هل تتسع متاهة أردوغان للجميع؟

متاهة أردوغان تتسع للجميع

ـ 1 ـ

... وغالباً بلا خطة تتم الحرب على «داعش»، إلا لو اعتبرنا أن «الحرب على الخريطة» هدف خفيّ لكل الحلفاء وحتى الخصوم. «داعش» ليست إلا عنوان الحرب أما قوامها الحقيقي فالخرائط بمعناها الواقعي (أي الرسوم والحدود وغيرها) والمجازي (توزيع أقاليم القوة والنفوذ والسيطرة)… ولهذا سنجد السعودية فاعلة في الأطراف كلها من «داعش» إلى الحلف الأميركي وما بينهما من عالم الوسطيين الوارف الظلال. وقطر كذلك، فهي تضغط على السيسي لكنها تعدّ قوائم جديدة لمطرودين من الإخوان ومَن حالفهم. أما أميركا ذاتها فتريد السيسي فاعلاً في هذه الحرب، لكنها تضيّق عليه الخناق عندما يتجه غرباً إلى ليبيا. والسيسي رداً على ذلك يحاول تسخين الخطاب الغرامي مع موسكو التي ردّت بخطاب ثلجي ومروحيات متعددة الأغراض رداً على تعطيل صفقة الأباتشي الأميركية.

وأردوغان طبعاً سلطان هذه الحرب الذي تلعب الخرائط حوله، وفي القلب من محاولته تحويل بلاده إلى «خلافة جمهورية» بينما يضطر إلى تحالف مع مَن يهدّدون خريطته.. فيقتلهم ويقترب منهم كداعشي يرتدي بدلة أوروبية.

ـ 2 ـ

هذا زمن التنكر..
أو بمعنى أدق ارتداء طبقات من ملابس تناسب كل منها مقامات حالة السيولة المدمّرة للركون في الخنادق التي أُديرت بها الحروب في العشرين أو الثلاثين سنة الأخيرة… وغالباً ما سيكون انتصار هذه الجولة من نصيب «هجين» يستطيع أن ينتصر لتوافقات تتيح فرصة جديدة أمام السكان وليس مجرد انتصار لأمراء حرب لن تنتهي قريباً.

«داعش» جزء من هذه الحرب وليس «شيطانها» الذي تتفق حوله كل الأطراف. إنه مهيّج الحرب لا هدفها، وهي موزعة تيارات العنف والسخرية على جميع الأطراف، فالوسطي المعتدل العثماني الإسلامي يلعب دور رمز الاعتدال/ الشاطر في التجارة/ النيوإسلامي… وربما في الوقت نفسه وفي مكان آخر يلعب دور أمير حرب إبادة ضد الأكراد/ ومفجّر العنف البوليسي ضد الديموقراطية/ والأدهى حليف «داعش» السري.

.. أردوغان ليس لاعباً بالمعنى الذي تعنيه السياسة/ لكنه «المجاز» الواقعي لهذه الحرب، حيث يفشل هجين ما بعد الحرب الباردة التي بحثت عن النيوإسلاميين، وطوّرت نسختها من أربكان إلى أردوغان حاشدة خلفها طبقات تجار اسطنبول بجوار الصاعدين من الريف التركي… هذا المجاز المخلَّق في معامل ومجرَّب على أرض التجربة التركية… يدخل متاهته بكل ما أوتي من عنجهية عثمانية.

ـ 3 ـ

وكيف سيتشكّل هجين جديد؟

فالأصالة تواجه انفجارها… بمعنى أن الحروب على الإيديولوجيا أو التاريخ أو حتى الموقف من مشاريع أميركا أو توابع الحرب الباردة، خفت حضورها واندفعت إلى مقاييس أخرى تخص الأمان أو السعادة أو الحدود الدنيا للحياة… وهذا ما يجعل شعبية الحرب على «داعش» تخص الأمان وليست الحرب على ميليشات الأممية الإسلامية/ أو مواجهة منتظري الخلافة/ أو حتى بحثاً عن إسلام وسطي عادل قابل للاندماج والاستخدام اليومي… شعبية الحرب نوع من «طلب الإيمان والتحضّر» وتتقاطع معها توكيلات الطوائف والإيديولوجيات والأحلاف القديمة والأدوار التاريخية… وهنا تتحوّل الحرب إلى لغز: مَن مع مَن؟ وإلى أين وكيف ولماذا؟

أسئلة ينسحب فيها الطلب على الكيانات الرمزية: الثورة أو الدولة أو أميركا أو الغرب أو الطائفة أو المذهب أو التنظيم... إلى طلب آخر على الحياة… لكنه انسحاب دموي/ ربما أكثر دموية من الحرب ذاتها.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى