هل تقتصر الرسالة القرآنية على من يعترف باللغة العربية؟

 

يطرح «ترجمات القرآن إلى الإنكليزية ـــ سيرة» (منشورات جامعة برينستون ـ 2017) لبروس بي لورنس مجموعة من الإشكالات والأسئلة. لكن الكاتب لا يكتفي بذلك، إذ إنه يجيب عنها بلغة أنيقة تجذب القارئ. ومن تلك الأسئلة: كيف يمكن للأفراد الذين لا يتحدثون العربية الوصول إلى القرآن؟ وهل القرآن المترجم هو ذاته باللغة العربية؟ وما السياسات التاريخية والمعاصرة والتحديات والبهجة الكامنة في ترجمة القرآن إلى الإنكليزية؟

كاتب هذا العمل الزاخر بالمعلومات، هو أستاذ اللاهوت في «جامعة ديوك» الإنكليزية. يأخذ القارئ في رحلة مطولة عبر جزيرة العرب في القرن السابع، إلى الإنكليزي روبرت كيتون في القرن الثاني عشر الذي ترجم القرآن أولاً إلى اللاتينية، ويعرج ببراعة عبر القرون والقارات مع التركيز على نحو خاص على العصر الحديث.

يتم وضع ترجمات المستشرقين للقرآن إلى اللغة الإنكليزية في القرن الثامن عشر مع تلك التي قام بها علماء مسلمون من جنوبي آسيا يعيشون تحت الحكم الاستعماري. كما يتم التعامل مع جهود المسلمين الذين تحولوا من مختلف أنحاء الغرب وسافروا إلى الهند الاستعمارية.

يخصص الكاتب جزءاً من مؤلفه لدراسة مجموعة متنوعة من القرآن «أونلاين» (online korans) وهذا مهم لأن المراهقين المسلمين والجيل الألفي، ونظراءهم من غير المسلمين، غالباً ما يكونون ملتصقين بهواتفهم الذكية ويلجأون إلى الإنترنت لكل احتياجاتهم تقريباً، بما في ذلك التوجيه الديني والمعرفة القرآنية، دوماً بحسب الكاتب.

لا يتجنب الكاتب الخوض في موضوعات مثيرة للجدل ويناقش قضايا تراوح بين النقاشات المعاصرة حول سماح القرآن المزعوم بضرب الزوجة والترجمات النسوية للقرآن وحملة المملكة السعودية للترويج لنسختها من الإسلام والقرآن. كما يخصص صفحات عدة لفحص الرسوم البيانية للقرآن الأميركي لصاحبه ساندو بيركس (Sandow Birks).

نودّ في هذا العرض التركيز على مقدمة الكاتب التي تناول فيها مسألة ترجمة القرآن والإشكالات المحيطة بذلك، فتساءل: هل تمنع أولوية اللغة العربية من نقل الرسالة القرآنية بلغات غير العربية؟ وجهة النظر الأرثوذكسية هي نعم. القرآن باللغة العربية هو حقاً القرآن. فالعربية لغة الوحي النهائي، ولا يزال النص العربي غير قابل للترجمة. مع ذلك، لم يكن كل من سمعوا القرآن لاحقاً عرباً أو كانوا يعرفون اللغة العربية. لكن بعدما انتشر الإسلام وانضمت إليه أقوام كثيرة غير عربية، حدثت الترجمات معظمها «ما بين السطور» interlinear insertions لكنها بقيت قليلة. في الآونة الأخيرة فقط، انتشرت الترجمات خاصة باللغة الإنكليزية.

يضيف الكاتب: تثير هذه العملية المتداخلة عدداً من الأسئلة الإضافية: هل سيتم الحكم على القرآن على سندان التاريخ حيث تتطفل الترجمة وتتكرر؟ أم يجب تقطير النص الذي تم كشفه دائماً من خلال فلتر الأرثوذكسية الذي يمنح اللغة العربية البكر الامتياز وتجنب إهانة اللغات الأخرى؟ لفهم رسالتها، هل هناك لغة عربية من القرن السابع، وبالأصل عربية، عبر الزمان والمكان؟ وماذا عن كثير من المسلمين الذين يبلغ تعدادهم ملياراً ونصف نسمة؟ ذلك أنّ غالبيتهم المطلقة من غير العرب وغير مطّلعين على اللغة العربية إلا من خلال القرآن؟

على المرء أن يسأل مراراً وتكراراً: من الذي يهيمن، سندان التاريخ أم فلتر الأرثوذكسية؟ لا إجابة واحدة سهلة. استخدام القرآن المترجم (koran) بدلاً من القرآن العربي (qurʼan) هو بحدّ ذاته اختيار للتاريخ على الأرثوذكسية؛ على الرغم من استخدام الرسم الأول عبر القرون، من الثاني عشر إلى الحادي والعشرين فلا يزال الأرثوذكس يقولون: إن أي إشارة في أي لغة إلى الكتاب الذي يحوي كلمة الله باللغة العربية، يجب أن يكون القرآن (qurʼan). فهل يمكن ترجمة أي نص من دون التضحية بالمعنى الأصلي، وبعد ترجمته، من الذي يحكم ما إذا كان هناك مسوغ لهذه التضحية، وهل النتيجة مسوغة؟

في أذهان كل مترجم، حسب شتاينر، هناك تسلسل هرمي للقيمة بين اللغات: كيفية تفاعل السجلات اللغوية في أذهان كل شخص يتعهد بالترجمة، سواء كان ثنائي اللغة أو ثلاثي اللغة، أو حتى متعدد اللغات.

دعونا نفترض أنه لا يوجد ارتباك لغوي مقصود إلهياً، كما نقرأ في سفر التكوين، لكن ثمة أيضاً نشر التنوع الإلهي، كما يعلن القرآن. أليس من المفيد للتنوع اللغوي أن يتوقف عن تجنب الحرفية؟ لأنه عندما يزعم المترجمون أنهم حرفيون، فإنهم يتبعون مبدأ هرمياً واختزالياً بطبيعته. إنهم يمنحون كلمة واحدة ومعناها فوق أي خيار آخر. ينظرون إلى معاني متعددة على أنها مستحيلة. يرفضون كل التعددية. النسخة الأصلية يجب أن تبقى غير مترجمة، أو إذا تمت ترجمتها، فيجب أن تكون مفردة، كلمة كلمة، فوق التحدي أو التغيير.

يلاحظ جورج شتاينر صاحب مؤلف شهير عن اللغات والترجمات، أن هؤلاء المترجمين يدّعون التزامهم بتقنية «كلمة لكلمة» باسم الاختراق المثالي، للتقديم للأصل الأصلي بشكل واضح ومتواضع، ما سيؤدي إلى استنباط معنى المعنى كاملاً. لا يهدف المترجم إلى استرجاع معنى «جديد» للأصل. إنه يسعى إلى البقاء «داخل» المصدر، ولا يعد نفسه أكثر من ناسخ.

هناك قول إيطالي شهير يلعب على كلمتي «الترجمة» و«الخيانة» ( Traduttore traditore) ما يعني حرفياً «المترجم خائن». وهذا يعني أن كل مترجم خائن. إنه يخون لغتين، اللغة الأصلية للنص المصدر وكذلك اللغة الأخرى للمجتمع المتلقي أو المستهدف.

يبدو أن الترجمة هي دائماً مسابقة خاسرة. جمال النص الأصلي يضيع، ويصبح المعنى في الإصدار الثانوي، حتى في أفضل معادلة لكلمة-كلمة، اختزال في أحسن الأحوال، وغير دقيق في أسوأ الأحوال، يضيع في كل حالة.

إن الحجة لرفض الترجمة التي قدمها بعضهم، يتم فهمها بسهولة في ثلاث خطوات من القياس المنطقي: إذا كنت لا تعرف اللغة العربية، فلا يمكنك فهم القرآن، ومن دون فهم القرآن لا يمكنك أن تصبح مسلماً. وما لم تصبح مسلماً، فلن تتمكن من الخلاص. لذلك، يجب أن تعرف اللغة العربية للنجاة. معظم غير المسلمين سيختلفون ومن بينهم بعض العلماء المسيحيون البارزون الذين طالبوا بجعل القرآن متاحاً بلغة أوروبية.

في مواجهة الادعاء المتكرر بالاستثنائية العربية، ينبغي للمرء أن يسأل: هل يقدم القرآن نفسه مثل هذا الادعاء الشامل بفصله الشبيه بالحصن عن كل اللغات الأخرى وفوقها؟ نعم، تم الكشف عن القرآن باللغة العربية إلى نبي عربي في القرن السابع، لكنه أعلن أيضاً أن رسالته صالحة إلى الأبد؛ صالحة لجميع الذين سبقوا محمد، ومعظمهم لا يتحدث العربية، وأيضاً لجميع الذين سيأتون بعده، ومعظمهم من غير العرب. في الواقع أقل من 20% من المسلمين هم من الناطقين باللغة العربية، فهل تقتصر الرسالة القرآنية فقط على من يعترف بالأنبياء ويعرف اللغة العربية؟

 

The koran in English, a biography. Princeton University press 2017. extent: 278 pp. with many illustrations. bruce b. Lawrence

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى