نوافذ للحوار| إبراهيم عبدالمجيد: الموهبة الحقيقية قد تقتل الكاتب (سلوى عبدالحليم)

 

سلوى عبدالحليم

يتمنى الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد (1946) أن يرى اليوم الذي تُلغى فيه وزارة الثقافة في مصر وتتحول إلى وزارة دولة «تدعم المجتمع الثقافي الأهلي».
يرفض صاحب ثلاثية «لا أحد ينام في الإسكندرية»، «طيور العنبر»، «الإسكندرية في غيمة»، والذي صدر له أخيراً عملان هما رواية «هنا القاهرة»، وكتاب «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع»، الحديث عن دور للكتابة، ويقول: «الكاتب يكتب لأنه خُلق كاتباً، وحتى يُشبع رغبته أولاً وأخيراً»، واصفاً فترة حُكم الإخوان بأنها «لحظة تاريخية اتسمت بالغفلة الشديدة». هنا حوار معه:

> لماذا ترفض مادة حرية الإبداع الواردة في دستور مصر الجديد؟

– هذا الدستور وضعته لجنة محترمة، ومجمل ما يجب تطويره من مواد لا يزيد على مادتين أو ثلاث مواد، بعكس دستور الإخوان المعيب في معظمه أو نصفه على أقل تقدير، المادة 67 عظيمة في مجملها، واختلافي معها لا يعني الإساءة لمجهود من وضعوها، فالعبارات الواردة في أولها وفي آخرها عظيمة، لكن في أوسطها توجد عبارة واحدة حولها اختلاف وكنت أتمنى ألا تكون هناك قضايا تُرفع ضد الكتاب والمبدعين إلا تلك التي يتضمنها القانون العادي، وأن تنص المادة صراحة على أنه لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، وأن من يختلف معها يرد عليها بعمل فني، أو أدبي، أو فكري، أو بالنقد المكفولة حريته، ويكفينا تلك الأيام السوداء التي عشناها بسبب قضايا الحسبة التي رُفعت ضد كتاب كثر مثل نصر حامد أبو زيد وغيره.

> تدور أحداث روايتك «في كل أسبوع يوم جمعة» في العالم الافتراضي، كيف تتعاطى مع فكرة استشراف الأدب للمستقبل؟

– استشراف المستقبل يخلو من تفاصيل. شكل التغيير، وطبيعته، وكيف سيتم، كلها أمور لا علاقة لها بالفن؛ لأنها ترتبط بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والقهر والاستبداد، فيوم الجمعة هو يوم المصائر والنهايات، لكن هل يعني هذا أنني عندما كتبت الرواية توقعت الثورة؟ كل ما هنالك أن الكاتب يتجاوز الوقت، فهو غضبان، وغير متوافق مع المجتمع، ودائماً يريد الأحسن.

> هناك أدباء زعموا أنهم قدموا أعمالاً توقعوا فيها الثورة، إلى أي درجة يمكن أن يساهم الأدب في قيام ثورة؟

– تأثير الأدب يحتاج إلى وقت طويل. وعموماً أنا لا أعتقد في صحة ما يذهب إليه بعضهم من أن رواية ما كانت سبباً في قيام ثورة، أو أنها تنبأت بسيناريو الثورة. الأدب مهما كانت قيمته لا يمكنه أن يصنع ثورة، لكن يمكنه أن يصنع ناساً أسوياء، فالثورات تأتي نتاج متغيرات اقتصادية واجتماعية، وهذه المتغيرات يتم التعبير عنها من خلال الكتابة المباشرة، سواء كانت مقالات أو دراسات أو أبحاثاً.

> كيف ترى ما جرى في مصر في 30 حزيران (يونيو) 2012؟

– هو من حلقات ثورة 25 يناير التي نجحت في خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، والذي كان أشبه بإزاحة غطاء كبير تتمركز أسفله قوتان؛ الأولى تطلق على نفسها إسلامية، وهي في حقيقة الأمر جماعة إرهابية، والثانية قوة النظام القديم، وإلى جانب هاتين القوتين تقف قوة الثورة.

> وهل ما زالت قوة الثورة موجودة ومؤثرة؟

– نعم، ما زالت موجودة، وما زالت فاعلة ومؤثرة في الشارع.

> كيف تصف اللحظة التي تولى فيها «الإخوان» حكم مصر؟

– هي لحظة تاريخية اتسمت بالغفلة الشديدة. المصريون الذين صوَّتوا لمصلحة مرشح الإخوان، محمد مرسي، بعضهم كان مخدوعاً في الجماعة، وبعضهم الآخر فعل ذلك ليمنع وصول ممثل نظام حسني مبارك إلى الحكم. فترة حكم الإخوان كانت بمثابة اختبار لهذه الجماعة، ونتيجة هذه الاختبار أدركها المصريون مبكراً، كما أدركوا حجم الخطأ الفادح الذي وقعوا فيه، وفي 30 يونيو خرجوا لتصحيح الخطأ.

> السياسة حاضرة في غالبية كتاباتك الأدبية، رغم ما يراه بعضهم أنها مفسدة للأدب؟

– أنا من المؤمنين بأن السياسة مفسدة للأدب. في بداية مشواري انتميت إلى أحزاب يسارية، لكني هجرتها لاحقاً، بعد أن وجدت أن ما أكتبه قد يحمل أيديولوجيا ما. كل الأعمال تتماس مع السياسة في شكل أو آخر، وأنا لست ضد تعبير الأدب عن قضايا اجتماعية، أو سياسية، المهم ألا تكون فجة وصريحة من خلال شعارات، أو وجهات نظر مسبقة، وإنما باعتبارها حالة من حالات الوجود، وإن كنت أرى أن الأفضل للأدب الابتعاد عن السياسة.

> روايتك «في الصيف السابع والستين» كانت أشبه بصرخة غضب لجيل السبعينات، هل ترى سمة قواسم مشتركة بين جيلكم وجيل ثورة يناير؟

– لا أرى معنى لتقسيم الكُتَّاب وفق العمر. الإبداع تيارات ومذاهب، لكن حتى الآن لم أعثر على كتاب يدرِّس الأدب العربي الحديث وفقاً لذلك، بخاصة في مصر. بعد هزيمة 67 ظهر جيل أُطلق عليه جيل الستينات، وهو ممتد إلى أوائل القرن الحالي، لأن الكُتَّاب الجيدين الذين ظهروا كانوا ضد الموضوعات الاجتماعية، واهتمامهم الأكبر ينصب على الهامش، إضافة إلى محاولات التجديد في اللغة والشكل. عشنا حلم الوحدة العربية والاشتراكية، ثم كانت الهزيمة المرعبة، وعلى رغم ذلك لم نكن محبطين حتى ونحن داخل السجون، إن كانت هناك قواسم مشتركة فهي الكفاح والسعي من أجل تحقيق حلم، لكن وعلى جانب آخر هناك فوارق جوهرية، فنحن لم نكن نملك الإمكانات المتاحة لهذا الجيل من وسائل اتصال حديثة وفضاء افتراضي وغيرها، كنا في الأحزاب السرية مثلاً إذا عقدنا اجتماعاً نكتشف وجود أفراد من جهاز أمن الدولة بين الحاضرين. ما من شك في أن الميديا لعبت دوراً رئيسياً في كفاح هذا الجيل، والحداثة وما بعد الحداثة أضافت الكثير.

> روايتك «شهد القلعة» تجربة كتابة تتسم بخصوصية، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، أين تضعها ضمن مسيرتك الإبداعية؟

– هناك مشروعات يرتب لها الكاتب، وأخرى تظهر فجأة، كنت مسافراً إلى عمّان، لحضور عرض فني في قلعة تاريخية، وهناك جاءتني فكرة «شهد القلعة». رواية ذات طابع صوفي، تكشف عن جوانب كثيرة، بعضها فلسفي، وبعضها له علاقة بالعمر والمكان. هناك أعمال يفرضها التطور العمري، والتطور الفكري والروحي للكاتب. رواية «لوليتا» لفلاديمير نابوكوف مثلاً يصعب على كاتب شاب أن يكتبها.

> هل تعتقد في وجود دور للكتابة؟ ومتى يتوقف المبدع عن ممارستها؟

– الحديث عن دور للكتابة حديث لا يروق لي، فالكاتب يكتب لأنه خُلق كاتباً، وإن لم يكتب ربما يسير في الشارع كالمجنون. الكاتب الموهوب يكتب حتى يشبع رغبته في الكتابة أولاً وأخيراً، وهو لا يستطيع التوقف عن ذلك. الموهبة الحقيقية قد تقتل الكاتب عندما تحول بينه وبين التوافق مع الواقع.

> ما يحدث في مصر الآن هل يمكن وصفه بأنه احتراب طائفي؟

– المصريون هم من عزلوا الإخوان وليس الجيش كما يزعم بعضهم، الدور الذي قام به الجيش اقتصر على إنقاذ الدم فقط، مصر منذ بداية التاريخ بنية واحدة ونسيج واحد، هذا النسيج وعبر تاريخه الطويل لم يعرف الطائفية إلا عندما وصل الإخوان إلى سدة الحكم وجعلوا من أنفسهم طائفة وتعاموا عن الآخرين، لكنهم لم يفلحوا في ما أرادوا. ما يحدث في مصر الآن هو إرهاب سياسي وليس حرباً أهلية.

> شاركت في اعتصام المثقفين ضد وزير الثقافة السابق، كيف تقيِّم أداء الوزارة الحالية؟

– شاركتُ في الاعتصام خشية أن تتم أخونة الوزارة بعد أن تولى أمرها وزير إخواني. علاقتي بوزارة الثقافة حالياً مقطوعة تماماً، لا أعرف عنها شيئاً، ولست حريصاً على متابعة ما تفعله، بل أتمنى أن يأتي اليوم الذي تُلغى فيه وتتحول إلى وزارة دولة تدعم العمل الثقافي الأهلي، كما يحدث في النظم الرأسمالية الحقيقية، حيث لا يوجد توجه ثقافي معين للدولة.

> عملت فترة كمدير لإحدى الإدارات العامة للثقافة الجماهيرية في مصر، كيف ترى واقع هذا الجهاز؟

– لدينا بيوت وقصور للثقافة في مصر عددها بالمئات، خلال العشرين سنة الأخيرة نجحت الأجهزة الأمنية في تخربيها تماماً، من خلال فرض القيود على أنشطتها، فلماذا لا يتم منح هذه الأبنية إلى الجمعيات الأهلية لإدارتها بحق انتفاع وليس بنظام التمليك؟ المؤسسة الثقافية في فترة حكم مبارك رغم فسادها، قدمت عدداً غير قليل من المشروعات الثقافية الجيدة، من بينها مكتبة الأسرة، ومشروع الألف كتاب. مشكلة الدولة المصرية أنها تعلن أنها دولة المشروع الخاص، والنظام يعاني تناقضاً رهيباً. يرفع شعارات الرأسمالية، وفي الوقت نفسه يريد الإمساك بزمام الأمور كافة، والتحكم في كل شيء، فشلنا في تطبيق الرأسمالية، كما فشلنا من قبل في تطبيق الاشتراكية.

> الإسكندرية أو المدينة العالمية كما تطلق عليها أين هي من واقع ثقافي يتمركز في القاهرة؟

– الإسكندرية كانت عاصمة العالم طوال سبعة قرون، مشكلة النظام الشمولي أنه يجعل من العاصمة مركز كل شيء، منذ مطلع العشرينات والإسكندرية كانت منبع الفن التشكيلي، فيها ظهرت الصحافة والسينما قبل القاهرة، لكن بعد وجود وزارة للثقافة في دولة شمولية وتمركزها في العاصمة أصبح فنانو القاهرة وكتابها ومثقفوها هم الأشهر والأبرز، وأُهملت المدن الأخرى.

> تخوض تجربة في مجال النشر الخاص، كيف ترى واقع النشر على المستوى العربي؟

– النشر الخاص أكثر جرأة قياساً بنظيره الحكومي أو التابع للدولة، اللافت أنه على رغم عدم وجود رقابة رسمية منذ عام 1978 لكن المسؤول أو رئيس التحرير في نهاية الأمر مجرد موظف يريد إخراج كتب لا تتسبب له في حدوث مشاكل. حركة النشر عموماً نشيطة جداً، عكس حركة تداول الكتب بين البلدان العربية، بسبب الرقابة.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى