نوافذ

النازحون السوريون في لبنان: بين منظمات الأمم المتحدة وحكام لبنان ومنظمات المجتمع المدني

خاص من باريس

تمهيد فكروي

اللبنانيون والسوريون – في القانون الدولي – شعبان ، ينتميان  إلى دولتين مستقلتين، عضوين في الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة ، و في جامعة الدول العربية .  وهذا الوضع  التقسيميّ طرأ بعد اتفاقية سايكس- بيكو، التي حوّلت البلاد العربية ممالك، و دولاً، وإمارات ومشيخات؛ لأنّ العرب عامةً، وسكان سوريا الكبرى الطبيعية   خاصةً، كانوا شعباً واحداً، يتفاعل ضمن حدود الأمّة العربية الطبيعية ،  فالجغرافيا واحدة، واللغة  واحدة، والثقافة  واحدة ، والتاريخ واحد ، والطموحات واحدة…إلخ، بل إنّ ما كان بين لبنان وسوريا يتجاوز الوحدة الأوروبية ، لأن التفاعل الاجتماعي  – كالزواج  والسكن ،والعمل وملكية الأرض ووسائل الإنتاج والتجارة  …إلخ – كان ولا يزال أقوى من كل عوائق التجزئة  .  فالمؤسسات  الأساسية كانت واحدة كالمدرسة العسكرية لتخريج الضباط في البلدين ، وكالليرة السورية اللبنانية ، والجمارك المشتركة …إلخ ، قبل أن  تلجأ البرجوازية السورية إلى إلغائها لأسباب نفعية وطائفية ومذهبية ، يعرفها الدارسون جيداً،…

ولكن واقع البلدين الآن ليس كما كان، فهما متساويان في الانتماء إلى  أمهما الطبيعية،  وليس أحدهما جزءاً من الآخر، وهما جزآن من بلاد الشام، وهما يشبهان  ولديّ  امرأة واحدة  وأب واحد ، ولكن كل واحد منهما استقل عن الآخر بإنشاء أسرته الخاصة به ،  فلا يجوز  أن يطغى أحدهما على الآخر ، أو أن يستقوي أحدهما على الآخر، أو أن يسلب أحدهما الآخر ميراثه وثروته، بل يتعاونان  ويتبادلان المنافع ، ويحمي أحدهما الآخر حمايته لنفسه عند اللزوم ، ما داما قد استقلا ، واتخذ كلّ منهما طرقاً خاصةً به ، تحكم حركته وتطوره ونجاحاته أو فشله.

 “داعش ” وأخواتها:

عندما أمرت أمريكا و”  إسرائيل ” ” داعش  ” – وأخواتها وأصولها وفروعها وشبيهاتها –  بتفجير الداخل السوري، ونشر الشعارات الطائفية والمذهبية ، التي ترسل فريقاً من السوريين الى القبور، وفريقاً آخر إلى بيروت ، لتتخلص من المخالفين ، دفعت بسوريين مضللين  إلى لبنان،  فتجاوز عددُهم مليوني نازح، على الرغم من أن سورية آمنُ  من لبنان ، وتؤمِّنُ  لمواطنيها حياةً كريمة ، يتمناها معظم اللبنانيين .

قاومت  سوريةُ ؛  دولةً وحكماً وجيشاً ومؤسسات وشعباً ،  الإرهابيين، الذين غزوها من أكثر من ثمانين دولة ، وانتصرت عليهم بمساعدة حلفائها ،  عسكرياً ، وأسقطت بدعةَ ” دولة الخلافة “، ولكنها لم تستطع أن تجتثَّ جذورَ الفكرِ  الداعشيّ ، كما لم تستطع تجفيفَ المستنقعات الفكرية ، التي  يتوالدون فيها ويتكاثرون كالفطر السامّ ، انتظاراً  لأمرٍ أمريكي/ “إسرائيليّ  ”  باستئناف النشاطات العلنية .

وضع النازحين السوريين في لبنان ووظيفتهم المستقبلية :

يشكل النازحون السوريون في لبنان مصدر غنىً  لشريحة عريضة من حكام لبنان   وجمعياتهم الصورية ، ولما يسمّى بجمعيات المجتمع المدني ، ولعدد كبير من السماسرة الذين يهربون السوريين إلى لبنان  ، وفريق لا بأس به من اللبنانيين الذين يؤجرونهم البيوت والمساكن ، ولأصحاب الدكاكين، ولعصابات النشل والتشليح وترويج المخدرات والعملات المزورة .

والأخطر ممّا سبق هو منافسة النازحين  للبنانيين في كل أمور معاشهم ومعادهم  ، مثل الرغيف ، والسلع المدعومة ،  والكهرباء ، والعمل ، والمدرسة  ، وفي الأمور الاجتماعية والأسرية ، وتلويث البيئة والبحيرات والأنهار، واستهلاك البنية التحتية، ما جعل بعض الدارسين يقول إن عدد النازحين السوريين في لبنان هو  الأعلى في العالم تاريخياً من حيث عدد السكان  ومساحة الأرض ، و إن كلفة وجودهم  في لبنان تجاوزت خمسين مليار دولار أمريكي .

ما الوظيفة التي يُعدُّ النازحُ السوري للقيام  بها؟

إن كلّ ما مضى ذكره بسيط  ، وليس بشئ ، أمام الدور الذي يجعل النازح السوري يتمتع بامتيازات لا يحلم بها المواطن اللبناني . وهذا الدور دور سياسيّ ، عسكريّ ، طائفيّ، ومذهبيّ، سيفجّر لبنان وسورية والعراق، والكويت، والسعودية، والبحرين، واليمن ؛ أي  سيفجر  كل الدول العربية المشرقية طائفياً ومذهبياً ، وقد ينتقل لهيب هذا التفجير. إلى دول أخرى …

لماذا ؟

من المعروف  أن  الديموغرافيا اللبنانية حساسة جداً ، وهشة الى درجة خطيرة ؛ وتختلف نظرةُ كلّ فريق من اللبنانيين إلى النازحين السورين باختلاف  موقعه ونظرته إلى لبنان وسورية، لذلك نرى منظمات الأمم المتحدة في  لبنان ، إضافة إلى المستفيدين اللبنانيين، يعرقلون عودة النازحين إلى سورية،  على الرغم من الأمن والاستقرار في سورية ، وعلى الرغم من مراسيم العفو المتكررة…!

والحل  المرتجى ؟ :

إن حفظ العلاقات الأخوية الجيدة بين اللبنانيين والنازحين السوريين  هو الهدف  المرتجى . ولو كان النازحون يريدون  ضمَّ لبنان إلى سورية أو ضمّ سورية إلى لبنان – كما يتندر بعض السياسيين – لكان من الممكن أن يجدوا فريقاً من اللبنانيين والسوريين يحتضنهم  ويقف معهم ! ولكن المصيبة الكبرى أنّ  فريقاً من النازحين  يطمح إلى أن يصبح  ” لبنانياً  ” ، ليحارب سورية والسوريين ولبنان واللبنانيين المخالفين لهم  في الرأي  والعقيدة ، و لأنّ بعض هؤلاء النازحين لا يؤمنون مطلقاً بالوطن والوطنية، ولا يعترفون بالأمة العربية، بل يريدون نشر عقيدتهم الدينية/السياسية بالقوة  ، وبقطع الرؤوس واستعباد الناس وسبي النساء…!

إن السياسيين اللبنانيين مطالبون بإيجاد حلٍّ سريع ، بالتنسيق مع الدولة السورية  ، يعيد النازحين  الى سورية  بأ سرع وقت ،  حفظاً للأخوة  والانتماء إلى أمّة واحدة، وحفظاً لجيرة أزلية أبدية ، وتقويةً للتيار العلماني في سورية ولبنان ، و الذي يحفظ للجميع حقوقهم وواجباتهم .

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى