نتيجة أرادها الأسد… جهاديو سورية يوجهون ضربة مؤذية لقضية الثورة (رولا خلف)

 

رولا خلف

في عالم الجهاديين تتميز جبهة النصرة بأنها تشكل نجاحا نادرا. فقد استطاعت تحقيق سلسلة من حالات التقدم ضد قوات نظام بشار الأسد جعلتها تبرز في مقدمة المعركة على مستقبل سورية. لذلك ليس من قبيل المفاجأة أن القاعدة في العراق، وهي منظمة فاشلة لها تاريخ دموي، حاولت التودد إلى جبهة النصرة في الأسبوع الماضي، حين أعلنت عن الاندماج بين المجموعتين.
لكن لأن النصرة تسعى إلى خلق وجه أكثر قبولا للقاعدة -يتسم بقدر أقل من التعصب الديني ومن أساليب القتل، أكثر من كونها راغبة في التعاون مع الجماعات الرئيسة، وتقديم خدمات اجتماعية للمناطق الواقعة تحت سيطرتها- أعطت جوابا غريبا لمحاولات التودد من الزميلة العراقية.
فقد أعلنت الجبهة أنها لم تتم استشارتها ولا هي راغبة في الاندماج. وتفوقت على المجموعة العراقية في إعلان الولاء لأيمن الظواهري، الذي يترأس ما بقي من القيادة العامة للقاعدة.
وبحسب بيتر هارلِنج، المحلل المختص في الشأن السوري لدى مجموعة الأزمات الدولية "لم يكن باستطاعتهم فقط رفض القاعدة في العراق وألا يقولوا شيئا بخلاف ذلك -وبالتالي عوضوا عن الرد الرافض بالسعي نحو أمر يتمتع بشرعية أكثر في هذا الجزء من الكون الخاص بهم". ومن حيث أثر ذلك على الثوار السوريين، وعلى العالم الذي يسعون أقصى جهدهم للحصول على تأييده، فليس هناك فرق يُذكَر بين الارتباط بالقاعدة في العراق أو بالظاهري.
لقد وجه أبو محمد الجولاني، زعيم النصرة الذي يفترَض أنه صاحب الصوت في الشريط الصوتي الذي نشر الأسبوع الماضي، ضربة إلى قضية الثورة السورية وعزز حكاية النظام التي تقول: إن الموضوع هو حكومة علمانية تقاتل ضد تهديد متطرف.
إنها حكاية تشوه الواقع، فالغالبية العظمى من قوات الثوار لا تنتمي لأيديولوجية النصرة. لكنها حكاية جذابة بشكل خاص للأقليات في سورية، وكثير منها يشعر بخوف شديد من التخلي عن نظام الأسد، الذي تهيمن عليه الطائفة العلوية.
ويقول إميل هوكايم، وهو محلل لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره بريطانيا: "نحن نعلم أن هذه الحكاية هي نبوءة تحقق ذاتها بذاتها، وأن الأسد أراد هذه النتيجة لكن ليست هذه هي الصورة التي تراها الأقليات".
وحتى في الوقت الذي تحقق فيه النصرة انتصارات عسكرية ضد القوات الحكومية، فإنها تغذي كذلك أوهام الأسد وتعطيه الانطباع بأن تحويل الرأي العام الدولي لا يزال ممكنا من خلال تصوير الحرب على أنها بين حكومة علمانية وجهاديين. وكان الزعيم السوري يتصرف وكأن الضغط الواقع عليه يمر في حالة تراجع. ويُعتقَد أنه رفض اقتراحا بالانتقال السياسي تقدمت به إيران، الحليف الذي يسانده ماليا وعسكريا.
 وفي الولايات المتحدة التي وضعت النصرة من قبل على قائمة المنظمات الإرهابية، وكذلك لدى القوى الأجنبية الأخرى التي تشعر بصورة متزايدة بالقلق من كونها تقف إلى صف القاعدة في القتال، فإن بيان الجولاني يرجح له أن يقوِّي الحجة ضد تعزيز التدخل في النزاع السوري.
ورغم أن جماعات الثوار الإسلاميين الأخرى ترفض أيديولوجية النصرة، إلا أنها تعترف بالقيمة العسكرية للجبهة وتتعاون معها في عمليات ضد قوات النظام.
لكن زعماء المعارضة يقولون: إن بيان النصرة ينبغي بدلا من ذلك أن يؤدي إلى تعزيز صفوف الثوار الميالين إلى الاعتدال. وهذه عملية تدعمها الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية بصورة متزايدة، وتهدف إلى خلق ملعب متوازن يؤدي إلى إجبار الأسد على التفاوض من أجل تسوية سياسية. والفكرة، كما يقول أحد الدبلوماسيين، هي خلق قوة عسكرية أقوى من النصرة.
وقد تم تسليم شحنات من الأسلحة المتطورة التي اشترتها دول عربية، عبر الحدود الأردنية في الأشهر الأخيرة، وكان لها دور أساسي في المكاسب التي حققها الثوار في الجنوب، ما عجل بالزحف نحو دمشق.
ويقول مسؤولو المعارضة ودبلوماسيون: إن جزءا مهما من الاستراتيجية هو تقوية القيادة العسكرية الموحدة التي تم تشكيلها حديثا، برئاسة الجنرال سليم إدريس، وهو أحد القيادات التي أعلنت انشقاقها عن النظام.
وكان الجنرال سليم يضغط منذ فترة من أجل رفع الحظر المفروض من الاتحاد الأوروبي على الأسلحة، وتعهد بأن يكون من الممكن تتبع الأسلحة وتحويلها فقط إلى آمرين موثوقين.
وبطبيعة الحال ليست هناك ضمانة بأن القيادة العامة ستكون قادرة على فرض نفسها، وذلك بالنظر إلى التشرذم المتزايد لقوات الثوار والفوضى على الأرض. وبحسب تقرير من معهد دراسة الحرب في الولايات المتحدة، القيادة العليا غير متماسكة هيكليا، وقدرتها على فرض القيادة والسيطرة تعتمد على تعاون الأعضاء. لكن في الجَيَشان الذي تمر به سورية، فإن المراهنة على ذلك ربما تكون السبيل الوحيد لتقوية المعتدلين.
ويقول ياسر طبارة، وهو مسؤول لدى الائتلاف الوطني السوري، المظلة الرئيسة للمعارضة: "إذا كان هناك فراغ لا نملأه نحن، فسيملأه شخص آخر. وهذا هو ما يدفعنا إلى مطالبة العالم الغربي بالاستثمار في أسرع وقت ممكن في العملية التي تؤدي إلى تقويتنا".

فاينانشال تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى