هتلر: سيرة حياة

 

صدر كتاب “هتلر: سيرة حياة” للأستاذ الجامعي بيتر لونغريتش في تشرين الأول / أكتوبر عام 2019 ويقع في 1344 صفحة عن دار نشر جامعة أوكسفورد.ونقل المراجعة إلى العربية إبراهيم عبد الله العلو.

يقدم أحد الخبراء في تاريخ ألمانيا النازية مجلداً ضخماً يحكي سيرة حياة أحد أفظع الزعماء في التاريخ.

يناقش الدكتور بيتر لونغريتش الكتب العديدة السابقة التي تحدثت عن حياة هتلر وعلى الأخص كتاب ايان كيرشو وجواكيم فيست والتي صورت هتلر في هيئة إنسان إنطوائي وغريب.

يتفحص لونغريتش دور هتلر “المستقل كسياسي نشط في تشكيل سياسات حزبه”. ويقول:” لا يمكن النظر إلى نقاط التحول الحرجة في سياسات هتلر كنتيجة للقيود الخارجية والمحددات البنيوية ولكنها كانت نتاج القرارات التي فرضها بالقوة في وجه المقاومة والعوامل المعوقة المهمة”.

بعد العقود العادية الثلاثة الأولى من حياته حفز الإحباط الذي تلا الحرب العالمية الأولى موجة من الغضب والخوف إزاء الهزيمة الألمانية وأوجد لنفسه دوراً مهماً في الدعاية لحزب العمال الألماني اليميني المتطرف.

خرج “فاشلاً كبيراً” من محاكمته المضطربة وسجنه وعكف على تكوين صورة عامة وبرنامج سياسي عبر كتاب “كفاحي”، معبّراً بجلاء عن معاداته للسامية وغزو “مكان العيش” في أوروبا الشرقية.

عُين مستشاراً في كانون الثاني / يناير من عام 1933 ولكن حزبه لم يحظَ سوى بدعم ثلث الناخبين وتطلب الأمر “مهارة سياسية استثنائية” على مدى ال 18 شهراً التالية لتحويل الحكومة إلى دكتاتورية هتلر.

يظهر المؤلف كيفية قيام هتلر “بتحويل مجرى الأحداث مثل تحييد اليسار وإلغاء الحقوق الأساسية وإزالة النقابات وضمان السيطرة النازية الكاملة على جميع النوادي والمنظمات” وانتقاء دور الكنيستين.

تزايدت الخلافات والاضطرابات الداخلية مع تنامي لحظات الرعب والهلع ولكنها لم تفت في عضد هتلر ودوره بل على العكس أسهمت فوضى المكاتب بتعزيز موقفه الشخصي وسمحت له بتدعيم رغباته السياسية مباشرة كديكتاتور استبدادي.

ويرسم المؤلف ببراعة ملفتة على امتداد صفحات الكتاب صورة جديدة لإحدى أكثر الشخصيات التي كُتب عنها الكثير في التاريخ المعاصر.

يركز الكاتب على دور هتلر المركزي كقوة دافعة للنازية برّمتها ولا يمكن فصل الرجل عن الحركة العملاقة التي قام باحتوائها.

يظهر المؤلف من صعود هتلر عبر صفوف الحزب إلى ساعاته الأخيرة كفوهرر في نيسان / أبريل من عام 1945 قسوة هتلر في طريقه نحو السلطة ويركز على مهارات هتلر السياسية مع بروز ألمانيا على الساحة الدولية.

لم يكن صعود هتلر وإمساكه بالسلطة مجرد كاريزما بل كان منسوباً لمقدرته على السيطرة على البنيان الذي شيّده. كان صورة مبنية من قبل نظامه –وقطعة أساسية من الدعاية التي خلقها لنفسه.

يقع الكتاب في 44 فصلاً ومقدمة وخاتمة وملحقاً بالمراجع والملاحظات.

وسأورد هنا بداية المقدمة التي يستهل بها لونغريتش كتابه الموسوعي الضخم:

“لم يسبق في التاريخ الحديث أن قام شخص بمراكمة مثل تلك القوة المهولة خلال فترة قصيرة من الزمن نسبياً كما فعل أدولف هتلر. ولم يسِئ أحد غيره استخدام السلطة بذات التبذير كما فعل. وفي النهاية تشبث بها بشدة إلى درجة انهيار نظامه بالكامل وإزهاق ملايين الأرواح.

يقدم هتلر بالتالي نموذجاً ومثالاً على كيفية امتلاك السلطة الفردية وإساءة استخدامها الفظيع وهي ظاهرة تخترق حدود السيرة الذاتية التاريخية.

لم يكن النموذج الاستقرائي في حالة هتلر والذي دأب المؤرخون على استخدامه لاستكشاف التفاعل بين العوامل البنيوية والشخصية الفردية ملائماً. فنحن نتعامل مع شخصية لم تمارس السلطة ضمن الإطار العملي للسياسات الدستورية الراسخة أو القواعد المقبولة عموماً للنظام السياسي ولكنها بدلاً من ذلك فككت إطار العمل وأوجدت بنى سلطوية جديدة لتناسب مقاسها. ارتبطت تلك البنى به شخصياً وعلى نحو وثيق ومثّلت ديكتاتوريته مثالاً استثنائياً للسلطة الشخصية. إذ لا يمكن تصور بُنى النظام من دون هتلر ولا يساوي هتلر شيئاً من دون مكاتبه”.

ويضيف: “ولكن لا يمكن اختزال هذه الديكتاتورية بشخص هتلر أو شرحها بتعابير ملائمة عبر سيرته الذاتية بل يجب أن نتبنى نظرة أوسع تشمل تاريخ الفترة ككل مثل ظاهرة الاشتراكية القومية وأسبابها وجذورها في التاريخ الألماني والعلاقة بين هتلر و”الألمان” من بين عوامل عديدة. يخاطر أي تفسير يتعمق كثيراً بشخص هتلر بالسقوط في “الهتلرية” وربما يبدو دفاعاً عنه بينما يسلك أي تفحص شامل للظروف التاريخية الطريق المعاكس لفقدان النظرة لهتلر كفاعل وتقدمه مجرد دمية بيد القوى الخارجية وشاشة بيضاء تسلط الحركات المعاصرة عليها ما ترغب به.

سينتج ذلك الأمر هتلر لكل الناس يتم تهميشه كشخصية ذات قيمة تاريخية بينما تحجب مسؤوليته الشخصية ضمن تلك العملية التاريخية.

ولذلك يكمن التحدي الأساسي في دراسة السيرة الذاتية لهتلر في شرح كيفية بزوع ذلك التمركز الهائل من السلطة بيدي فرد وحيد نتيجة لتفاعل ظروف خارجية مع أفعال ذلك الفرد. فهي تمثل من جانب القوى التي أثّرت على هتلر ومن ناحية أخرى القوى التي قام بتحريكها وتسييرها بنفسه”.

*الدكتور بيتر لونغريتش أستاذ التاريخ الألماني الحديث في جامعة لندن. ألف العديد من الكتب التي تتحدث عن ألمانيا النازية.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى