نحن لانريد الحرب، فكيف نتخلص منها ؟!

هناك صورتان واضحتان في الأزمة السورية ارتسمتا عبر المسار الشامل لهذه الأزمة، التي بدأت عام 2011 وتستمر حتى الآن. الصورة الأولى تتعلق بمشهدية خروج شرائح واسعة للسوريين إلى الشوارع يطالبون بالتغيير عام 2011، يحاولون بهذا الخروج رفع طموحهاتهم إلى مستوى الأداء السياسي المعارض بالشعارات وبالتظاهر، علما أن هذه المسألة غريبة ( غريبة وجديدة معا) في سورية مع تراجع الحركة السياسية وانهيار البنى الحزبية التقليدية وعدم السماح بظهور بنى حزبية جديدة تحمل مثل هذه الطموحات وتؤسس عليها لبرامج حزبية مشروعة في الحياة العامة أو في مؤسسات المجتمع المدني التي كانت بدورها مؤطرة وضعيفة وشبه ملغاة !

وقبل أن ننتقل إلى الصورة الثانية، تفرض معطيات التغيير، التي ارتدت لباس الربيع العربي، تفرض نفسها على مشهدية الحراك الشعبي السوري في صورته تلك، وهنا كان من حق (الموالاة) أن تسأل : كيف نظمت هذه المجاميع نفسها، وكيف رتبت آليات تغطيتها الإعلامية وهل من جهات خارجية وراءها، بل وهل تحمل في طياتها بعدا سياسيا يتعلق بالضغط على المشروع السياسي للسلطة القائمة؟!

أي أن ماحصل أثار الشك عند هذه الجهة من المجتمع السوري !

أما الصورة الثانية، فتتعلق بمشهدية الحرب نفسها، بمعنى تشكل جبهتين متحاربتين في خندقين متقابلين يقتتلان بمختلف صنوف الأسلحة، إلى الدرجة التي تعجز حروب الدول عن الاستمرار كل هذه الفترة دون أن تفكر جديا بحل يحمل تنازلات ذات معنى.

وهذه الصورة الثانية تتيح للطرفين المتقاتلين أن يسألا : أين هو مكان هواجس التغيير الأولى فيما يجري الآن؟ ثم أين هو الوطن الذي ينتمون إليه، بمعنى الهوية السورية التي أصبحت في مهب الريح؟!

الأجوبة على هذين السؤالين الأخيرين، تعني بداهة القول: إن هناك سوء فهم للأزمة كلها، فإذا كانت التحركات الجماهيرية قادرة على فرض مطالبها، فإن الحرب ليست قادرة على تحقيق تلك المطالب إلاّ عبر توازن القوى على الأرض، وهذا يعني إطالة أمد الحرب، وفي إطالتها تزداد عوامل التدخل الخارجي، ومن ثم تذهب فكرة التوازن على الأرض إلى توزان إقليمي ثم دولي!

يقدر بعض المحللين عدد المسلحين الذين تتشكل منهم الفصائل والمجموعات المسلحة على الأرض السورية بما يزيد عن مائة وخمسين ألف مسلح، وفي المنطق العسكري يحتاج هؤلاء إلى إمداد لوجسيتي يبدأ بالطعام وينتهي بالذخيرة والسلاح ، أي أن المسألة تتعلق باحتياجات جيش، وعندما تقول جيش ستضطر هنا إلى استخدام صيغة الجمع : جيوش، لأن هناك نحو مائتي مجموعة مسلحة صغيرة وكبيرة تشتغل على الأرض السورية ، ومنها من يتجمع ومنها من يتفرق ومنها من لايزال يتشكل!

ولكي لانصل إلى دور العامل الإقليمي أو الدولي ، لأن الحديث عنهما ليس واردا هنا، فإن هؤلاء (المسلحون) يشكلون نسبة كبيرة من البيئة التي يعيشون فيها تبلغ في حدها الأدنى خمسة ملايين يغذون هذه الجيوش بالرجال والفتيان والأطفال لأن العمل الوحيد المتاح تحت أماكن السيطرة هو ((الحرب)) ، فالحرب هي التي تحقق الموارد لهؤلاء السوريين لكي يعيشوا ويأكلوا ويشربوا حتى ولو كان سوية الحياة متدنية جدا؟!

أما البنية الأساسية للدولة ، فما تزال قائمة، حيث أن البنية العسكرية للجيش السوري قائمة، وحاضنتها هي المدن الخاضعة لسيطرة الدولة والتي لاتزال تعيش تحت كنف المؤسسات الرسمية الموجودة. وقد نشأت قوات إضافية من الدفاع الوطني وغيرها تنبئ باتساع دائرة المشتغلين بالحرب لتصل إلى نحو 250 ألف عسكري فما فوق ..

هذا يعني أن السوريين الآن يشتغلون جميعا بالحرب!!

نعم . السوريون يشتغلون بالحرب، وقد اعتادوا عليها، والاعتياد على الحرب لا يدفع عادة إلى تنازلات جدية طالما أن من المستحيل استسلام جهة إلى الجهة الأخرى ، فهل أصبحت الحرب ضرورة ؟

ربما تبدو الحرب ضرورة .. ضرورة حتى للعيش . لكن السوريين في واقع الحال لايريدون هذه الحرب، سقط من السوريين نحو نصف مليون قتيل وأكثر من مليون جريح وغادر نصفهم وطنهم إلى أرض الله الواسعة..

ويعني رفض الحرب أن ثمة قناعات سياسية تتشكل ، أبرز مافي هذه القناعات أن الحرب تستجر الإرهاب والإرهاب لايمكن أن يأتي بالبلاد إلى بر الأمان ، وأن العوامل الخارجية سوف لن تبقي أي إرادة للسوريين..

تنظر وجوه السوريين بعضها ببعض : هناك رسالة واضحة : نحن لانريد الحرب .. لانريدها أبدا ، فكيف نتخلص منها ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى