أنسام صيفية

مع فيروز و كورونا

مع فيروز و كورونا… إستيقظت صباح أمس مبكراً كعادتي والكل نيام . كنت جائعاً، فأحضرت ترويقة بسيطة و كأسا من الشاي ، و جلست في غرفة مكتبي الصغير وقبل أن أتناول اللقمة الأولى خطر على البال أن أضع شريطا لأغاني فيروز في الجهاز وأصغي وأنا آكل ، أغلقت الباب كي لا أزعج النائمين ، ثم وضعت اللقمة الأولى في فمي و أنا أصغي للصوت الملائكي وموسيقا الرحابنة في أغنية : يا مرسال المراسيل ….

لا أدري حقا كيف غمرتني حالة لا أعرفها عني وأنا أسمع فيروز وكلمات الأغنية … حالة من المشاعر والأفكار أنني لن آكل ، ولن أسمع ، وأنني راحل عما قريب إلى العدم والمحهول …  هل هي فيروز أم موسيقا الرحابنة ، أم شيخوختي ووحدتي هي السبب فيما يحصل لي وقد بدأت تخنقني حالة عجيبة من الكآبة والحزن والعبث والرغبة في البكاء.

أنهيت إفطاري سريعاً، وغسلت يدي بالماء والصابون ثم عدت إلى عزلتي واسترخيت وأنا أفكر بالضياع والموت والكوكب الذي نعيش فوقه والمهدد بالخراب ….

من نحن البشر ؟.. و لماذا خلقنا ؟ ولماذا نموت وهل سوف تتحسن أخلاق البشر والأنظمة الحاكمة ؟ هل ستتفاهم أمريكا مع الصين أم سوف تتسرب الشكوك القاتلة و تنشب حرب إبادة كاملة لكل مظاهر الحياة ؟…

حالة نفسية فكرية تلبسني فمن كان المسؤول عنها .. فيروز ..أم الرحابنة ..أم آخر الأخبار..؟ أم شيخوختي ؟…
أنا لست رومانسياً على الإطلاق و لست من المتشائمين .. لقد فقدت أبي ثم أمي ثم بعض إخوتي  و لم أبك … ثم اصطدمت مع سلطة بلدي في بعض المواقف وخرجت منها سليما و لكن يائساً من إمكان تحقيق العدالة والحرية والسلام على وجه الأرض كلها بين الطوائف و شعوب البشرية المختلفة … فمن خلق هذا الكون العجيب ..؟ ومن هو هذا الخالق الذي يشاهد كل هذه الأوجاع والكوارث والهزائم والخصومات والحروب ولا يتدخل لإيقافها ؟..

حالة عجيبة تلبسني و أنا أصغي لفيروز وهي تغرد بصوتها العجيب ، فنهضت على الفور و قد انتهت الأغنية وأخذت قلما و بدأت أكتب…

ما هي جدوى كل هذه الكتابات والإجتماعات والمؤتمرات والخطابات والمؤامرات والإصلاحات … من نحن البشر ..؟ هذا العنصر الحي من الكائنات المتفوقة والمتميزة عن سائر الكائنات الأخرى بعقل يفكر ويتصرف ويأمر و ينهي و ينصح و يرتكب و يصالح و يعتذر و يحب و يعشق و يكره في وقت واحد …

و أنا .. لمن أتوجه بهذا الكلام الضائع و فيروس وباء الكورونا على الأبواب و النوافذ المغلقة يبحث عن ثقب يتسرب منه إلينا ؟!..

لا .. يجب أن أسمع فيروز من جديد…وهكذا أعدت تشغيل الشريط إلى الأغنية ذاتها ، و فتحت باب غرفتي ، و نوافذها و أنا أدعو كورونا إلى الدخول كي يريحني من كل هذه الأفكار…

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى