مضيق هرمز يعود كميدان تصعيد.. وسيناريو حرب السويس يقفز الى الواجهة بزعامة فرنسية أيضا.. وكيف تتكرس مدرسة ترامب بإلغاء “مجانية” الحماية وتنويع مصادر الحلّب؟ وكيف سيكون الرد الإيراني؟

 

تتصاعد حدة التوتر مجددا في مضيق هرمز الذي يشهد حاليا تحشيدا عسكريا أمريكيا واوروبيا غير مسبوق، فقد أعلنت فرنسا امس عن قيادتها تحالفا بحريا يحظى بدعم عدة دول مثل بلجيكا والدانمارك واليونان وإيطاليا وهولندا والبرتغال، الى جانب ارسالها حاملة الطائرات “شارك ديغول”، اما بريطانيا فدشنت عودتها الى الخليج بقوة عبر بوابة التحالف البحري الأمريكي الموازي الذي أعلنت انضمامها اليه، وتقوده واشنطن، ويضم استراليا والسعودية والامارات.

الهدف المعلن هو طمأنة المملكة العربية السعودية بعد هجمات ابقيق وخريس التي شلّت انتاجها النفطي، وادت صواريخها وطائراتها المسيرة الى حفض الصادرات النفطية السعودية بمعدل النصف، اما الهدف غير المعلن فربما يكون الاستعداد لشن حرب ضد ايران، او تحذيرها كخطوة أولى، مع تزايد احتمالات انسحابها الكامل من الاتفاق النووي، والعودة الى مرحلة ما قبله من “التخصيب الحر” لليورانيوم، ودون أي سقف اعلى كابح.

***

اعلان المملكة العربية السعودية دفع 500 مليون دولار لتسديد الدفعة الأولى من تكاليف وجود 3000 جندي امريكي يتواجدون حاليا في منطقة ابقيق هو الذي يشجع الدول الأوروبية على ارسال السفن الحربية والقوات، طالما ان دول الخليج هي التي ستسدد جميع النفقات من ارصدتها وعوائدها النفطية.

التحشيد الأوروبي البحري في مضيق هرمز، وبهذه الكثافة، يعني ان أوروبا، بقيادة فرنسا، قررت التخلي عن الاتفاق النووي، وغسل يديها منه، واشهار عدم استعدادها تلبية مطالب طهران في تخفيف العقوبات الامريكية، وإيجاد نظام مالي بديل، وظهر هذا الموقف في أوضح صوره عندما اعلن الرئيس ايمانويل ماكرون انه بات محتما على ايران التفاوض مع أمريكا على “اتفاق ترامب” النووي الجديد، بشروط جديدة لاستحالة العودة الى الاتفاق القديم.

لا نعرف كيف سيكون شكل الملاحة في مضيق هرمز في ظل هذا الازدحام غير المسبوق للسفن والاساطيل الأوروبية، وحتى متى سيستمر هذا الوضع الخانق، وماذا لو حصل أي خطأ يمكن ان يؤدي الى انفجار المواجهة العسكرية؟

الرئيس ترامب حرص على التأكيد عدة مرات في الأيام القليلة الماضية على انه لن يسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، ووجدت هذه التهديدات أصداء مرحبة، بل محرضة في تل ابيب، ولهذا يجب النظر الى هذا التحشيد المكثف، يشقيه الأمريكي والاوروبي من هذه الزاوية، فجميع الخلافات الامريكية الأوروبية ممكنة ومحتملة، الا عندما يتعلق الامر بالدولة العبرية ومواجهة أي خطر يهددها، هنا تذوب الفوارق بين الجانبين وتختفي.

دقة الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قاعدة “عين الأسد” الامريكية غرب العراق وما خلفه من دمار مادي كبير في احد اجنحة هذه القاعدة، مما قلص من أهميتها وفاعليتها، وسهولة اختراقها، وكل القواعد الأخرى المماثلة، احدث انقلابا في معادلات القوة والضعف في الاستراتيجيات الامريكية والاوروبية، وهذا ما يفسر حالة الانقلاب في الموقف الفرنسي تجاه ايران، والتخلي عن الاتفاق النووي وسياسة الاحتواء لطهران، وعلينا ان نتذكر ان فرنسا وبريطانيا ومعهما إسرائيل هم الذين قادوا حرب السويس تحت عنوان حرية وتأمين الملاحة.

ايران في المقابل تملك المؤسسات البحثية وبنوك العقول التي ترصد هذه التطورات، ولا نعتقد انها، وبعد خطاب السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى، الجمعة الماضي الذي اعطى فيه “الضوء الأخضر” للحرس الثوري لتوسيع دائرة عملياته بما في ذلك خارج الحدود الإيرانية، ايران لن تكتفي بعدم الرد بعد ان وصلت الحشود الى اطراف خيمتها، وسيكون الردع النووي هو الهدف الأسرع والأنجع بالنسبة اليها لحماية نفسها وشعبها، بعد صدق حساباتها في تبعية الأوروبيين لأمريكا، وان كل ما قيل عن استقلاليتهم مسرحية.

***

مدرسة ترامب في الغاء “مجانية” الحماية في الخليج تترسخ، وتفتح فروعا لها في أوروبا بشكل متسارع، فها هي فرنسا، بعد بريطانيا تنزل الى الحلبة، والذريعة طمأنة هذه الدول، والسعودية على وجه الخصوص، ولهذا ستسمر عمليات الحلّب وتتنوع اساليبها، وطرق الدفع بالتالي، سواء بشكل مباشر او غير مباشر.

اذا صحت التسريبات الإسرائيلية والأمريكية التي تقول بأن طهران تسعى حاليا، وبعد اغتيال سليماني لتحقيق هدفين، الأول صناعة قنبلة نووية، والثاني، تطوير صاروخ لإيصالها الى هدفها، ومن المحتمل الوصول اليهما قبل نهاية هذا العام، فان هذا يعني ان العام الجديد (2020) ان لم يكن نهاية العالم، مثلما يقول بعض العرافين وقراء الطالع، فانه قد يكون بداية نهاية العصر النفطي العربي.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى