هل حان وقت انهيار السلطة الفلسطينية؟.. وما هو مصير الرئيس عباس؟.. ولماذا لا تخشى إسرائيل هذا السيناريو “المرعب”؟..
من جديد عاد ملف “انهيار السلطة الفلسطينية” ليتصدر أولوية البحث والنقاش على طاولة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي يترأسها بنيامين نتنياهو، بعد مستجدات ميدانية وسياسية دعت لإعادة فتح هذا الملف الشائك والملغوم والذي يخشى الكثير حتى الاقتراب منه.
فمنذ عدة أسابيع والكثير من الأصوات داخل إسرائيل تدعو صراحةً إلى إنهاء دور السلطة الفلسطينية (الأمني-السياسي- والاقتصادي)، فيما هناك أصوات أخرى تدعو للتعقل وعدم الاقتراب من لهيب وشرارة هذا الملف لما يحمله من مخاطر كبيرة على إسرائيل.
ما يسمى بوزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، كان أبرز الأصوات الداعية لحل السلطة الفلسطينية وإنهاء دورها بالكامل، لكن نتنياهو الذي طالما شجع على القتل والإرهاب وتنفيذ أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، لا يزال يخشى التجاوب مع تلك الأصوات، مع بعض التلميحات التي يطلقها في كل محافله السياسية حول قرب انهيار السلطة الفلسطينية التي مضى على إنشائها-وفق اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل- قرابة الثلاثين عاما، والاستعداد لليوم الذي يلي ذلك.
ولكن، مع هذا التطور والسيناريو التي وصفته بعض الصحف العبرية بـ”المرعب”، تخرج الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابات واضحة وعملية ولعل أبرزها، هل إسرائيل استعدت فعليًا ليوم انهيار السلطة؟، وهل ستتحمل عبئ الفلسطينيين ماليا واقتصاديا وحتى سياسيًا؟، وما مصير الرئيس عباس وقادة السلطة؟، وهل هذه الخطوة ستشعل انتفاضة شعبية جارفة في الضفة الغربية؟
صحيفة “هآرتس” العبرية تطرقت لهذا الملف الحساس، وحذرت صراحةً من خطورة السياسات الإسرائيلية، التي تؤدي إلى “انهيار السلطة الفلسطينية، دون أن تكون إسرائيل مستعدة لليوم التالي، سواء فيما يتعلق بالحياة اليومية للفلسطينيين أو بسبب غياب التنسيق الأمني”.
وحذر مسؤول شعبة الاستخبارات السابق “عاموس يدلين”، من أن سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية يشكل تهديدًا استراتيجيًا متعدد الأبعاد للكيان، داعيًا لإعطاء مساحة أكبر لعمل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية المحتلة.
وأكد يدلين أن “بقاء السلطة الفلسطينية مصلحة أمنية إسرائيلية”، مشددًا على ضرورة إتاحة المجال أمام أجهزة الأمن الفلسطينية لتحبط العمليات بدلًا من تدخل الجيش، وبالتالي منح الأمن الفلسطيني المزيد من حرية العمل”.
وتخشى أجهزة المخابرات الإسرائيلية من أن يؤدي حل السلطة إلى اضطرار إسرائيل لتحمل المسؤولية الأمنية وإدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووفقاً لتقرير حديث صادر عن “معهد دراسات الأمن القومي” التابع لجامعة تل أبيب، فإن «نقاط الضعف الإدارية لدى السلطة وحساباتها الاستراتيجية الخاطئة تعبر عن نفسها منذ فترة طويلة، بل منذ الانقسام بين غزة والضفة الغربية قبل 15 عاماً.
ومن يطلع عن قرب على تعقيدات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا يستغرب قلق إسرائيل من سيناريو انهيار السلطة، إذ إن الجهات الأمنية والإستراتيجية في إسرائيل تدرك أن انهيار السلطة سيؤدي لتدهور الوضع الأمني بصورة خطيرة جداً، ما يعني اضطرار إسرائيل لضخ أعداد كبيرة من قواتها داخل المناطق الفلسطينية، كذلك سيكون مصير الرئيس محمود عباس غامضًا ولا دور له على الساحة.
والأمر لم يتوقف عند المخاوف الإسرائيلية، فرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية دخل كذلك على الخط، وأطلق تحذيرًا غير مسبوق بقرب انهيار السلطة الفلسطينية بالكامل بسبب خطوات إسرائيل الانتقامية.
فحذّر من أن سيناريو انهيار السلطة بات وشيكاً، بعد سلسلة من العقوبات التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية عليها، آخرها قرار اقتطاع 139 مليون شيكل (40 مليون دولار) من عائدات الضرائب الفلسطينية.
وقال أشتية في تصريحات نشرت له قبل أيام، إن قرار اقتطاع الأموال لصالح عائلات قتلى العمليات، بالإضافة إلى مواصلة اقتطاع قيمة مماثلة للرواتب التي تدفعها السلطة للأسرى والشهداء يشكل مسماراً إضافياً في نعش السلطة الفلسطينية.
واتهم الحكومة الإسرائيلية بشن حرب على السلطة، وقال: “لنقرأ الخريطة بشكل واضح، زيادة البناء في المستوطنة إلى جانب عزل مدينة القدس عن الضفة وضم مناطق (ج)، والآن جاء دور تدمير السلطة، هذه هي الخطة التي تعمل حكومة إسرائيل بناءً عليها”.
ورفض أشتية الاتهام الإسرائيلي بأن الخطوات الأخيرة في الأمم المتحدة خطوات أحادية الجانب من السلطة الفلسطينية، وبناءً عليه تم اقتطاع الأموال، معقباً: «الاحتلال كله أحاديّ الجانب، والبناء في المستوطنات أحاديّ الجانب، وكل شيء أحاديّ الجانب».
تحذيرات أشتية التي لم تلقَ آذاناً صاغية في إسرائيل، جاءت في وقت نقل فيه الفلسطينيون لنظرائهم الأميركيين والإسرائيليين رسائل واضحة بأن استمرار هذه السياسة الإسرائيلية ستقابَل بقرارات فلسطينية، بغضّ النظر عن النتيجة على الأرض وهي “انهيار السلطة”.
وقالت مصادر مطلعة، إن فحوى الرسائل تتضمن تهديدات بأن القيادة الفلسطينية ستفعّل قرارات المجلس المركزي المتعلقة بإلغاء الاتفاقات مع إسرائيل وتجميد الاعتراف بها، حتى لو أدى ذلك إلى إجراءات إسرائيلية انتقامية ستقود إلى انهيار السلطة، وأن على الجميع أن يدفع ثمن تصرفاته والنتيجة التي لا يريدها أحد بما في ذلك إسرائيل.
والجمعة الماضي، أقرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي 5 إجراءات ضد السلطة هي: تحويل 139 مليون شيكل (39 مليون دولار) من أموال السلطة إلى عائلات قتلى إسرائيليين قتلوا في عمليات فلسطينية، وخصم فوري لدفعات السلطة الفلسطينية إلى الأسرى وعائلات الشهداء في 2022، وتجميد بناء الفلسطينيين في المناطق “ج”، وسحب “منافع لشخصيات فلسطينية تقود الصراع القضائي السياسي ضد إسرائيل”
الجدير ذكره أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل شهد تراجعًا ملحوظًا في الأشهر الأخيرة، لا سيما في مناطق شمال الضفة الغربية مثل جنين ونابلس، ما أثار غضب إسرائيل، فميما تواصل الدعوات الأمنية داخل الاحتلال لتعزيز دور السلطة ومنع انهيارها لإعادة الحياة للتنسيق الأمني من جديد.
وبنظرة تحليلية للواقع القائم، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس أن هناك اختلافًا في وجهات النظر بين “نتنياهو” و”بن غفير” بخصوص حل السلطة الفلسطينية.
وأوضح أبو العدس أن “نتنياهو” يقيس الأمور وفقًا لسياسة المكاسب والمخاسر، “فالحفاظ على السلطة مكسب إستراتيجي، يُعفي الاحتلال من عبء أمني، واستنزاف إستراتيجي، وأنه يجب أن يبقى كيان فلسطيني متحكم في الفلسطينيين”.
وذكر أن “السيطرة الإسرائيلية المباشرة ستستنزف الاحتلال بشريًا وماديًا وأمنيًا، وسيدفع ذلك الاحتلال إلى التعامل اليومي مع كتلة بشرية ضخمة، وبالتالي سيكون هناك انتفاضة عارمة”، لكن “بن غفير” والقول للمختص أبو العدس يرى الأمور من “منظور ديني بحت، وهو إقامة الهيكل، وقمع الفلسطينيين”.
بدوره استبعد المحلل السياسي راسم عبيدات، فكرة خيار “حل السلطة الفلسطينية” من الجانب الإسرائيلي.
وعلل عبيدات بـ”التوازنات السياسية الحساسة والدقيقة، والمكاسب والمخاسر من هذا القرار، ولذلك حتى الآن المخاسر تبدو أكثر”.
وأمام هذه التطورات يبقى السؤال الأكبر المطروح الآن.. هل فعليًا اقترب موعد انهيارها ؟ ولمصلحة من سيكون ذلك؟