نوافذ للشعر/ أنا لست راضياً

حكيم مزوقي

 

[ 1 ]
أنا لستُ راضيا…
عمّا فعلْتُه بنفسي
وعمّا فَعَلتْهُ بي الكتب والبلاد والعباد والأيام..
لست راضيا عن كلِّ ما وقَعتُ عليه
ووقّعْتُ عليه
ووقعَ بي,..
لستُ راضياً…
عن هذا الطّباق اللغوي التافه وهذه الصياغة الركيكة.
لستُ راضياً…
عمّن سيقرؤني بحبٍّ أو باستهزاء.
لستُ راضيا…
عمّا سأفعله و أكتبه وكُتبَ لي.
لستُ راضيا…
عن هذا الشيب الذي بدأ يهطل فوق رأسي ويعدني ـ كما وعد أبي ـ بالحكمة والثروة والوسامة.
لستُ راضيا…
عن رضاي وغضبي و سكوتي.
من قال:
إنَّ السكوت علامة الرضاء!؟..
و ما علامة الغضب؟!..
لعلّه السكوت
أو الرضاء…
في كلِّ الأحوال أنا لست راضيا…

[ 2 ]
ليتَ النبي دعا لي مع البررة و الصّالحين
واصطفاني مع سبعة من جيراني؛
وليت هذا الباب يسعني, أنا والجَمل والجراب والمِزود والأبواب…
ليتَ هذا الباب موجود […]
**
ليتَ رأسي سقط سهوا في بلادٍ بعيدة،
كي يعثرُ عليه أحد سواي، فيربِكُهُ بواجب التغسيل والحلاقة والتفكير والسّمع والبصر والصلع والشّقيقة كلّ يوم.
**
ليتَ (عيشة) الداية أعادتني من حيث أتيت,
أتغذّى من حبل مشيمة دون نظّارات ونقود وأقلام ومعلّمين وعناء..
هل حقّا أنّي ولدت دون أسنان
و محبّين وكارهين؟!..
دون جواز سفر
وحرقة في المعدة وزوجة وموبايل؟!..
دون مفاتيح وأصدقاء
ورغبة في النسيان أو التذكّر؟!..
ليتني ظللت كما ولدت…
أغضبُ و أضحك لأتفهِ الأسباب
أتبوّل متى وأينما شئت…
ليتني ولدت…
من قال إنّي ولدت؟!..

[ 3 ]
لعلّني حقّا ولدتُ وفي فمي لسان من غضب، في فمي ملعقة من صديد اللغة والتعب..
ليتني حقّا ولدت
مثل حيوان غير أليف
غير حافظ وغير محتفل بيوم ميلاده.

[ 4 ]
مازلتُ أسمع قلب أمّي..
أنفاس أبي تتنفّسُها
أنفاسي وأنا أتحسّس ذيلي الأعوج,
 راكضاً ومسابقا ملايين الزملاء من الحيوانات المنويّة المرهقة نحو منصّة تتويج اسمها البويضة…
**
[ما أسخف أن يركض واحد لأجل بويضة]!!..

[ 5 ]
لطمتني عيشة الداية على مؤخّرتي الطريّة لأنّي كنت أغشّ في السباق…
هدّدت بإعادتي إلى خطّ الانطلاق
لكنّ أمّي رضيت بي و بالنتائج المزوّرة
مثل كلّ الشعوب
رضيت بي…
نحيلا؛
أسمرا؛
أرعنا ؛
وضعيف النظر مثل أبي…
ما أفقر طموح أمّي
ما أحرج موقفها
أمام أمّهات رجال كتب التاريخ.

[ 6 ]
أنا لستُ راضيا، عن رضا أمّي
وعن أداء أبي في تلك الليلة
قبل تسعة أشهر
من التاسع من مارس/ آذار/ سنة ست وستين.

[ 7 ]
أنا لستُ مسؤولا عن الضحكات والأجنّة والزجاجات والأدخنة والأدوية التي أخلّفها ورائي.
محتجٌّ أنا على تعاقب الفصول
وعقارب الساعة
عن المدّ والجزر والكسوف والخسوف
و حتى على أصوات الباعة.
أنا لستُ راضيا عن رضائي…

[ 8 ]
أنا راض [….]
بكلّ العقوبات التي سلّطت ضدّي نتيجة غشّي وتسرّعي أنا و أمّي و أبي…
نتيجة عدم رضائي..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى