هل ستَنْجَح “نَصائِح” نِتنياهو في إخراجَ القُوّات الإيرانيّة مِن سورية بعد أن فَشِلَت غارات طَيرانِه

 

ليسَ مِن عادَة بِنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ، أنْ يُوجِّه النَّصائِح لأعدائِه وخُصومِه، لأنّ القادَة الإسرائيليّين، ومُنذ تأسيس كيانهم على الأراضِي الفِلسطينيّة المُحتلَّة، تَعوّدوا أن يتَعاطون مَع هؤلاء الخُصوم بلغة “غطرسة القُوّة” والتفوّق العسكريّ الجويّ والأرضيّ والبَحريّ، ولهَذا كانَت النَّصيحة التي وجَّهها رئيس الوزراء الإسرائيليّ إلى إيران بالخُروج سَريعًا مِن سورية أثناء حفل تنصيب الجِنرال أفيف كوخافي، رئيسًا لأركان الجَيش الإسرائيليّ خلفًا لغادي أيزنكوت خُروجًا عَن هذا التَّقليد، وتَغَيُّر مُعادَلات القُوّة والضَّعف في المِنطَقة في غَيرِ صالِح دولة الاحتِلال.

نِتنياهو هَدَّد الإيرانيّين بأنّه سيُواصِل سياسته الحازمة دون خوف، إذا لم يتقَبَّلوا نصيحته هذه ويُغادِرون الأراضي السوريّة بسرعة، واعتَرف قبلها (أيّ إطلاق هذه النَّصيحة) بيَومين أنّ إسرائيل هِي المَسؤولة عَن مُهاجَمة مخْزن للأسلحة قُرب مَطار دِمشق يعود إلى إيران وحزب الله، يوم الجُمعة الماضي، في سَابقةٍ غير مألوفةٍ، أثارَت العَديد مِن علامات الاستِفْهام.

لا نَعتقِد أنّ الإيرانيّين سيتَلقَّفون نَصيحَة نِتنياهو هذه، ويُنَفِّذون ما ورَد فيها مِن مَطالِب بسَحب قُوّاتهم وحُلفائهم مِن سورية، لأنّهم لم يَذهبوا إليها بتَصريحٍ مِن نِتنياهو ومُبارَكة حُلفائِه الأمريكان، بَل سيُفَسِّرونها على أنّها دليل ضَعف، واعتِراف بالفَشَل، وانعِكاسٌ لقَلَق صاحِبها ودولته وجَيشه ممّا هو قادِم مِن أيّام.

نِتنياهو الذي يتَولَّى حاليًّا حَقيبَة وزارة الحَرب في حُكومته بَعد استِقالة حليفه السابق إفيغدور ليبرمان، كشَف أنّ سِلاح الجَو الإسرائيليّ هاجَم مِئات الأهداف لإيران في سورية، على مَدى السَّنَوات السَّبْع الماضِيَة مِن عُمُر الأزَمَة، ولم يسْتَطِع بالتَّالي تَرهيب الإيرانيّين، وإجبارِهِم على سَحبِ قُوّاتهم، فمَاذا يستطيع أن يفْعَل أكثَر مِن ذلِك؟

هذا الفَشَل الإسرائيليّ يُمكِن أن يكون عائِدًا في نَظَرِنا إلى ثَلاثَةِ أُمورٍ أساسيّة:

الأوّل: أن نِتنياهو يكْذِب، وأنّ جميع الأهداف الإيرانيّة التي استَهدفتها طائِراته وصواريخه في سورية كانَت “وهميّة” ومِن صُنْع خياله، لأنّ الوُجود الإيرانيّ العَسكريّ يَزداد قُوّةً ليسَ في سورية فقط وإنّما في لبنان والعِراق واليَمن وقِطاع غزّة (حركتا حماس والجِهاد الإسلاميّ).

الثٍاني: وجود مَنظومات دفاعيّة سوريّة قويّة ومُتطَوِّرة على الأرض تَصَدَّت بكَفاءةٍ عاليةٍ لهذه الغارات، وحالَت دُونَ وصولها إلى أهدافِها بدَعمٍ روسيّ.

الثّالث: أنّ هذا الوجود الإيرانيّ ليسَ بالقَدَر الكَبير عَددًا وقُوّةً عسكريّة، وأنّ حديث نِتنياهو عنه ينْطَوِي على الكَثيرِ مِن المُبالغة، لابْتِزاز الأطراف الأمريكيّة والعربيّة، وتَسويق بِضاعته حَول الخَطر الإيرانيّ الذي يُهَدِّد المِنْطَقة.

هذه الاحتِمالات الثلاثة، مُجتَمعة أو مُتفَرِّقة وارِدَة، وغير مُستَبعدة، فلو كانت هذه الغارات الإسرائيليّة على أهدافٍ إيرانيّةٍ فاعِلة، لما بَقِيَ جُندي أو مُستشار إيرانيّ على الأرض السوريّة، خاصَّةً طِوال السَّنوات السِّت الماضية، التي كانَت تسْرَح فيها الطائرات الإسرائيليّة، وتَمْرَح في الأجواء السوريّة بحُريّةٍ مُطلَقةٍ، لعَدم وجود صَواريخ ودِفاعات جويّة قادرة على التَّصدِّي لها، مِثلَما هو الحال حاليًّا في ظِل تطوير منظومات دِفاعيّة صاروخيّة حديثة، وتسليم الجيش العربيّ السوريّ صواريخ “إس 300” الروسيّة، الأمْر الذي دَفَع الطائرات الإسرائيليّة على استِخدام الأجواء اللبنانيّة وعَدم التَّجَرُّؤ على دُخولِ السوريّة لإطلاقِ صواريخها على أهدافٍ في العُمُقِ السُّوريّ.

ما لَفَتْ نظرنا في خِطاب نِتنياهو في حفل تنصيب رئيس هيئة أركان جيشه الجديد حديثه عن الحَرب ضِد إيران بأُسلوبٍ يَنْطَوِي على الحَذَر و”المَسْكَنَة”، خاصَّةً عِندَما قال “هناك تحد مركزي يُواجِهنا يتَمَثَّل في إيران وفُروعِها الإرهابيّة، ومُواطِنو إسرائيل سيُواجِهون هذا التَّحَدِّي مُتَّحِدين لضَمانِ الخُلود لإسرائيل

وما يَجْعلنا نتَوقَّف عِند هذه الفَقَرة مَن خِطابِه، مُطالَبة أمريكا اليوم (الثلاثاء) الحُكومة العِراقيّة بحَل 67 فَصيلًا تعمل تحت مِظَلَّة الحَشد الشعبيّ العِراقيّ، وهو طَلبٌ أمريكيٌّ غير مسبوق، فجَميع هذه الفصائل كانت تحْظَى بمُباركةِ أمريكا عِندما كانَت تُقاتِل إلى جانِب قُوّاتها، بتَنْسيقٍ أو بُدونِه، للقَضاء على تَواجُد “الدولة الإسلاميّة” أو (داعش) على الأراضِي العِراقيّة، فمَا الذي تَغيَّر الآن؟

للإجابة على هذا السؤال نقول أنّ الذي تغيّر هو أنّ العِراق بَدَأ يستعيد عافيته، وقُوّته، وهُويّته الوطنيّة تَدريجيًّا، وباتَت هذه الفصائل، أو قِيادَتها، تُطالِب بانسحابِ جَميع القُوّات الأمريكيّة (عددها 5500 جُندي) مِن الأراضِي العِراقيّة، وتَرفُض استِخدام هذه القُوّات والقَواعِد الأمريكيّة فيها، لتَوجيهِ أيّ ضربات ضِد سورية وإيران، وباتَ خِطابُها السِّياسيّ والإعلاميّ يَعكِس عَداءً واضِحًا لإسرائيل وتَضامُنًا أوْضَح مَع سورية.

القُوّات الإيرانيّة وأذرعتها العَسكريّة دخَلت إلى سورية بطَلبٍ مِن قِيادَتها، وامتَزَجَت دِماء جُنودها مَع دِماء الجُنود السوريّين الذين استَهدفتهم الغارات الإسرائيليّة، ونَجْزِم بأنّها لن تَخْرُج إلا بعد استِعادَة الجيش العربيّ السوري لقُوّته وعُنفوانه، وكُل الأراضي السوريّة الخارِجَة عن سَيطرةِ الدولة، فعِندما كانت سورية قَويّة، مُستَقِرَّة، لم يتَواجَد على أرضِهَا جُنديّ إيرانيّ واحِد.

يُؤلِمنا كعَرب أنّ يتَحدَّث نِتنياهو في كُل خِطاباتِه الأخيرة عَن خَطَر إيرانيّ وجوديّ لإسرائيل، بيْنَما يتَباهَى بأنّ رئيس هيئَة أركانه الجَديد أجْرَى لِقاءاتً مُكثَّفَةً مع نُظرائِه في الجُيوش العَربيّة عَندمَا كانَ نائبًا لرَئيس هيئة الأركان وأقام مَعَهم صَداقاتً حَميمةً، وعانقَهُم أمام الكامِيرات وخَلفَها.

نَكتَفِي بهذا القَدر.. ولا نحتاج إلى المَزيد مِن الشَّرح.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى