مصــر: عــامــان علـــى تغـيــيــر بــدأ … ولــم يكـتـمـــل بـعـــد الثــورة تكشــف عـن بعـض أســرارهـا: الطـريـق إلى «٢٥ ينـايـر» (احمد عبد الفتاح)

 
 

احمد عبد الفتاح

عامان مرا على اندلاع «ثورة 25 يناير» المصرية… حتى الآن لم تكشف بعد الثورة عن كل أسرارها. لم يكن خروج عشرات آلاف المصريين يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني العام 2011 بالأمر العفوي بالكامل. الظاهر للعامة كان مجرد دعوة عبر إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، لكن خلف تلك الدعوة كان هناك ما هو اكبر من مجرد دعوة إلى التظاهر.
يقول عبد الرحمن منصور، أحد مؤسسي صفحة «كلنا خالد سعيد» التي دعت إلى الثورة المصرية، إن التحضير للثورة كان قد بدأ قبل عامين من اندلاعها، فبعد ظهور حركة «كفاية» التي عارضت حسني مبارك ومشروع توريث الحكم لابنه جمال، وخروج تظاهرات في الشارع المصري تهتف للمرة الأولى بسقوط مبارك، ظهرت على الساحة حركات شبابية مستقلة، غير تابعة لأي تيار سياسي، وتعمل على الأرض، على غرار «كفاية»، وهي كلها حركات ومجموعات كان لها عظيم الأثر في الثورة المصرية والتحضير لها.
لكن منصور يرى أن ظهور الدكتور محمد البرادعي على الساحة، وبيان التغيير الذي تبنّاه، شكلا البداية الحقيقية للثورة، فللمرة الأولى تكون للقوى السياسية المطالبة بالتغيير مطالب واضحة تحظى بإجماع شعبي حقيقي.
عبد الرحمن منصور لم يظهر وقت الثورة كما حدث مع زميله في تأسيس الصفحة وائل غنيم، لأنه كان مطلوبا للتجنيد. ويقول ان الصفحة بدأت بعد مقتل خالد سعيد على يد عنصرين من الشرطة في مدينة الإسكندرية.
وهذا الحادث كان له أيضاً عظيم الأثر في اندلاع الثورة، فللمرة الأولى تخرج فئات لم تكن تتعاطى مع العمل السياسي إلى الشارع في تظاهرات ضد عنف الشرطة، ولعل ثلاث وقفات صامتة بملابس الحداد السوداء كانت مؤشراً مهما إلى أن هناك لاعبين جددا على الساحة السياسية المصرية .
يقول عبد الرحمن منصور «كنا مؤمنين بأننا نستطيع، فبعد الدعوات الناجحة للوقفات الصامتة الثلاث عبر الصفحة، كانت لدينا قناعة بأننا قادرون على الدعوة لما هو أكبر، فكانت دعوتنا إلى التظاهر يوم ٢٥ يناير في كل شوارع مصر ضد الظلم والاستبداد، وطلبنا ممن يريد التنسيق معنا إلى التواصل عبر البريد الالكتروني، فكانت المفاجأة أن العديد من الحركات الشبابية تواصلت معنا بالفعل للتنسيق ليوم ٢٥ يناير».
هنا ينقل عبد الرحمن منصور عن محمود سامي، منسق العمل الجماهيري في حركة «شباب ٦ أبريل»، كيف أنه فكر في اختيار أماكن جديدة وغير اعتيادية لتبدأ منها المسيرات والتظاهرات، على أن تكون في مناطق شعبية، ما يوفر الزخم للتظاهرات.
عن تلك الأماكن الجديدة يقول محمود «في كل مرة كنا نتظاهر فيها، كان الناس يصفقون لنا، لكني تمنيت هذه المرة أن يبهرني الناس ونصفق نحن لهم، فنحن إن وصلنا إليهم بمسيراتنا وتظاهرتنا سيخرجون معنا وسيكونون قادرين على إبهارنا «.
كانت القرارات يومها أن يتم اختيار أماكن غالبيتها شعبية لم تخرج منها تظاهرات قط قبل ذلك، مثل ناهيا في محافظة الجيزة، والسيدة زينب في القاهرة.
وعن دور روابط «الألتراس»، يكشف منصور عن أن مجموعة «ألتراس أهلاوي» اتصلت بهم ونسقت معهم الخروج والتظاهر يوم ٢٥ يناير، وكان لهذا الأثر العظيم، لما لتلك المجموعة من خبرة واسعة في التعامل مع الأمن في معارك المدرجات.
أما عن «الإخوان» ودورهم، فيروي منصور أن مجموعة من شباب «الإخوان» نسقوا معهم للخروج في تظاهرات ٢٥ يناير، لكنهم كانوا ينسقون في شكل أفراد وليس كجماعة.
ويتذكر منصور بيانا خرج عن مكتب إرشاد «الإخوان» قبل الثورة كان تحت عنوان « ١٠ خطوات لتجنب ثورة شعبية في مصر»، وكانوا يدعون فيه السلطة في مصر إلى التعجيل ببعض الإصلاحات حتى لا تصل الثورة إلى مصر .
وعن أول اجتماع حقيقي بعيدا عن فضاء الانترنت لما عرف بعد ذلك بـ«شباب الثورة»، يكشف منصور النقاب عن اجتماع عقد يوم ٢٠ كانون الثاني العام 2011 في مقر مجموعة «شباب من أجل العدالة والحرية» في شارع طلعت حرب في وسط القاهرة، وحضره ممثلون عن معظم الحركات الشبابية التي كانت تنسق من اجل يوم ٢٥ يناير، بالإضافة إلى شباب «الإخوان».
ويصف منصور الجو الذي ساد الاجتماع بأنه كان جواً متفائلاً، ويوضح «كنا نقول لبعضنا أننا سنستطيع أن نفعلها كما فعلتها تونس».
وعن سبب نجاح الدعوات إلى التظاهر يوم ٢٥ كانون الثاني، يرى منصور ان النظام فوجئ بأن هناك مجموعات شبابية جديدة على الساحة غير تلك التي اعتادوا على التعامل معها كـ«الإخوان المسلمين» أو حتى القوى اليسارية. شباب معظمهم كان صغيراً في السن، ولديه أحلام ثورية، ومؤمن بأنه قادر على التغيير.
ويضيف إلى ذلك، ما حدث يوم ٢٥ يناير في مدينة السويس واستبسال أهل السويس في تظاهراتهم، والتي أدت إلى سقوط أول شهيد للثورة المصرية في المدينة، ما أدى الى اشتعال الثورة في باقي أنحاء البلاد.
بعد عامين على الثورة، وصل «الإخوان المسلمون» إلى سدة الحكم في البلاد، وبعد كل هذه الفترة يبرز سؤال مهم: أين كان «الإخوان» في الثورة، وما موقعهم منها طوال تلك الفترة؟
في إجابته على هذا السؤال، يري عبد الرحمن منصور أن «الإخوان» لم يكونوا كجماعة مؤمنة بالثورة، فبالرغم من اشتراك بعض افرادها في التنسيق والتحضير للثورة، إلا أن الجماعة الام كانت تنأى بنفسها عن ذلك… ويؤكد منصور أن الجماعة لم تنزل إلى الشارع للمشاركة في الثورة إلا بعدما شعرت يوم ٢٨ كانون الثاني بأن الثورة ستنتصر وأن السلطة تنهار… فوجدوا أنه لابد لهم أن يلحقوا بقطار الثورة لمصالحهم السياسية.
وعن دور «الاخوان» طوال الأيام الثمانية عشر التي استغرقتها الثورة، يقول منصور إن «الاخوان كان لهم دور بارز في الميدان، وأنهم بالفعل حموا الثوار يوم «موقعة الجمل»، لكنه يرى أن «الاخوان» ومنذ تنحي مبارك يعملون وفق مبدأ «ترشيد أسباب الاستبداد والاستعباد»، فهم يحاولون أن يتحكموا في الدولة والنظام، وأنهم بعد اكتشافهم مدى عمق الدولة، قرروا ان يبقوا النظام على ما هو عليه بعد اضافة بعد المحاولات التجميلية عليه فقط.
أما عن الثوار، فيرى منصور أن أزمتهم الحقيقية أنه لم يكن لديهم طموح سياسي حقيقي بعد رحيل مبارك، في حين أن النخبة المصرية التي كان من المفترض أن تقود البلاد افتقرت إلى الشجاعة والخيال، ودائما ما كانت مطالب الثورة ترتطم بسقف تلك النخبة. وعن مستقبل الثورة، يرى منصور أن الثورة ما زالت قادرة على التغيير، فقد استطاعت أن تهدم بعض الاساطير القديمة كاسطورة الجيش الوطني، واسطورة الاسلام السياسي، وهي ما زالت قادرة على هدم كل تلك الاوهام التي كانت تحول دون تقدم مصر.
ويرى منصور أن الثورة لم تحكم بعد، وأن تلك هي أزمتها الحقيقية، موضحاً أن كل هذا حدث بعدما ذهبت الثورة إلى صناديق الانتخابات.
عبد الرحمن منصور وغيره من الثوار يراهنون على تظاهرات دعي اليها في مختلف أنحاء مصر يوم غد في الذكرى الثانية للثورة… هو كغيره من الثوار يرون أن الوقت لا يزال مناسبا لتصحيح مسار الثورة وانقاذها مما هي فيه. فهل يفعلها المصريون مرة أخرى؟ سؤال تحمل اجابته إلينا الايام المقبلة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى