لم أكن أتصور أن أجلس مع وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، أقول ذلك رغم شهرة هذا الرجل الاجتماعية والثقافية وتواضعه في عصره، لكن قصدي يتعلق بتصوري عن جلسة أتحدث فيها أنا، ويسمع هو ما أقول ، وقد حصل هذا!
وبغض النظر عن طبيعة الحديث المهم الذي دار بيني وبينه، وتحمّل فيه اتهاماتي له بحضور الشهود ولم يطردني، فأريد الآن أن أشير إلى كتبه التي قدمها لي بعد ذلك الحديث، فأقول صراحة أني رميتها .. نعم رميتها، ولم أقرأها إلا بعد سنوات، فإذا هي واحدة من أهم المراجع التي أريدها في الدراسات التي أشتغل عليها عن سورية، كانت كتب مصطفى طلاس أكثر متعة وأهمية مما أتوقع، وقد عدت إليها خلال الحرب لأدقق في بعض تفاصيلها !
كان ذلك درسا مهما لي، تعلمت منه أن لا أرمي الكتب التي تعطى إليّ أو تصلني من وزراء أو مسؤولين مهمين أو شخصيات اعتبارية نظن أحيانا أن أحدا كتبها لهم، لذلك قرأت كتبا مهمة للسيد فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية السابق والدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس بشار الأسد والدكتور سليمان حداد أحد قادة 8 آذار، وهكذا فعلت عندما وصلتني بعض كتب الدكتور هزوان الوز وزير التربية ، وخاصة أنها كتب أدبية (رواية وقصة) وليست سياسية ..
الحديث عن الكاتب الوزير مصطفى طلاس قديم يعود إلى عام 2000، (لابد من نشره في هذه الآونة)، أستعيده الآن نظرا لتعرفي على كتابات الدكتور هزوان، وكنت أنتظر تشكيل الوزارة السورية الجديدة التي شكلها المهندس عماد خميس لأكتب عنه معتقدا أنه لن يكون وزيرا، فإذا هو في الحكومة الجديدة أيضا، وهذا لن يمنعني من الكتابة..
قبل عدة أشهر قرأت له رواية ((سرير من وهم)) وكتبت عنها فأثارت ردود فعل القراء، إذ كيف لوزير يكتب عن أجواء من هذا النوع تتعلق بالحب، ولأن غالبيتهم لايعرفون أن طبعتها الأولى صدرت عام 2000 ، ولم يكن تولى بعد أي منصب. وقعوا في الفخ وصار بعضهم يسألني أن يقرأها فأرسلتها لمن طلب، ثم ضاعت . وفي المجموعة القصصية الأخيرة التي وصلتني ((عصّة بحر)) تمنيت أن لايكون السيد الوزير عرضة للانتقاد من جديد، فشرعت سريعا بقراءتها، ثم رحت أبحث عن كتبه الأخرى لأستكمل فكرتي عن ((الكاتب/الوزير)) الذي يكسر كل ظروف العصر، ليبني نصا أدبيا واقعيا يثير شهية القراءة !
وكما تعلمون، لم يعد هاجس الكتابة والنشر يشغل بال الكثيرين في هذا العصر، فوسائل التواصل الاجتماعي اختصرت فن بعدة كلمات على ((تويتر))، أوبتعليقات سريعة على صفحات موقع الفيس بوك …
باحتصار، ألغت وسائل التواصل أشياء كثيرة من حياتنا، وقدمت لنا ملامح عصرها، وفي الوقت نفسه دخلت إلى عمق الروح تريد أن تأخذ منها أشياء ثمينة، وما زاد في الطين بلة ، أن مشاغل الحياة راحت تكنس ماتبقى في خزانة الروح، فلا وقت لتقرأ ولا وقت لتنتقي كتاب، ولاوقت لتكتب إذا كنت كاتبا، وعليك أن تستمع لهيفاء وهبي بدلا من أم كلثوم ، وعليك أن تقرأ تعليق صديقك عن أسعار الثوم بدلا من أن تقرأ لنجيب محفوظ أو حنا مينا!
هذا بالنسبة لنا نحن العاديون، فكيف يكون الحال عندما يتولى شخص ما مهمة صعبة كمهمة الوزير ، لابد وأنه يغلق خزان الروح على الآخر، وربما يقلبه رأسا على عقب لتخرج منه كل الأشياء المليئة بالغبار التي تحرضه على الكتابة، فيتفرغ للاجتماعات والمحاضرات والدعوات والاحتفالات والظهور على التلفزيون.. عندما قرأت قصص ((عصّة بحر)) للكاتب الوزير هزوان الوز تذكرت الكاتب الوزير مصطفى طلاس، فثمة وقت للروح عندما من لم تمت عنده الروح، فما أن تقلب قصص هزوان في جمالية الكتابة الواقعية الساحرة، حتى تردد من تلقاء نفسك : ليس شرطا أن تفرغ الروح عند راكبي سيارات المرسيدس ((المفيمة)) من الوزراء . فاشتعال الروح أحيانا بإبداع فن من الفنون يفرض نفسه على كل مشاغل الحياة..
عدت إلى مصطفى طلاس الكاتب وتذكرت حديثي معه ، وقررت البحث عن حديث مع الوزير الذي يشغل في سورية الآن وزارة من أهم الوزارات بعد الدفاع، يقدم فيه جزءا من وقته ليكتب عن الواقع في الحرب الصعبة والمريرة على السوريين !