من غليون الى هيتو: نزهة المحارب الذاهب الى الخديعة (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

 

كانت مسيرة المعارضة السورية في سياق حضورها السياسي ولا تزال التعبير الامثل عن تجاذبات القوى الخارجية التي تمول تلك المعارضة وتديرها وتحدد لها خياراتها في السلم كما في الحرب. فيوم اعلن عن انبثاق المجلس الوطني السوري المعارض تم اختيار برهان غليون رئيسا وواجهة له. غليون (فرنسي الجنسية) الذي عرف بنزعته الليبرالية، لم يكن وجوده في منصبه مقنعا للجهات التي تخطط لمستقبل سوري يغلب عليه الطابع الديني (المعتدل) وهي الجهات المدعومة من قبل الولايات المتحدة، لذلك تمت ازاحته وجيء بعبدالباسط سيدا (سويدي الجنسية) الذي هو الآخر غادر منصبه على عجل ليتم استبداله بجورج صبرا، المسيحي الذي لم يغادر سوريا إلا قبل وقت قصير.
غير ان كل هذا القفز بين الالغام لم يكن مجديا، إذ أن الولايات المتحدة لم تكن تنظر بعين الرضا الى تركيبة المجلس الوطني. كان واضحا ان الادارة الاميركية تميل الى تغليب كفة التيار الديني على حساب التيارات المدنية، وهو ما افصحت عنه دولة قطر، وهي الممول الرئيس لنشاطات المعارضة السورية يوم ارغمت اعضاء المجلس الوطني على الاجتماع في الدوحة والموافقة على الانضمام لتجمع يكون بمثابة حاضنة لتيارات، لم تتسع لها تركيبة المجلس الوطني. يومها اعلن عن تاسيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، برئاسة احمد معاذ الخطيب، رجل الدين الذي عرف باعتداله. كان تأسيس ذلك الائتلاف ايذانا بطي صفحة المجلس الوطني الذي لطالما رفع المتظاهرون في المدن السورية لافتات تؤكد أنه يمثلهم.
وبالرغم من أن عددا من اعضاء التجمع القديم قد حاول أن يستعرض استقلاليته في الرأي، رغبة منه في الاعلان عن أن المجلس لا يزال متمسكا بثوابته النضالية المعارضة، وبالاخص في مواجهة المبادرة التي تقدم بها معاذ الخطيب والتي دعت الى تسوية سياسية من خلال الحوار مع أطراف من داخل النظام، فقد تبين ان ذلك الغضب لم يكن الا استعراضا فارغا من اية إمكانية لخلق بدائل واقعية، تكون مقنعة للقوى الدولية التي صارت تشرف بطريقة أو بأخرى على الملف السوري. ولقد اتضح لاحقا ان الاتفاق بين الجانبين الاميركي والروسي على أن يكون الحل في سوريا سياسيا قد تم التمهيد له عن طريق مبادرة الخطيب.
غير أن ما جرى في اسطنبول في الايام الاخيرة ينذر بوقوع تحول، من شأن تكريسه واقعيا أن يجعل من كل التحويرات التي شهدها جسد المعارضة السياسي شيئا من الماضي. لقد أعلن هناك عن اقامة حكومة سورية انتقالية، سلمت رئاستها لغسان هيتو، وهو رجل اعمال اميركي، من اصول سورية.
الآن يمكننا أن نرسم خطا يبدأ بغليون لينتهي بهيتو. خطا يبدأ برجل الأفكار ليقف بين يدي رجل الاعمال مخلفا وراءه رجل الدين، الذي لم يسمع له أحد صوتا في اسطنبول. فهل صار الخطيب هو الآخر جزءا من الماضي؟
عمليا فإن مبادرة الخطيب لا يمكن تفعيلها على الارض في ظل وجود حكومة انتقالية، قد يسارع الغرب الى الاعتراف بها. بالنسبة للحكومة نفسها فقد جرى تسويق فكرتها على اساس انها ستدير الاراضي التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة. فهل ستقبل جبهة النصرة، على سبيل المثال بالخضوع لحكومة باركت الولايات المتحدة انشاءها، بعد ان كان قد تم تصنيفها أميركيا باعتبارها تنظيما ارهابيا؟ الخطيب من جهته سبق له ان دافع عن ذلك الفصيل وأبدى استياءه بسبب القرار الاميركي. ثم ان الحرب في سوريا بما تميزت به من اساليب الكر والفر لا تسمح بتشكيل خرائط نهائية للمناطق التي تستقر فيها المعارضة والتي قد تقع في اية لحظة بيد النظام، فهل ستلجأ الولايات المتحدة الى اعلان محميات من أجل أن تؤدي الحكومة الانتقالية وظائفها؟
لو حدث اجراء من هذا النوع فذلك معناه عمليا المباشرة في تقسيم سوريا.
وهكذا يكون الاعلان عن حكومة انتقالية بمثابة الخديعة التي يراد من خلالها الانتقال الى الهدف البعيد وهو تقسيم سوريا.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى