق النائب البرلماني المقرب من السلطات طارق الخولي، في تصريح لصحيفة “الشروق” المحلية (خاصة) في 27 مايو/ أيار الماضي.
وقال رشوان في مؤتمر صحفي في 19 يوليو الماضي، إن “(قانون) المحليات (مجالس تُنتخب في أرجاء البلاد معنية بالخدمات العامة ولم تُجر منذ 11 عاما منذ حلها) وقضايا حقوق الإنسان ليست محل إجماع، سنسمع (الآراء) جميعا ويتبلور عنها مقترحات تشريعية وتنفيذية من الكل”.
وقالت الأكاديمية والسياسية بحزب الوفد الليبرالي هاجر التونسي، عبر تصريح تلفزيوني في 22 يوليو الماضي، إن السيسي دعا من قبل لدمج الأحزاب المتقاربة أيدولوجيّا، وقد تكون تلك الخطوة بعد الحوار الوطني.
وتابعت “في رؤية الحزب تم وضع مجموعة من التشريعات للحوار الوطني منها مباشرة الحقوق السياسية وما يخص تكوين الأحزاب والانتخابات وقوائم مرشحيها وحرية تداول المعلومات بما يحافظ على الأمن القومي وقانون كامل للإدارة المحلية وما يخص انتخاباتها”.
وأضافت أن “هناك تشريعات أخرى تخص الجانب الاجتماعي كقانون الأحوال الشخصية والعدالة الناجزة فيها للحفاظ على الأسرة”.
وتستعد المعارضة هي الأخرى في إطار الحوار الوطني، لطرح رؤاها لتشريعات محتملة، وأبرز ما صدر عنها حتى الآن هو تعديل مواد الحبس الاحتياطي بالقانون ومشروع قانون للأحزاب وآخر للمحليات، بحسب تصريحات سابقة لكل من المتحدث باسم حزب الدستور وليد العماري ورئيس حزب العدل النائب عبد المنعم إمام.
كما طالبت دار الخدمات النقابية والعمالية بقانون للعمل يكفل الأمان الوظيفي والأجر العادل وتعديل قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، فيما اقترحت نقابة الأطباء إصدار قانون المسؤولية الطبية بشأن الضرر الطبي، وفق بيانين للدار والنقابة مؤخرا.
واعتبر الأكاديمي والخبير السياسي المصري خيري عمر، في حديث لوكالة الأناضول، أن “الإفراجات منتج ثانوي للحوار الوطني، لأن لجنة العفو الرئاسي تقوم بها فعليا وساهمت إدارة الحوار في دفعها للأمام”.
ستحظى مشاريع قوانين تنظم الانتخابات والأحزاب والتظاهر ومواد الحبس الاحتياطي بأولوية النقاش قبل عرضها على البرلمان
وأوضح أن “مهمة الحوار الوطني الأساسية تتبلور حاليا بشأن كيفية النظر في قضايا محل نقاش على المستوى الوطني وتحويلها إلى مقترحات تشريعية بتصحيح قوانين ومراجعة وإضافة أخرى”.
وأضاف أنه “يمكن ملاحظة أن أجندة اللجان والمحاور تمتلئ بقضايا متعلقة بالسياسات العامة، ووفق المؤشرات الحالية هناك مساحات مشتركة بين الجميع لإنجازها عبر البرلمان”.
وتابع “نحن بصدد مناقشات لاحتياجات تشريعية كثيرة مؤجلة، والحوار الوطني يتقدم في إنجازها وتحويلها من مجرد مطالب شعبية إلى تشريعية، وهذا أمر جيد يمكن البناء عليه لاسيما في الأولويات الحالية”.
ورجح أن تكون “قوانين الانتخابات والأحزاب والتظاهر ومواد الحبس الاحتياطي وقوانين الأسرة والإصلاح الاقتصادي في مقدمة التشريعات التي تُنظر في الحوار الوطني كما هو مثار وستجد قبولا وتوافقا في البرلمان”.
وتوقع “ألا تستغرق هذه التشريعات ذات الأولوية ومحل التوافق في أغلبها وقتا طويلا في نظرها، وبعضها كقانون الأسرة قد يُنظر برلمانيا بعد نحو شهرين عقب انتهاء عطلة البرلمان السنوية، بجانب الحاجة لإقرار قانون الإدارة المحلية لإجراء انتخابات محلية العام المقبل”.
وسيشهد دور انعقاد مجلس النواب، المقرر انطلاقه في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وفق تقارير صحفية محلية، مناقشة تشريعات مرسلة من الحكومة أو مقدمة من أعضاء المجلس مثل قانون الأحوال الشخصية والمحليات.