فن و ثقافة

ناجي العلي: مَن يقدر على اغتيال «حنظلة»؟

جاد حجار

ناجي العلي: مَن يقدر على اغتيال «حنظلة»؟ .. «أنا ضد التسوية، وأنا مع تحرير فلسطين، وفلسطين هنا ليست الضفة الغربية أو غزة، فلسطين بنظري تمتدّ من المحيط إلى الخليج».

 «أنا ضد التسوية، وأنا مع تحرير فلسطين، وفلسطين هنا ليست الضفة الغربية أو غزة، فلسطين بنظري تمتدّ من المحيط إلى الخليج». بهذه الكلمات، نستعيد اليوم المناضل والفنان الشهيد ناجي العلي (1937 ــ 1987) في الذكرى الـ 38 على استشهاده بكاتم صوت في لندن.

سقط مضرّجاً بدمائه، بعدما خطّ مساراً نضالياً لا يساوم، ودخل وجدان الشعوب العربية بأيقونته «حنظلة»، الطفل الصغير الذي لن يكبر إلا بعد عودته إلى فلسطين موطنه الأصلي. منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، عاد «حنظلة» ليحتل السوشال ميديا، معلّقاً على الأحداث والمجازر بصمته المدوّي.

ولد ناجي سليم حسين العلي عام 1936، في قرية الشجرة، الواقعة بين الناصرة وطبريا. في عام 1948، هجّرت العصابات الصهيونية سكّان قريته، فنزح نحو قرية بنت جبيل مع عائلته، ثمّ نزح إلى مخيم عين الحلوة في صيدا. يقول عن ذلك: «أنا من عين الحلوة، مثل أي مخيّم آخر. أبناء المخيمات هم أبناء أرض فلسطين، لم يكونوا تجاراً وملاكاً، كانوا مزارعين فقدوا الأرض، وفقدوا حياتهم، فذهبوا إلى المخيمات. أبناء المخيمات هم الذين تعرّضوا للموت، ولكل المهانة، ولكل القهر، وهناك عائلات كاملة استُشهدت في مخيماتنا».

في عام 1959، التحق ناجي العلي بـ «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة»، إلا أن اعتقاله مرات عدة خلال تلك السنة في ثكنات الجيش اللبناني، لانتمائه إلى فكر «حركة القوميين العرب» وقيامه بتوزيع منشوراتها، لم يمكّنه من متابعة دراسته في هذه الأكاديمية. ولكن الحظ حالفه، إذ وجد عملاً في تعليم الرسم للأطفال في «المدرسة الجعفرية» في مدينة صور في جنوب لبنان.

نشر الأديب والصحافي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني أولى لوحات ناجي العلي في مجلة «الحرية» في سنة 1962، بعدما اطّلع على رسوماته وأعجب بها أثناء زيارة له إلى معرض رسومات أقيم في مخيم عين الحلوة. ومنذ ذلك الحين، صارت رسوماته تنشر من وقت إلى آخر على صفحات مجلة «الحرية».

في آذار (مارس) 1974، صدرت جريدة «السفير» اليومية في بيروت، فعاد ناجي العلي ليعمل رساماً للكاريكاتور فيها، وراحت شهرته تذيع على النطاق العربي منذ ذلك الحين عبر شخصية «حنظلة» التي ابتدعها سنة 1969 عندما كان يعمل في صحيفة «السياسة» في الكويت. «حنظلة» هو الطفل ابن العاشرة، الذي لن يكبر إلا بعد عودته إلى فلسطين. يظهر في الرسم وهو يدير ظهره عاقداً يديه خلف ظهره، وقد أصبح «حنظلة» بمنزلة توقيع ناجي على رسوماته، فهو «كالبوصلة بالنسبة إليّ، وهذه البوصلة تشير دائماً إلى فلسطين» كما كتب مرةً.

عاد ناجي إلى الكويت سنة 1976 للعمل في صحيفة «السياسة» حتى سنة 1978، ثم رجع إلى بيروت للعمل في صحيفة «السفير» حتى سنة 1983.

عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، انضم إلى أسرة تحرير صحيفة «القبس» الكويتية في مطلع سنة 1983، بيد أن الحكومة الكويتية قرّرت بعد سنتين ترحيله عن أراضيها، فلجأ في تشرين الأول (أكتوبر) 1985 إلى لندن وصار يعمل في صحيفة «القبس» الدولية.

في 22 تموز (يوليو) 1987، أطلق مجهول النار على ناجي العلي في لندن بالقرب من مقر صحيفة «القبس » الدولية، ومكث في غيبوبة في المستشفى حتى وفاته في 29 آب (أغسطس) 1987، ودفن في مقبرة «بروك وود» الإسلامية في لندن.

إن المنسوبَ المرتفع للوعي السياسي عند ناجي العلي جعله حذراً جداً من الخطاب السياسي الذي كان يتم نشره، وما يزال، حول القضية الفلسطينية. خطاب يحاول قلبَ الحقائق التاريخية، والمساومة الدنيئة بين الجلاد والضحية. خطاب ملغوم يحاول تحجيم القضية الفلسطينية، واعتبارها شأناً داخلياً، وليست قضية أممية.

إن قيمة الكرامة تتخذُ أبعاداً عدة في فكر ناجي العلي، ومن تلك الأبعاد: عدم التفريط في الأرض تحت أي عنوان. يصرخ ناجي العلي قائلاً: «كلما ذكروا لي الخطوطَ الحمراءَ طار صوابي… أنا أعرفُ خطاً أحمر واحداً؛ إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقّع وثيقة اعتراف واستسلام لـ «إسرائيل»». إنها أرقى حالات الدفاع عن الكرامة التي امتهنت في مناسبات عدة، فمن العارِ التفريط في الأرض باسم الحفاظ على الكرامة، إنه البهتان عينه. ناجي يقول لكل أولئك: كفى كذباً ونفاقاً. قالها مراراً: «لا أفهم المناورات، لا أفهم السياسة، لفلسطين طريق واحد ووحيد هو البندقية». إنه يرد رداً مزلزلاً على ذوي النفوس الخائرة من تجار المفاوضات، ومرتزقة الحوار، من موقع ضَعف.

في الذكرى الـ 38 على اغتياله، يجدر القول إن الذين راهنوا على أنّ اغتياله برصاصة غادرة، سيُنهي ناجي إلى الأبد، كانوا واهمين، لأن ناجي ظلّ حياً في ضمير ووجدان الملايين الذين أحبوا رسوماته وتعلقوا بها. ظلّ حياً في دواخل من تلمَّسوا فيه المثقف العضوي، المنصهر مع قضاياهم ومشكلاتهم. الذين اغتالوه، تناسوا أنه ترك خلفه «حنظلة » شاهداً من بعده.

صحيفة الأخبار اللبنانية

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى