نجيب محفوظ والسينما ….. القصة السينمائية تمثل محورًا لا يستهان به من أعمال ربطت بين صاحب نوبل وفن السينما بتوجهاته وآلياته المختلفة إلى حد بعيد عن النص الأدبي المكتوب بطاقات إبداعية أكثر عمقا وفكرا، ربما تفوق طاقة القصة المكتوبة خصيصا للسينما أو الدراما بوجه عام.
تضرب علاقة نجيب محفوظ بالسينما وفن الدراما في جذور الحياة الثقافية العربية بعامة، وحياته الأدبية والإبداعية بعمق. فهو الروائي الذي ذاعت شهرة الأفلام السينمائية المأخوذة عن أعماله الروائية والقصصية وصارت تحقق نجاحات منقطعة النظير. كما أنها أرَّخت بعمق للتاريخ المصري وشرائحه الاجتماعية البسيطة والمتفاوتة في إيقاعات وجودها. وتجاورت فيما بينها من جهة وبين السينما من جهة أخرى أبضا. لتصنع هذا التمايز بما يشبه قطع الموزاييك. فكانت روايات الواقعية الاجتماعية: “بداية ونهاية، زقاق المدق، القاهرة الجديدة، ثم الثلاثية أيضا. ولعلها الأشهر التي جسدت تاريخا من النضال السياسي والاجتماعي أيضا. وانتقلت السينما معها بكلاسيكياتها إلى طزاجة المحتوى فيما قدم بعد ذلك من مراحل روائية متمايزة، ربما شملت الروايات التي أنتجها عميد الرواية العربية..
نجيب محفوظ و السيناريو والحوار
إلا أن إسهامات محفوظ في صناعة السينما قد بدأت باكرا من خلال سيناريوهات وقصص الأفلام الخاصة بذاك الإنتاج. والتي بدأت في 1947 بسيناريو فيلم “المنتقم”.ليشهد انطلاقة متميزة مع المخرج صلاح أبوسيف استمرت بصورة شبه منتظمة حتى عام 1960. حينما بدأ في تقديم رواياته للسينما والتي بدأت مع صلاح أبو سيف أيضا. بفيلم عن رواية “بداية ونهاية”؛ فقد حفلت هذه الحقبة تحديدا بالسيناريوهات المكتوبة خصيصا للسينما أو المأخوذة عن أعمال روائية لكتاب آخرين. مثل: “أمين يوسف غراب” في سيناريو مشترك معه في “شباب امرأة” 1955. و“إحسان عبد القدوس” في: “الطريق المسدود” 1958، و”أنا حرة” 1959. لتشهد هذه الفترة تعاونا شبه كاسح مع مخرج الواقعية الاجتماعية الكبير صلاح أبو سيف. كما وليتخللها العديد من الأعمال التي نالت شهرة ذائعة وشعبية أيضا. مثل: “ريا وسكينة” 1953. و”جعلوني مجرما” مع المخرج عاطف سالم 1954. وكل من: “جميلة بوحريد” 1959، و”الناصر صلاح الدين” 1963 مع المخرج العالمي يوسف شاهين..
بالإضافة إلى التعامل مع العديد من المخرجين المتميزين الذين كانوا يمثلون تلك المرحلة كنيازي مصطفى في “فتوات الحسينية” 1954. وتوفيق صالح في “درب المهابيل” 1955، وحسن رمزي في “الهاربة” 1958. وهي الفترة التي ربما شهدت تناولا مختلفا ونقلة نوعية لكتابة السيناريو المباشر أو المعالج لنص أدبي آخر لنصوص كانت تنتمي إلى حد بعيد إلى الثقافة العربية، أو إلى المجتمع الذي بدا إلى حد كبير طارحا لإشكالياته.
نجيب محفوظ و القصة السينمائية:
تمثل القصة السينمائية محورًا لا يستهان به من الأعمال التي ربطت بين نجيب محفوظ وفن السينما بتوجهاته وآلياته المختلفة أيضا. إلى حد بعيد عن النص الأدبي المكتوب بطاقات إبداعية أكثر عمقا وفكرا. ربما تفوق طاقة القصة المكتوبة خصيصا للسينما أو الدراما بوجه عام. وهو ما بدأه بقصة “بين السماء والأرض” 1959، ومن إخراج رائد الواقعية صلاح أبو سيف. وتدور أهم وأغلب أحداثها في مصعد يحتجز فيه الصاعدون، ونرى فيه جميع شرائح المجتمع بتوجهاتها وتحولاتها وطبقيتها أيضا. وهو مثال على التوازي الصارخ مع المجتمع، ربما مثل نقلة نوعية في إنتاج السينما العربية في ذاك الوقت.
ثم تتنوع تلك القصص لتشمل العديد من القضايا السياسية والفكرية مثل: “ثمن الحرية” 1965 من إخراج نور الدمرداش، ثم “دلال المصرية” 1970 للمخرج حسن الإمام، ثم “الاختيار” 1971 للمخرج يوسف شاهين، ثم “صور ممنوعة” 1972 من إخراج مدكور ثابت، ثم “ذات الوجهين” 1973 و”وكالة البلح” 1982 للمخرج حسام الدين مصطفى، ثم “المذنبون” 1976 للمخرج سعيد مرزوق، ثم “الشريدة” للمخرج أشرف فهمي، “الخادمة” 1984 للمخرج أشرف فهمي، وهو ما يشي باتساع الدائرة لتشمل جل المخرجين الذين مثلوا أجيالا متتالية في حقبتي السبعينات والثمانينيات.
السينما والرواية
تمثل رواية “بداية ونهاية” 1960، أول الغيث في أعمال نجيب محفوظ الروائية التي تعرض على شاشة السينما في معالجة أخرجها صلاح أبوسيف، لتتوالى بعدها روايات: “اللص والكلاب” 1963 للمخرج كمال الشيخ، “زقاق المدق” في أول ظهور لمخرج الروائع حسن الإمام مع روايات نجيب محفوظ 1963، ثم بين القصرين 1964 لتسيطر بعدها الأعمال الروائية لنجيب محفوظ على الأعمال السينمائية المأخوذة عنها لتقارب الثلاثين رواية، إلا أن الظهور الأبرز لتلك الأعمال كان معتمدا بشكل كبير على ملحمة الحرافيش، والثلاثية، وربما كانا هما الأكثر تأثيرا وانتشارا بالرغم من وجود أعمال ناجحة عن روايات أخرى مثل “السمان والخريف” لحسام الدين مصطفى 1968، “ميرامار” 1969 لكمال الشيخ، و”ثرثرة فوق النيل” 1971 لحسين كمال، و”الكرنك” 1975 لعلي بدرخان، كانت تطرح أفكارا وقضايا مغايرة
إلا أن أفلاما عديدة مثلت عن رائعة “الحرافيش” كان أول ظهور لها من خلال فيلم “فتوات بولاق” 1981 لعلي بدرخان. ثم “شهد الملكة” 1985 لحسام الدين مصطفى. و”المطارد” لسمير سيف 1. و”الحرافيش” 1986 لحسام الدين مصطفى مرة أخرى. ثم “الجوع” في نفس العام لعلي بدرخان مرة أخرى. كما و”التوت والنبوت” 1986 لنيازي مصطفى، ثم نهاية بـ “أصدقاء الشيطان” 1988 لأحمد ياسين، وعرض في العام الذي فاز فيه محفوظ بجائزة نوبل للآداب.
فضلا عن بعض الأعمال القصصية. مثل “دنيا الله” 1966 بعنوان “ثلاث قصص” من إخراج إبراهيم الصحن. ثم فيلم “دنيا الله” 1985 لحسن الإمام. ومن قبلها “الشيطان يعظ” 1981 لأشرف فهمي. و”أيوب” 1984 لهاني لاشين، ثم “الحب فوق هضبة الهرم” 1986 من إخراج عاطف الطيب..
أعماله كلها،حقلا خصبا ومادة خام لصناعة السينما
لنجد أيضا هذا التنوع والثراء الفكري مع تغير تقنيات السينما سواء في الإخراج أو عمليات الإعداد لصناعة الفيلم فنيا وأدبيا من جهة وتقنيا وتكنولوجيا من جهة أخرى. فقد تطورت تلك الآليات وأصبح لصناعة السينما توجهات قد تختلف أو تتقارب مع ما سبقها. إلا أن العديد من الوجوه والأفكار الجديدة في مجال الإخراج قد ظهرت ودخلت المضمار، لتكون أعمال نجيب محفوظ كلها، تقريبا، حقلا خصبا ومادة خام لصناعة السينما على مدار جميع مراحل تطورها سواء بالكتابة للسينما مباشرة أو ما تأخذه السينما عن أعماله.
في الحقبة الأكبر التي تمتد من 1963 وحتى 1988. كان التوجه الأكبر في اتجاه الأعمال الأدبية الخالصة. التي تحوَّلت على يد آخرين إلى سيناريوهات وحوارات جديدة قد تختلف عن المضمون الأصلي للنصوص الأدبية وقد تتماس معه في نقاط عديدة. وربما ثارت العديد من الإشكاليات في الدراسات التي قامت على الفارق بين النص الأدبي والمعالجة السينمائية وما تقتطعه وتقدمه، على حساب المضمون الأصلي للمادة الأدبية، وهي إشكالية عامة تواجهها كل النصوص التي تتحول سينمائيا.
إلا أن الرونق الأكثر بريقا ولمعانا كصناعة للسينما ولإنتاج نص سينمائي معد خصيصا أو عن عمل آخر في مسيرة نجيب محفوظ المرتبطة بهذا الفن. كانت قد استأثرت به الحقبة الأولى الممتدة من 1947 إلى 1960. حيث كانت أغلب الأعمال معدة خصيصا للسينما. أو محاولة لتقديم العديد من الأعمال الأدبية لزملاء درب أو المشاركة معهم في كتابة السيناريو والحوار. وهو ربما كان بعيدا إلى حد كبير عن العملية الإبداعية التخييلية الصرفة في الإبداع الروائي والقصصي، الكنز/ الخبيئة الأكثر ثراءً لدى نجيب محفوظ السارد الأعظم في تاريخ السرد العربي..
سينما نجيب محفوظ بحثيا
بعد هذا التطواف والتقصي لمسيرة نجيب محفوظ مع السينما، تجدر الإشارة إلى العديد من الكتب والمراجع البحثية التي أرخت ووثقت، وعالجت فنيا وتاريخيا لتلك العلاقة الممتدة بينهما، وهي التي ربما استفادت منها السينما في كل الحالات سواء كان محفوظ كاتبا فعليا للنص الأصلي، أو هو نفسه كاتب القصة السينمائية أو الحوار والسيناريو لأعمال آخرين، فعلى عاتق هذه الكتب وقعت تلك الإضاءات التفسيرية لنتاج نجيب محفوظ مع السينما وارتباط السينما الوثيق بأعماله محترفا في صناعتها أو مأخوذ عنه.
ولعل من أهمها: “نجيب محفوظ على الشاشة”، لهاشم النحاس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1975 – “نجيب محفوظ والسينما” للناقد سمير فريد عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 1990 – “نجيب محفوظ في السينما” لهاشم النحاس عن المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 1997 – “عالم نجيب محفوظ السينمائي” د. وليد سيف، سلسلة آفاق السينما، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2001 – “نجيب محفوظ في السينما المكسيكية” للدكتور حسن عطية منشورات مكتبة الإسكندرية 2002 – “السينما في عالم نجيب محفوظ، مصطفى بيومي، منشورات مكتبة الإسكندرية، 2002 – “اللص والكلاب في السينما المصرية” مكتبة الإسكندرية، إشراف سمير فريد، 2003 – “السينما في أدب نجيب محفوظ”، د. عبد التواب حماد، سلسلة آفاق السينما، الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة، 2003 – “سينما نجيب محفوظ بين مصر والمكسيك” كتاب تذكاري في مناسبة عيد ميلاده، مكتبة الإسكندرية 2003.
المرجع: ببليوغرافيا نجيب محفوظ، الجزء الثاني، شوقي بدر يوسف، المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، 2011
ميدل إيست أونلاين