أنسام صيفية

مـعـجزة الحـياة

مـعـجزة الحـياة ..شطرت الرمانة التي كانت بين يدي إلى شطرين ، و ما كنت أصنع حتى توقفت مأخوذا بدهشتي أمام توزع حبوبها الحمراء في صفوف عجيبة التنظيم و التركب فهتفت على الفور : يالله !..ما أروع و أجمل هذا المنظر !

و لكم هتفت بمثل هذه الصحية و أنا أقشر الفاكهة ..أية فاكهة ..أو أمام أي منظر بديع للطبيعة.و يوما بعد يوم صرت مولعا بالمقارنة بين أنظمة البرتقال بفصوصه المغلفة بغشاء بالغ الرقة و البطيخ الأحمر بضخامة حجم الواحدة منه و غزارة بذورها الصغيرة في حين لا نجد للمشمش و الدراق مثلا سوى بذرة واحدة صلبة و هكذا …

و شيئا فشيئا صرت حتى و أنا أكل شريحة من هنا أو حبة من هناك لا أملك من التأني و التأمل الطويلين و أنا أتمتم لنفسي أو لمن يحاورني ممن تستهويهم صيحتي : ياإلهي !.

ما أجمل و أروع !.. بل لقد صرت أحيانا و أنا أمام منظر شجرة ضخمة وارفة الظلال عالية الأغصان كثيفة الأوراق أسرح في نظري و أنا أراقب أعلى ورقة في الشجرة كيف تتحرك و تهتز و أتخيل الطريق المعقد المديد الذي يتسرب فيه نسغ غذاء الشجرة من الأسفل في الجذور تحت الأرض و كيف يتصاعد هذا السائل الغذائي إلى أعلى فأعلى عبر الغصون المتشابكة كي يصل أخيرا إلى تلك الورقة العالية ليمد في عمرها و لونها و اهتزازها …و لم أملك من أن أطرح على نفسي هذا السؤال الذي طالما أعيينا الإجابة عليه :

(( ما هي الحياة ؟!))

هنا خطر على البال ما كتبه الفيلسوف الفرنسي و الطبيب الحائز على جائزة نوبل ” ألبرت شفايتزر” في كتابه الضخم (( فلسفة الحضارة )) الذي بناه على فكرة أساسية واحدة هي : معجزة الحياة على أساس أخلاقي لوضع المعيار الأعمق و الأفضل للعمل الصالح في أي عمل كان إلى أية درجة هو عمل
أخلاقي ؟
فإذا هو لم يجد أفضل بعد أكثر من 500 صفحة من الحجم فوق المتوسط من أن يضع هذا الشعار (( احترام الحياة أو توقيرها …)) ذلك أن الحياة هي الظاهرة التي تعكس و نحن نتصرف في تعاملنا بعضنا مع بعض كبشر و مع الطبيعة كنموذج أروع لمعجزة الحياة فكل من يسيء إلى الحياة أي كائن بشرا كان أو حيوانا و نباتا بمقاس : هل سيؤدي عملنا هذا إلى تقلص الحياة و إنعدامها كالصيد المبالغ فيه زهرا أو عشبا أو ماشية يكون عملا خيرا أو شريرا …

و هكذا صرت بفضل قراءتي تلك لا آكل فوق طاقتي و لا أسطو على الغابات و المروج و الحقول .. و قبل كل شيء لا أقتل إنسانا إلا دفاعا مباشرا ضد عملية قتل ظالمة و هكذا تغدو الحياة مقياسا للخير و الشر بل حتى للمتعة !

“توفير الحياة ” هو القاموس الأعظم للخلق الحسن!.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى