
من سوء الأقدار أن يكون ضعف الانتماء الوطني وحب الأوطان مرتبطًا، في أذهان البعض، بمنظور المصالح الشخصية الضيقة.
فحين يُختزل الوطن في مكسب مادي أو منصب وقتي، يُصبح مفهوم المواطنة أداة تُستغل لا قيمة تُحترم، وتُختزل العلاقة بالوطن في مدى ما يُقدمه من منفعة آنية، لا في ما يستحقه من ولاء دائم وتفانٍ مخلص.
إن تدهور الإحساس بالانتماء غالبًا ما يكون نتيجة تربية مشوهة، أو تجربة قاسية، او نقمة على حالة او وضع اجتماعي معين أو بيئة تُعزز الفردانية المفرطة على حساب الصالح العام.
ويزداد هذا التراجع وضوحًا في المجتمعات التي خاضت تجربة قاسية من حروب محلية او أهلية او تامر دولي والتي تُهمَّش فيها الكفاءات وتُكرَّس فيها المحسوبية والمكونات الطائفية والعشائرية ، فيشعر المواطن بأن جهده لا يُكافأ إلا إذا تحايل، أو نافق، أو سار في ركب المصالح الضيقة.
لكن الوطن لا يُبنى بهذه الطريقة، ولا يُحمى بمن يرى فيه مجرد “فرصة استثمارية”. فالأوطان الحقيقية تُبنى على أكتاف من يُؤمنون بها حتى وإن خسروا، ويُدافعون عنها حتى وإن ظُلموا، لأنهم يرون في انتمائهم لها مسؤولية أخلاقية وتاريخية لا صفقة عابرة.
إن إعادة الاعتبار للانتماء الوطني تتطلب إصلاحًا تربويًا وثقافيًا يبدأ من المدرسة ولا ينتهي عند الإعلام. كما يتطلب من الدولة أن تُعيد بناء الثقة بينها وبين مواطنيها، بأن تكون عادلة وشفافة وحامية للحقوق.
فحين يشعر الإنسان أن وطنه يحتضنه لا يستغله، يحبّه بصدق، ويُدافع عنه بإخلاص، ويُضحّي من أجله بلا تردد.
فحب الوطن ليس شعارًا يُرفع وقت الأزمات، ولا في تغيير الحكومات والأشخاص اصحاب المقامات الرفيعة بل
هو التزام دائم بالأرض والجذور والانتماء لا يرتبط بمصلحة، بل بقيمة، ولا يُقاس بما يأخذه الإنسان من وطنه، بل بما يُقدمه له.
وكما قال الشاعر :
بلادي وإن جارت على عزيزة وأهلي وإن ضنوا على كرام .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة