نحن والعالم… (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

1

… تخرج الجثث من القبور. تريد أن تشكّل طبقتها السياسية الجديدة. الطبقة القديمة لم تعد صالحة للاستخدام السياسي. لكن الطبقات الجديدة تتبادل تعاويذ الجثث التي تسد الممرات أمام الأحياء الذين خرجوا من دون تنظيم ولا "حرب استيلاء على السلطة". خرجوا بهذه القوة المبعثرة لتدخل جولات في حرب الجثث… جعلت "الداخل" جحيماً ينظر للخارج تلك النظرة المزدوجة بين الإنقاذ والخطر.
وكما أن العلاقة بين الداخل والخارج لم تعد في سيرها الخطي، فإن خطابات حرب الجثث تستخدم البلاغة القديمة في الإيحاء بأن اللعبة هي اللعبة نفسها وكأن زيارة السيسي لروسيا مثلاً ضربة في وجه أميركا، لا توسيع للعب في الملعب ذاته فلم تعد روسيا شرقاً وأميركا غرباً، كما لا يمكن تجاوز الخطوط المتشابكة لتوازنات العالم والإقليم على إيقاع الماضي الذي يتشكّل فيه عالم جديد.
الخارج ليس مرتباً وهو يستقبل العالم الجديد المتوقع، لأن التشكل يتم بعيداً عن مراكز صراعاته، أي أن العالم يتشكّل ليس بتغيّر أقطابه ولكن بالحركة في الأطراف، بمعنى أنه لن يتم التغيير بسقوط إمبراطوريات بعد حروب ساخنة (مثل الحرب الثانية) أو باردة (كالتي انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي).. التغيير الآن تفرضه الأطراف البعيدة… وهذا ما يصعّب الأمر على الجميع.

2

… ذلك الخارج العجيب يحرّك ألواح القوى التي وصلت إلى حالتها الصفرية ويتلقى اللعنات… والشيطنة. هكذا في أسبوع واحد كان يمكن أن نرى الحكومة تتشكّل في بيروت بقوى دافعة دولية وإقليمية. كما يتحرّك الرجل الأقوى في مصر باتجاه روسيا مصحوباً بأساطير ستينيات باندونغ وكتلة عدم الانحياز، وتنويع مصادر السلاح… وهي الكتالوج الوحيد الذي يمكن استعارة بلاغته الفيّاضة من الماضي إلى الحاضر من دون مصفاة تحلّل الاختلافات بين لحظتين إحداهما ماتت والأخرى لم تولد بعد.
الحركة تجاه الخارج من السيسي كانت تقريباً أول خروج من مشهد تتصارع فيه ديناصورات لا ترى بعضها، وكل منها يستدعي الماضي، ووابلاً من اتهامات بالخيانة والعمالة وإغراق برطانات عن الوقوف أمام الغرب أو الحرب دفاعاً عن الله… ولأنها مجرّد رطانات أوصلت الصراع إلى روتين يستنزف العواطف بلا فعالية تجاه المستقبل.
وكما أن تشكيل الحكومة في لبنان كان غالباً نتيجة دفع القوى الإقليمية والدولية كسرت الجمود الذي وصل إليه تدافع ألواح القوى السياسية فإن التوجه إلى روسيا إعلان باتساع مساحة تأثير الخارج على الصراع في مصر.
ولهذا فإن الرسالة التي وصلت أسرع من الجميع كانت تفجير الأوتوبيس في طابا. الإرهاب لا يعلن فقط أن السياحة ماتت ولكن أن الموضوع أصبح أكبر من صراع على السلطة… وأكبر من أن تتحكّم فيه المؤامرات أو حتى الثورات.

3

العالم يتغيّر من هنا تقريباً…
والسلطة التي كانت تتحكّم في كل شيء سواء في مركز القوى العظمى أو في الحاكم المندوب عنها في بلده أصبح من الصعب استخدامها هكذا مثلاً فأوباما في سوريا لم يكن مثل بوش في العراق، والسيسي وقبله مرسي في مصر ورغم أن السلطة بأيديهما إلا أنهما ليسا مبارك… ولا سلطتهما الرسمية أو الفعلية بالجبروت نفسه. فالجلوس على المقعد الكبير يمكن أن يكون سهلاً لكنه سيكون أضعف الحلقات وسيضطر إلى استخدام القوة المفرطة، أو ينزع إلى فاشية لن يقدر عليها لأنها تستدعي قوة هشّة يمكنها تعطيل السلطة أو تحويلها إلى "شبح قاتل".
ولأنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق بين "أشباح" أو حسم الحرب بين الجثث فإن الجديد الملحوظ هو استيعاب الخارج لضرورة تحريك الجثث لا إدارتها… لكن كيف سيوثر هذا الاختلاف الطفيف على معادلة الحركة كلها..؟
سنرى!

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى