نوافذ للحوار| ماجد أبو غوش: الشعر قادني إلى الحب والمقاومة (حاوره: اسكندر حبش)

 

حاوره: اسكندر حبش

"عصيان"، المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر الفلسطيني ماجد أبو غوش، تتوزع قصائدها بين كتابة سيرة مدينة بتفاصيلها، وبين الشرط الفلسطيني المقاوم، بلغة تغرف كثيرا من اليومي، ليرسم عبرها صورة وطن يبحث عن احتمالاته.
حول الكتاب والشرط الإنساني، كان هذا اللقاء.

* ماذا يعني لك أن تكتب اليوم من رام الله، حيث تقيم؟ هل المكان شرط أساسي للكتابة عندك؟ من يقرأ مجموعتك الأخيرة لا بدّ من أن يشعر بحضور المدينة الطاغي.

أشعر أحيانا بأني وهذه المدينة (رام الله) نشأنا سوية وتعرضنا للاحتلال في نفس اليوم، عندما لجأنا إليها في العام 67، بعد تدمير قريتنا عمواس، كنت في السابعة من عمري وكانت المدينة مجرد قرية صغيرة تعج باللاجئين، ولما أصبحت في سن مبكرة ناشطا حزبيا وشبابيا وعماليا، تسللت إلى كل تفاصيل هذه المدينة الفتيّة التي كانت تعج بالحكايات، والتي كانت أيضا مدينة مختلطة دينيا، وكانت التظاهرات تنطلق بعد صلاة الجمعة ضد الاحتلال، وبعد صلاة الأحد أيضا. هذه المدينة كانت في مواجهة دائمة مع الاحتلال، وهي مكان الحب الأول والنشوء والاعتقالات المتكررة، ذكريات العمل الحزبي والنقابي والعمل التطوعي، رائحة الكتاب في المكتبة العامة، كانت محتلة وكنت ممنوعا من السفر، كانت تقاوم وكنّا نغني لها، عندما استطعت السفر لفترة محدودة كتبت أينما كنت، وأظن أني كتبت عن بيروت أكثر من رام الله، مع أني لم أتمكن حتى الآن من زيارتها، رام الله بيتي الدافئ لكن المؤقت أيضا (بالمناسبة ليس عندي منزل أيضا)، أسكن هذه المدينة واشتاق إلى الشام وبيروت وعمان وحيفا والناصرة وعكا ويافا، وأظن نعم أن المكان شرط أساسي للكتابة، أظن أن مكاني العالم بما أني يساري.

خلف النافذة

* تنحو إلى كتابة التفاصيل بلغة أشبه بلغة يومية، وإن كان ذلك لا يعني أنك تبتعد عن "المواجهة"ـ أقصد أن الشرط الفلسطيني المناهض للاحتلال يحضر بدوره. ماذا يعني لك هذا الخيار الشعري؟

قبل احتلال العراق 2002 كنا البلد الوحيد المحتل في الكون، وكان صراعنا مع هذا الاحتلال على كافة تفاصيل الحياة، كنا ندافع عن حقنا في الحرية وفي الكرامة، كنا ندافع عن حقنا في الرقص والحب والغناء، كنا ندافع عن إنسانيتنا ضد كل محاولات الاحتلال لتحويلنا إلى مسوخ، وكنا نتعرض إلى الاعتقال على حيازة كتاب أو أغنية أو ملصق أو ملابس تدل على ألوان العلم، كنا ندافع عن اللغة، نحتفظ في الروح برائحة البحر ووجه قمر يافا، نقاوم مصادرة الأراضي وهدم البيوت، في كلّ هذه التفاصيل الصغيرة كنا ندافع عن الحياة، ونكتب حتى أغاني الحب بالدم، هل كان بإمكاننا الكتابة بدون أي اثر لرائحة الاحتلال الكريهة؟
هل كان بإمكاننا ونحن نقبّل نساءنا ألا نشعر بدبيب أقدام الجنود خلف النافذة؟ هل كان بإمكاننا أن نتوقف عن الحنين إلى حيفا؟ هل كان بإمكاننا أن نتوقف عن اشتهاء برتقال يافا؟ كان أمرا عاديا أن تتسلل هذه التفاصيل إلى القصيدة، كان طبيعيا أن تكون الكتابة فعل مقاومة، وطبيعيا أيضا أن نتعرض للاعتقال والتنكيل ونقع في الحب!

دليل الروح

* تبدو بعض قصائدك كأنها تتأرجح بين ثنائيات عدة: الماضي/ الحاضر، الرموز/ المهمشون، الخ… هل تشعر بأن التاريخ يلقي بثقله على حاضرك؟

بالتأكيد فنحن نعيش في زمنين في آن واحد، نحافظ على روايتنا عن فلسطين قبل النكبة، ونحيا زمن اللجوء، وأصبحنا كمن يسكن الحكاية، بالعادة يكون المتن أكبر كثيرا من الهامش، إلا في الحالة الفلسطينية فالهامش أكبر من المتن بوجود كل هؤلاء اللاجئين، حتى في الأحزاب السياسية الفلسطينية من في الهامش أكثر من الذي في المتن، ولهذا انحيازي دائما كان إلى الهوامش والمهمّشين حيث الحرية اكبر وأوسع!

* في الجزء الأخير من الكتاب، تفرد مختارات بعنوان "ما قاله العمدة"، وهي نصوص نشرتها تباعا على صفحتك في الفيسبوك. أولا، ما أصل تسمية "العمدة"، لمَ اخترته؟ وثانيا هل تعتبر أن الكتابة الفيسبوكية أصبحت اليوم جزءا من حاضرنا الذي لا يمكن تخطيه؟

تسمية العمدة كانت تكليفا من الملكة، من هي الملكة؟ إبحثوا عنها في الكتاب، لفترة طويلة كان العمدة قناعا لقول الكثير عن الحنين والحب والاحتلال والفساد وقطاع الطرق والوالي، وكان هذا العمدة يدعي ان كل ما قاله كان في ساعة سكر، أتصور انه يوجد نوعان من الكتابة على الفيسبوك، كتابة فيسبوكية ونشر على الفيس بوك، الكتابة الفيسبوكية بحسب رأيي مجرد تواصل اجتماعي، النشر على الفيس بوك فتح لنا منبرا واسعا بعيدا عن المافيا الثقافية التي تحكمت طويلا في عملية النشر، وأصبح الكاتب الآن يصل إلى جمهور واسع ومتنوع، الآن لم يعد باستطاعة احدهم ممارسة عملية الحذف والتعتيم والإزاحة لأي كاتب، الآن كلنا على الهواء مباشرة!

* "عصيان" ديوانك الأخير هو "الثاني عشر" (أظن ذلك؟) في مسيرتك الشعرية؟ ماذا يعني لك الشعر بعد؟

لست أدري، أم أنني لم أعد أذكر ما الذي أفضى بي إلى الآخر الشعر أم الحب أم المقاومة، المقاومة قادتني إلى السجن وكنت عندها في سن المراهقة، والحب قادني إلى الشعر والمقاومة – من الرجولة أن تدافع عن كرامة من تحب – والشعر رماني في لجة الحب والمقاومة، كنت أحاول أن أعبر عن الألم والأمل عن الشوق والحلم… والشعر أفضى بي إلى كرم من التفاح والعنب، الشعر أفضى بي إلى غابات من الفراش والنحل والغيم، والشعر حولني من عامل بناء إلى ورّاق وحبّار، الشعر رماني في عالم الطباعة والورق والحبر، والشعر علمني التواضع والتمرد، والشعر سلمني إلى الغيم ودليلي إلى الروح.

… والشعر فتح لي عالما جديدا من الندى والحب والخيال،
والشعر مزيج سحري من الروح وماء الورد والنبيذ وضوء القمر،
والشعر نتاج تزاوج الواقع مع الخيال، القمح مع المطر،
والشعر حرية الذئب في الصيد والحب والغناء،
والشعر قيثارة منذورة للريح،
والشعر وطن وغزال شارد
والشعر تنهيدة ما بين قبلتين وغمزة عين،
والشعر…
نافذة من الكلمات معلقة في الهواء تطل على سرب من الكمنجات.
والشعر جني شقي
التصق بقلبي وفمي وأصابع يدي
والشعر حيث الماء والرمل
وحيث السحر والدهشة
والشعر حورية البحر
نصفها أنثى والباقي سراب!

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى