تحليلات سياسيةسلايد

نعم.. هيستيريا حرب أوكرانيا تبلغ ذروتها..

إذا كان “المُستشرق” برنارد لويس هو من وضع خطط الحُروب، والتدخّل العسكري الأمريكي في الشّرق الأوسط وأفغانستان والعِراق وسورية تحديدًا، مُستعينًا بأبناء جلدته في الإدارة الأمريكيّة، أمثال ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز، فإن “تلميذه” وابن جلدته أيضًا، هنري كيسنجر، مُستشار الأمن القومي ووزير الخارجيّة الأمريكيّة الأسبق، هو الذي وضع خريطة الطريق الأمريكيّة الجديدة لمُواجهة روسيا، وإشعال فتيل الحرب في وسط أوروبا عبر البوّابة الأوكرانيّة، وإسقاط فلاديمير بوتين عبر حربٍ مُباشرة أو حِصار اقتصادي تجويعي خانِق على غِرار ما حدث لعِراق صدام حسين.

نشرح أكثر ونقول، ان العالم بأسرة يحبس أنفاسه هذه الأيام من جراء “هيستيريا” الحرب التي يصعّد اوارها الرئيس جو بايدن وطاقمه، ويصبون الزيت على جمرها، من خلال تحشيد الجيوش والاساطيل، والغواصات النووية في الجوار البحري والبري الروسي، وشن حملات دعائية من خلال آلة إعلامية جبارة، تتهم الرئيس بوتين بإتخاذ القرار لغزو أوكرانيا وتقسيمها.

هل سمعتم، او قرأتم عن أي سابقة في التاريخ يحدد فيها الطرف المدافع، ساعة الصفر (الحرب) لعدوه مسبقا؟ هذا يحدث الآن ويا للمفارقة، ونراه في اعيننا في الحرب الأوكرانية الوشيكة جدا حسب الضخ الإعلامي الأمريكي الذي نتابعه ليل نهار.

***

لنخرج من التعميم الى التخصيص، ونقول استنادا الى الوقائع وتصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تقول بأن غزو روسيا لاوكرانيا سيبدأ بغارات جوية روسية على شرق البلاد، يليها اجتياح ارضي بالدبابات والمدرعات لمواجهة أي هجوم للمتطرفين اليمنيين الاوكرانيين المدعومين أمريكيا على إقليم بونباس المتمرد في الشرق، حيث تتمركز الأقلية الروسية.

بايدن يقول ان سيناريو هذا الاجتياح الروسي سيبدأ يوم السادس عشر من شهر شباط (فبراير) الحالي، بينما يقول مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان ان هذه الحرب باتت شبه مؤكدة، وان رصاصتها الروسية الأولى قبل العشرين من الشهر الحالي، فهل حضر الاثنان اجتماع هيئة اركان الجيوش الروسية التي تقرر موعد الحروب؟

أمريكا، ومعظم الحكومات الأوروبية طلبت من رعاياها مغادرة أوكرانيا فورا دون تردد، واخلت دبلوماسييها من العاصمة كييف، بناء على المعلومات التي يروجون لها، ويؤكدون انه لن يوجد وقت لإقامة جسور جوية لإجلاء هؤلاء على غرار ما حدث في أفغانستان.

روسيا على وعي بهذا السيناريو الأمريكي “المرعب” وتؤكد ليل نهار عبر وسائل اعلامها الضعيفة التأثير انها لا تريد الحرب، وكل ما تريده هو قبول أمريكا وحلفائها بمطالبها الأمنية المحصورة في مطلبين اساسيين: الأول عدم توسيع حلف الناتو بضم دول الجوار الروسي كانت عضوا في حلف وارسو “المرحوم” وعلى رأسها أوكرانيا، والثاني: عدم نصب منظومات صواريخ استراتيجية نووية في هذه الدول (بولندا، رومانيا، بلغاريا، أوكرانيا) تهدد الامن القومي الروسي، ولكن جميع هذه المطالب لم تحظ بالقبول رغم الجهود الدبلوماسية الكبيرة، والزيارات المكثفة للقادة الأوروبيين لموسكو، وآخرهم الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي استغرق اجتماعه مع نظيره بوتين قبل يومين ست ساعات، واليوم مكالمة هاتفية بينهما لمدة 40 دقيقة دون أي نتيجة.

أمريكا بايدن تريد توريط “روسيا بوتين” في أوكرانيا، مثلما ورطت إدارة بوش “عراق صدام” في الكويت، وبما يؤدي الى اغراقها في عقوبات وحصارات اقتصادية خانقة، وحرب استنزاف عسكرية تؤدي الى انهيارها، وهزيمتها، في تكرار للنموذجين الافغاني والعراقي.

إدارة الرئيس بايدن التي تواجه انقساما أوروبيا تجاه هذا السيناريو تتزعمه المانيا وبدرجة اقل فرنسا، لا تستطيع فرض عقوبات صارمة على روسيا بدعم أوروبي دون اشعال فتيل هذه الحرب، وبدأت فعلا الاستعداد لها (أي أمريكا) بتدريب “مجاهدين” اوكرانيين متطرفين على غرار ما حدث في أفغانستان والعراق وسورية لمقاومة أي غزو روسي.

***

فولوديمير زيلينسكي فاق من “سكرته” اليوم السبت فيما يبدو، وادرك الورطة او المصير التي أوقع فيها نفسه وبلاده، نستشف ذلك من تصريحه الذي نقلته وكالات الانباء العالمية ومن ضمنها “رويترز”، وقال فيه “التحذيرات المتصاعدة من غزو روسي وشيك لاوكرانيا تثير الهلع، ولا تساعدنا، ونطالب هؤلاء الذين يطلقونها بأن يقدموا لنا دليلا قاطعا يؤكد غزو روسي وشيك لبلادنا”.

المؤرخ البريطاني الشهير A. J. P Taylor قال ان الحرب العالمية الأولى أصبحت حتمية بعد اتخاذ برلين القرار بتكثيف الحشود العسكرية، وبات البحث بعدها عن إيجاد “المفجر” او الذريعة، وجاءت هذه الذريعة “المفبركة” بإغتيال ولي عهد النمسا، ترى ما هي الذريعة التي تطبخها إدارة بايدن مع حلفائها في الغرف السوداء برعاية وتحريض هنري كيسنجر وتلامذته؟

بوتين ليس صدام حسين، وروسيا ليست العراق، ولقاء القمة بين بوتين ونظيره الصيني الجديد شي جين بينغ وضع أسس تحالف جديد عماده صواريخ نووية اسرع من الصوت تسع مرات، ان لم يكن اكثر، قادرة على الوصول الى الشرق الأمريكي في غضون سبع دقائق على الأكثر.

نظريات كيسنجر “الهَرِم”  لرئيسه جو بايدن “الهَرِم” أيضا، باتت قديمة، وعفا عليها الزمن، وانتهى عمرها الافتراضي، وانهيار الزعامة الامريكية للعالم بدأ سواء بحرب في أوكرانيا او بدونها.. والايام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى