نوافذ للحوار| البرادعي: كلمة فلول من الماضي ولا بد من احتضان من لم يرتكبوا جرائم … التقيت مرسي في القصر وصارحته وشعرت بغياب الصدقية ويئست منه (3)

 

حاوره غسان شربل

قال الدكتور محمد البرادعي انه شعر بانه ادى دوره حين سمع بيان تنحي الرئيس حسني مبارك. ورأى ان موضوع التوريث كان من المواضيع التي فاقمت غضب الناس ودفعتهم الى المطالبة باسقاط النظام. ودعا الى احتضان ملايين المصريين الذين كانوا اعضاء في الحزب الوطني في عهد مبارك مع محاكمة من ارتكبوا جرائم معتبرا ان كلمة «فلول» صارت من الماضي.
وذكر البرادعي انه التقى الرئيس محمد مرسي على مدى ساعة و «تحدثت اليه بصراحة ويئست منه» معتبراً ان استدراج المعارضة الى الحوار بهدف التقاط صورة معها يعتبر نوعاً من الخديعة. وكشف ان اللواء عمر سليمان كان يفكر في تعيينه رئيساً للوزراء في حال فوزه في انتخابات الرئاسة. وتحدث المنسق العام لـ «جبهة الانقاذ» المعارضة عن مشاعره في ميدان التحرير وايام الثورة.
وهنا نص الحلقة الثالثة:

> في رأيك، أبرز خطأ ارتكبه مبارك هو ملف التوريث أم تزوير الانتخابات الأخيرة؟

– أعتقد بأن أكثر شيء أغضب الناس هو ملف التوريث الذي حوّل مصر إلى ملكية، ولم يكتف انه استمر في الحكم 30 عاماً، لكن اراد توريث نجله الذي لم يكن محبوباً كذلك. ملف التوريث هو أكثر ما أغضب الناس.

> عمرو موسى قال لي إنه سمع حسني مبارك يردد حين علم بتولي بشار الأسد السلطة، إن ما يصح في سورية لا يصح في مصر…

– لا أعلم، هل كان فعلاً يتجه الى التوريث. تصوري أن جمال مبارك ووالدته كانا وراء التوريث الذي اعتبره الشرارة.

> اعود إلى كانون الثاني (يناير)، متى نزلت الى ميدان التحرير؟

– في 28 كانون الثاني، يوم «جمعة الغضب»، وفي ميدان الجيزة وجهت إلي خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، اعتقد بأن ذلك كان لتخويف المتظاهرين، فإذا ضُرِب شخص في سنّي ومركزي، ماذا عن باقي المتظاهرين؟ لم يدركوا أنه في هذا اليوم كان حاجز الخوف كُسِر إلى غير رجعة. اليوم عندنا 90 مليوناً يقولون نحن أحرار ولكن لا يعرفون ماذا يفعلون بحريتهم. إنما في ميدان التحرير حين تنظر في عيون الشباب تجد الثقة بالنفس والفرحة، مثل تحرير العبيد، حتى ولو أنه فقير لا يجد قوت يومه، فهو أصبح حراً، وهذا لن يستطيع أحد سلبه حريته مجدداً، لا «الإخوان» ولا المجلس العسكري. لذلك تجد الغضبة ضد «الإخوان»، فحين تحاول أن تقمعني لا يمكن أن أعود إلى البوتقة التي وضعتَني فيها. إنما السؤال كيف أنظم هذه العملية، فهذه الحرية تقابلها مسؤولية كذلك وللديموقراطية معاني العمل الجماعي وإنكار الذات، كل ذلك سيأخذ وقتاً، لكن ما أريده هو أن نضع أنفسنا على الطريق السليم. وهنا الخطأ الأساسي، فلن نجد الخلاص إلا بوضع دستور يشمل الجميع ويعيش تحت مظلته الجميع، دستور جامع شامل يطمئن القبطي والبهائي والمسلم والشيعي. الأمر الآخر هو المصالحة الوطنية، لا بد من أن نتصالح مع ما يطلق عليه النظام السابق باستثناء من ارتكب جرائم، وحان الوقت كي ننظر إلى أمام، وقواعد الحزب الوطني التي بلغت 3 ملايين شخص لا أظل أقصيها الى الأبد.

> ألا تستخدم كلمة «فلول»؟

– «فلول» باتت من الماضي، كلمة كانت تعني أتباع نظام قديم عزِلت قياداته في الدستور الجديد، ولكن كان هناك 3 ملايين عضو في الحزب. والحزب الحاكم في الدول العربية كما تعرف، ينضم إليه الناس كي ينالوا بطاقة عضوية تسهّل لهم مثلاً الحصول على سماد أو وظيفة، أي انه ليس هناك أيديولوجيا ولا انتماء سياسي… لا بد من أن نحتضن هؤلاء ونتقدم سوياً، لا أستطيع القول هذا نظام قديم وهذا جديد، هذا شيعي وهذا سنّي، هذا مشروع إسلامي وهذا مسيحي. البلد يتفكك بهذه الطريقة، أكثر شيء يخيفني هو غياب المؤسسات وغياب التماسك الاجتماعي.

> أتدعو إلى احتواء من كانوا أنصار مبارك، ومحاكمة من ارتكبوا جرائم؟

– طبعاً، محاكمة من ارتكبوا جرائم والباقون أحتويهم وأنظر الى المستقبل. ذهبت الى جنوب أفريقيا، ورأيت نظام الفصل العنصري، وكيف قال رئيس الوزراء إن السود برابرة، رداً على سؤال هل يتصور إمكان مشاركتهم في الديموقراطية. رأيت كيف أن المطاعم تفرّق بين السود والبيض، وكان دمي يغلي بسبب نظام الفصل العنصري. والتقيت الرئيس زوما بعدها، وقلت له ما فعلتموه عظيم، أن يكون لديكم هذا النوع من التسامح النفسي. أن يمدوا أيديهم لـ 4 ملايين عاملوهم كعبيد وأسوأ. صحيح أنه ما زال هناك انعدام ثقة، لكنهم يعيشون سوياً، واعتمدوا على الملايين الأربعة لأنهم هم المتعلّمون، مانديلا ترك وزير المال أيام حكم التمييز العنصري لمدة 10 سنين أخرى في الوزارة لأنه كان مصدر ثقة لدى المؤسسات والغرب. كان هناك عقل وتسامح.

> بين 28 كانون الثاني و11 شباط (فبراير)، هل تريد أن تقول شيئاً؟

– كان الشباب يأتون إلي، كان دوري الاتصال بالإعلام الخارجي والتواصل معهم في ميدان التحرير. منهم 9 أتوا إلى منزلي في 5 شباط 2011، وهم أطباء ومهندسون. كانوا مساكين يأتون من الميدان للتشاور حول التحرك المستقبلي وكيف نتصرف في شأن المحادثات مع عمر سليمان. أحضرت لهم زوجتي عايدة كباب وأخذوه معهم، وغادروا بسيارتين، ووقفوا في شارع قريب ليأكلوا فاعتقلوا، وظلوا في سيارة الشرطة 18 ساعة معصوبي العيون ومكتوفي الأيدي. يومها قال أحمد شفيق وكان رئيساً للوزراء، إنه لا يوجد أي معتقل باستثناء «بعض الذين كانوا في منزل شخص يسبب مصدر قلق لنا وتتعقبه أجهزة الأمن». لذلك، حين ترشح شفيق لرئاسة الجمهورية قلت يجب أن يكون هناك نوع من الحياء، وهو رد عليّ، أنا لا أنسى ذلك، وسرت إشاعة في ذلك الوقت بأنني كنت قيد الإقامة الجبرية. كان ذلك جزءاً من عملية التشويش والتخويف، وتلقيت اتصالات من الخارج، من رؤساء دول وناس أعرفهم للاطمئنان عليّ. حتى يوم 11 فبراير، حين سمعت عمر سليمان عبر التلفزيون يقول إن مبارك تنحّى والله الموفق والمستعان، شعرت بأنني إنسان أدى مهمته في الحياة. حين حصلت على جائزة نوبل كانت مفاجأة وفرحة، لكنها على المستوى الشخصي، هذه المرة كانت الفرحة عامة، على مستوى وطن عشت فيه ورأيت كيف أن الإنسان فيه أخذ أقل بكثير مما يستحقه كإنسان.
بعد ذلك، هناك من قال إنه كان عليّ أن انزل إلى الميدان كي أعلن نفسي رئيساً للثورة. هذا لم يكن من طبيعتي ولا هدفي، كان هدفي أن تندلع الثورة لا أن أصبح رئيساً للجمهورية، هناك من كتب وقال كنا نود أن نرى غيفارا أو غاندي، هذا صحيح، وأنا لست غيفارا ولا غاندي. كان هدفي أن أرى التغيير.

> 25 يناير 2011، من الأيام المهمة في حياتك. كيف يكون شعور شخص مثلك عاش طويلاً في الخارج، ولديه قناعات ديموقراطية ولا يتحدث باللغة الشعبوية الحماسية العصبية، حين ينزل وسط الجماهير في ميدان التحرير؟

– كان شعوراً جميلاً، وعند نزولي إلى الشارع كنت أجد حولي ثلاثمئة إلى أربعمئة شاب يضطلعون بحمايتي. كنت أشعر بأن هذا الشباب هو المستقبل، لكنني غير معتاد على التواجد وسط الحشود، لذلك أتعرض لكثير من الانتقادات، لأنني لا أنزل إلى الميادين. أرى أن هذا ليس دوري، أنا أتولّى دور التخطيط والتعامل مع الجانبين السياسي والإعلامي، وليس دوري أن أكون كل أسبوع داخل الميدان وأردد الهتافات. كنت أنزل قبل الثورة وفي 2010، ويُحسَب للنظام السابق أنه تركنا ننزل إلى الشارع، فنزلت إلى المنصورة (دلتا النيل) والفيوم (جنوب القاهرة)، وشاركت في إحياء الذكرى الأولى لمقتل الشاب الإسكندراني خالد سعيد (شهيد الطوارئ)، وكانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها الأمن المركزي. كنا سنزور والدته وأخته، ونساهم في وقفة صامتة، ولكن فوجئنا بوجود حوالى عشرة آلاف جندي، كما لو كنا سندخل حرباً، وهذا ما أكد لي أن نظام مبارك تحول إلى نظام أمني. منذ هذا الوقت بدأ كسر «حاجز الخوف»، وكنت أرى أن النظام يتهاوى، أما «الإخوان» فبعدما كانوا يعملون معنا، ويرون أنني وما أمثله نشكل بديلاً مختلفاً، انقسموا بعد الثورة وتجنّبوني ومن يعمل معي. وللأسف الشباب والنخب السياسية التي كانت تعيش ثقافة مبارك انقسموا. خلافات وانقسامات لا تحديد رؤية للمصلحة الوطنية، ما أدى إلى أن يكسب «الإخوان المسلمون» الذين يعتمدون على السمع والطاعة والتنظيم، والذين تواصلوا مع الجميع بدءاً من عمر سليمان والمجلس العسكري واستعملوا كل أدوات الضغط والإرهاب لكي يصلوا إلى تعديلات دستورية تناسبهم وانتخابات مبكرة. حصلوا على غالبية في البرلمان، بالتالي شكلوا الجمعية التأسيسية ووضعوا دستوراً مشوّهاً. اعتمدوا في كل الاستحقاقات على حمل الراية الخضراء للشريعة الإسلامية، مع شعب جزء كبير منه غير مثقف. الشعب كان يريد شيئاً آخر غير النخبة الحاكمة في عهد مبارك، وكان «الإخوان» يقدمون له حلم تطبيق الشريعة. طوال سنوات كانوا يقدمون مساعدات إنسانية داخل المساجد، خدمات طبية مثلاً، وكانوا قريبين من الفقراء، ومن الطبيعي بالتالي أن يحصلوا على هذه الغالبية في وقت لم تكن الأحزاب نظمت صفوفها.

> هل هناك محاولة لـ «أخونة» المؤسسات المصرية؟

– الأمر الذي يثير الضحك، أن (أحمد) شفيق عندما ترشح للرئاسة، أعلن أنه يود أن أكون مستشاراً للدولة بدرجة رئيس وزراء، فرفضت، لأن الخلاف ليس خلافاً شخصياً. وعمر سليمان يوم إعلانه الترشح للرئاسة هاتفني مدير مكتبه ونقل إليّ رغبة سليمان في لقائي. فوجئت وقلت له إنني أغادر القاهرة لأيام عدة، وعندما عدت كان استبعِد من قوائم المرشحين.

> عملياً، شفيق طلب رئاستك للوزراء؟

– نعم وأعلن هذا عبر التلفاز، بعدها طلب مقابلتي لكنني رفضت، ليس بسبب شخصه وإنما لما يمثله باعتباره جزءاً من النظام القديم.

> لم ترَ شفيق ولم ترَ عمر سليمان؟

– لم أرَ عمر سليمان بعد الثورة. رأيته في عهد مبارك، لكن مدير مكتبه ووسطاء نقلوا إليّ رغبته في أن أكون رئيساً للوزراء، في حال انتخِب رئيساً.

> ألم يعرض عليك مرسي أي منصب؟

– لم يعرض أي شيء، وما نُشِر في كل الصحف قبل انتخابه، أنه إذا انتُخِب فسيقوم بتعييني رئيساً للوزراء، وهذا لم يحدث، ولم أتلقَ أي اتصال من أي شخص من «الإخوان المسلمين». بعض الشباب قالوا لي هل تقبل هذا المنصب، فقلت لا أريد مجرد وظيفة. لم يتصل بي مرسي إطلاقاً، ولم أرَه إلا مرتين، إحداهما في عشاء اجتماعي قبل انتخابه، وكان لا يزال رئيساً للحزب (الحرية والعدالة)، وفي المرة الثانية، بعد الثورة، دعاني الى القصر الجمهوري، جلست معه ساعة، وفي هذه الجلسة يئستُ منه.

> ماذا حدث في هذه الجلسة؟

– حين كنت في البرازيل، قالوا يريدون اجتماعاً يضم إلى جانبي: عمرو موسى وعبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، لكنني اصررت على ضرورة أن يكون الاجتماع منفرداً، كي أستطيع أن أتحدث بحرية. وعندما عدت التقيت مرسي، وقلت له: يجب أن تجيب عن سؤال أساسي: هل أنت ممثل لجماعة «الإخوان» أم رئيس لمصر؟ كما يجب أن يكون لمصر دستور توافقي، وأن تجمع شمل الشعب وتركز على الاقتصاد، فهذا هو ما يريده الشعب المصري اليوم. وطالبته بإرجاء عملية تمرير الدستور حتى تهدأ الأوضاع وينتهي الاستقطاب بين الإسلاميين والقوى المدنية. وشددت على ضرورة أن يمد يداً للشعب، وعرضت عليه استعدادي للمساعدة في أي أمر في الداخل أو الخارج، من خارج أي إطار رسمي. قال لي أنت لديك رقم هاتفي الجوّال الذي لم يتم تغييره، هاتفني في أي وقت عقب صلاة الفجر، أكون مستيقظاً، وسنتواصل. بعدها أصدر الإعلان الدستوري الذي أطاح كل شيء، وكان ذلك بالنسبة إليّ خديعة، لأنك لو أردت فعلاً أن تتعامل معنا كشركاء، كان يجب أن تعرض عليّ أن لديك مشكلة مع القضاء مثلاً، مع المجلس التشريعي، أو الجمعية التأسيسية، لكن أن أجلس معك ساعة وأعرض عليك أنا ومن يعمل معي المساعدة ومن دون مقابل ومن خارج أي اطار رسمي، ثم تصدر الإعلان الدستوري من دون حتى أن تعطيني أي إشارة لكي أشاركك، ممكن أن تطرح رأيي جانباً ولا تأخذ به، لكن لا أجلس معك وبعدها اكتشف انك تريد أن تسيطر على كل مفاصل الدولة، وتقول لنا أنا ربكم الأعلى. بعد تلك المقابلة شعرت بغياب الصدقية والأمانة.

> ولم ترَه منذ ذلك الوقت؟

– لا… لم أرَه، ورفضت حضور كل الحوارات التي دعا إليها، لأنني أعلم من اتصالات خارجية أنه مثلاً للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، أحد شروطه وجود توافق، وكان هو (مرسي) محتاجاً إلى هذه الصورة مع المعارضة، حتى يقال إن هناك توافقاً اجتماعياً. لكنني لم أكن مستعداً لأن أعطيه هذه الصورة في غياب توافق اجتماعي، بعد تمرير الدستور في 48 ساعة، وعلى رغم ذلك يدعونا الى الحديث. أنا أشبّهه بإسرائيل عندما تدشن بناء مستوطنات ثم تقول إنها مستعدة للحديث، نتحدث عن ماذا؟ مثل شخص يقول لك لنتقاسم الفدية لكنه يأكلها طوال النهار، يصغِّر حصتك… بالتالي لم نذهب إلى الحوارات الوطنية التي أشبّهها بالحوارات أيام الاتحاد السوفياتي، عندما كان يحضر حوالى مئة شخص يجلسون، ويجلس هو في آخر الطاولة، ويعلن في آخر الاجتماع أن الرفاق قرروا التأييد التام للرفيق محمد مرسي. هذا ليس حواراً، أريد حواراً لا يكون على التلفاز أو علنياً. الحوار يجب ألا يزيد على شخصين أو ثلاثة، يتحدثون وتطرح البدائل. هذه عملية لا تدل على فهم للإدارة الحديثة، فعقلية «الإخوان» ما زالت تعيش في خمسينات القرن العشرين وستيناته.

> وهل هناك خطر أن تعيش مصر ثلاثين سنة في ظل حكم «الإخوان» مثلما حدث في إيران؟

– لا أعتقد، وهذا هو الخوف لأن الإسلام بدأ في إيران معتدلاً مع أبي الحسن بني صدر، وانتهى بتطرف. في أفغانستان الوضع ذاته، الخوف أنك تنتهي بالتطرف ليس فقط باستمرار «الإخوان»، فالجماعات الإسلامية الموجودة في مصر تعتبرهم خارجين عن الشريعة، وأنهم «الكفرة الجدد». الخوف يبدأ عندما تتكلم عمن يتحدث باسم الله، ستجد دائماً مَن يزايد عليك، وهو ما ينتهي إلى تطرف غير عقلاني، يصل إلى تدمير المجتمع.

> هل تريد دولة مدنية؟

– ما مفهوم الدولة المدنية؟ كل هذه مصطلحات أدخلتنا في اشتباكات، بمعنى يقول: ليبرالي، علماني، ليبرالي مثلاً له اسم ووضع مختلف عن أميركا، مصطلح علماني ليس له مفهوم. ظللنا نتحدث عن مصطلحات عجيبة الشأن، ومنذ عهد الملكية في مصر ينص دستور 1923 على أن مصر دولة دينها الرسمي الإسلام. بعدها في العام 1971 نص الدستور على أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، وجاء الرئيس المؤمن (أنور السادات)، وفي 1980 أكدت المحكمة الدستورية أن الإسلام هو الأحكام القطعية الدلالة القطعية الثبوت، والاجتهاد حتى يتناسب الدين مع كل الأزمنة والعصور، لم يكن هناك أي خلاف حول مبدأ الإسلام مصدراً للتشريع. خلقنا مشكلة لم تكن موجودة، وأدخلنا في الدستور الجديد دوراً استشارياً للأزهر، إضافة إلى اعتماد المبادئ المطبقة عند أهل السنّة والجماعة. في المادة 219 من الدستور الجديد، دخلنا في مسألة قد تضع «فيتو» من المؤسسات الدينية على السلطة القضائية… نتحدث عن دولة مدنية، لأننا نخشى أن نقول علمانية، وهذا مصطلح غير مفهوم في مصر. (رئيس وزراء تركيا رجب طيب) أردوغان جاء إلى مصر، وكان «الإخوان المسلمون» في حالة انبهار وفرحة وتبشير بالنموذج التركي كدولة إسلامية متقدمة، حتى خرج عبر التلفاز، وقال لهم: أنا رئيس وزراء مسلم في دولة علمانية، ما أصابهم بصدمة. فخرج (نائب رئيس حزب الإخوان) عصام العريان ليبرر ذلك بخطأ في الترجمة، بعدها لم يذهبوا لوداع أردوغان في المطار. الدول التي تقول إن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع هي ثلاث فقط: إيران والسودان ومصر، على رغم أن لدينا 52 دولة إسلامية، وفي النهاية مَن الذي يحقق مقاصد الإسلام؟ الشيخ رفاعة الطهطاوي كان قال بعد زيارته فرنسا: «رأيت إسلاماً بغير مسلمين، وفي مصر رأيت مسلمين بغير إسلام».

> وصول «الإخوان» إلى السلطة هل زاد شعور الأقباط بالتهميش؟

– بالطبع. اليوم لدينا أكبر عدد من المهاجرين من الأقباط. هناك تخوف بسبب التعصب ضدهم، وهذا كان موجوداً منذ عهد حسني مبارك، لكننا لم نعالج المشكلة. اختلفت مع مرسي عندما قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية: ليست لدينا أقليات، فرددت عليه: أنت لا تفهم معنى الأقليات، مصطلح الأقليات ليس شتيمة، إنما أهم شيء في أي ديموقراطية هو حماية الأقلية من طغيان الغالبية. كنا دائماً نقول في إطار الغوغائية في عالمنا العربي، إننا نسيج وطني واحد كالقماشة الواحدة، ونقتل بعضنا بعضاً في المساء.
الأقباط يشعرون بالتهميش، وكذلك المرأة، في البرلمان الأخير كانت نسبة تمثيل الأقباط نحو 1 في المئة، 2 في المئة سيدات، ويجب أن تعترف بالمشكلة. كل إنسان يجب أن يشعر بأنه ممثل، أن يكون النوبي ممثلاً وكذلك السيناوي والقبطي والسيدات المهمشات.

> هل تعتقد بأن مرسي لن يكمل ولايته؟

– من الصعب أن أرى مرسي يستكمل ولايته، مع استمراره بالسياسة والمنهج اللذين يسير عليهما، هو يعتمد سياسة اللاسياسة، سياسة غياب الرؤية. اليوم، الاقتصاد المصري يعاني انهياراً تاماً، وما أسمعه من كبار الخبراء الاقتصاديين أن البلد على وشك الإفلاس. لا توجد أموال، وكل مؤشرات الاقتصاد في تراجع. التقيت وفد صندوق النقد الدولي قبل نحو شهر، وقالوا نمنح القرض في حال تأكدنا من تحسن الاقتصاد، حتى لا تعود الجهة نفسها لطلب قرض جديد، واذا تأكدنا من القدرة على رد أموال القرض. لا بد من أن تكون لديك سياسات تعطي الصندوق طمأنينة الى كونك على الطريق الصحيح.

> هل يعتمد «الإخوان» على الأموال القطرية؟

– لا يمكن الاعتماد على قطر. كان هناك وعدٌ بمنح مصر قروضاً تقدر بـ 12 بليون دولار، مقسّمة على 4.8 بليون من صندوق النقد، ومعها أموال من أميركا وأوروبا والخليج، وكلها مرتبطة بالتوقيع على قرض صندوق النقد. المشكلة بالنسبة الى «الإخوان المسلمين» أن من الضروري تنفيذ سياسات تقشفية ستزيد الأمور صعوبة على الشعب، ستزيد الأسعار ويرفَع الدعم، وهو (مرسي) يخشى تنفيذ هذه السياسات قبل الانتخابات البرلمانية، لأنها ستزيد الغضب الشعبي ضده، لذلك نحن في مأزق اقتصادي. ولكن، بصرف النظر عن الأموال التي ستأتي، كيف يأتي المستثمرون إلى مصر في ظل تدهور الأمن وغياب المؤسسات؟ المسؤولون يخشون التوقيع على أوراق، أحد المستثمرين قال لي: ذهبت للتوقيع على عقد لتنفيذ مصفاة للبترول، لكن الوزير طلب عودتي بعد 5 فبراير (شباط)، فسألته لماذا؟ رد بأنه سيغادر منصبه في 4 فبراير، لا مسؤول على استعداد للتوقيع على أوراق، لا توجد لديك يد عاملة مدربة، فبدأوا العمل في أشياء ليس لها معنى. طرحوا علينا الصكوك الإسلامية، أدخلونا في معضلة لا نفهمها. الاقتصاد منهار تماماً والأمن كذلك، نتحدث منذ الثورة عن ضرورة هيكلة وزارة الداخلية لكي تنحاز الى الشعب وليس الى النظام، هوية الوزارة حتى الآن غير معروفة، والقمع الذي تمارسه هو ذاته الذي كان يحدث في عهد مبارك. النيابة العامة أيضاً حولها علامات استفهام، لأن النائب العام عيّنه محمد مرسي في إطار الإعلان الدستوري.
أنا أرى في حركة «تمرد» وتظاهرات 30 يونيو (حزيران) محطة بالغة الاهمية لوقف الانحدار الذي نعيشه.أهم شيء هو في حال كان لديهم 15 او20 مليون توقيع، طلب سحب الثقة وانتخابات رئاسية مبكرة. لا أتصور أن يستمر البلد على هذا النحو، ما لم يحدث تغيير جذري في سياساته.

صحيفة الحياة اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى