تحليلات سياسيةسلايد

هل سيرضخ الأردن للضّغوط الأمريكيّة ومُغرياتها ويُشارك في “قمّة النقب 2” في جنوب المغرب؟

بينما ينشغل العالمان العربي والإسلامي بكارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سورية وأدى الى إستشهاد أكثر من 40 ألف شخص، وتدمير ما يزيد عن 60 ألف مبنى، تشهد القضية العربية الفلسطينية وجوارها ثلاثة تطورات رئيسية ربما تأتي نتائجها أكثر خطورة وأهمية في المستقبل المنظور:

الأول: ضغوط أمريكية جبارة يمارسها الثنائي انتوني بلينكن وزير الخارجية، وجيك سوليفان مستشار الامن القومي على الدولة الأردنية لإجبارها على المشاركة في “قمة النقب 2” المقرر انعقادها في جنوب المغرب الشهر المقبل، وهناك مؤشرات بأن الحكومة الأردنية أكثر ميلا للرضوخ الى هذه الضغوط المصحوبة بعروض مالية مغرية.

الثاني: تحذير رؤساء البنوك الاسرائيلية اثناء اجتماع طارئ لهم مع وزير المالية سموتريتش في مكتبه، من ان الأموال بدأت تغادر البلاد بمعدل أسرع عشر مرات من المعتاد في الأيام الأخيرة على أرضية مخاوف المستثمرين من خطط الحكومة “بإصلاح” النظام القضائي، وانعدام الأمن.

الثالث: مصادقة الكنيست (البرلمان) اليوم الأربعاء على قانون بسحب الجنسية او الإقامة عن نشطاء فلسطينيين “إرهابيين” في القدس والأراضي المحتلة عام 1948، ويُقدمون على تنفيذ هجمات ضد الجنود والمستوطنين، ويشرّع إبعادهم الى الضفة الغربية او قطاع غزة، سواء قبل او بعد صدور أحكام بإدانتهم وسجنهم.

اذا بدأنا بالتطور الأول، وهو توسيع دائرة المشاركة الحكومية العربية في قمة النقب، بضم الأردن والسودان، يمكن القول ان السلطة الفلسطينية التي انتقدناها بشراسة طوال الأعوام الماضية، بسبب تنسيقها الأمني، واتفاقات أوسلة، تقاوم كل الضغوط الامريكية بالمشاركة في هذه القمة “حتى الآن”، مثلما ترفض المغريات المالية الامريكية المعروضة كطعم لتمريرها، وهو موقف نأمل ان يتصلّب ويستمر.

السلطات الأردنية، ومثلما كشفت مصادر مطلعة، تريد غطاء فلسطينيا، تماما مثلما اتخذت من اتفاقات أوسلو عذرا لتوقيع اتفاق وادي عربة، والغطاء الذي تريده هو إشتراط مشاركة السلطة او من ينوب عنها فلسطينيا في هذه القمة، ويجري السيد هادي عمر مساعد وزير الخارجية وممثل أمريكا في ملف الصراع العربي الاسرائيلي المقيم حاليا في القدس المحتلة، اتصالات مع رجال أعمال فلسطينيين للقيام بهذه المهمة، وحضور هذه القمة، وتتردد أنباء بأن بعض الذين تم الاتصال بهم وافق مبدئيا على إبتلاع هذا الطعم، ويجري التكتم على الأسماء حاليا.

بلينكن صاحب الميول الصهيونية على حد وصف أحد مسؤولي السلطة الذين تحدثنا معه، يتبنى كليا وجهة نظر بنيامين نتنياهو بخصوص التركيز على توسيع اتفاقات “سلام ابراهام”، والتسريع بعملية التطبيع، وبما يؤدي الى “دمج إسرائيل” في المنطقة، وإعطاء الأولوية للملف الإيراني، ولا ننسى ان قمة النقب الأولى، والثانية القادمة، ستعقد برئاسة بلينكن صاحب حقوق طبعها.

اما اذا انتقلنا الى التطور الثاني، أي هروب رؤوس الأموال والاستثمارات من دولة الاحتلال بأكثر عشر مرات من المعتاد، فهذا يعود الى أمرين أساسيين:

الأول: انعدام الأمن بشكل متسارع في الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في الضفة او داخل الخط الأخضر، بسبب تعاظم العمليات الفدائية، سواء بالأسلحة النارية او بالدهس او الطعن، مما يعني تبخر عامل الاستقرار وهروب الأموال بالتالي.

الثاني: تآكل السمعة التي استغلتها دولة الاحتلال على مدى 74 عاما، في خداع العالم الرأسمالي الداعم لها، وتتمثل في التركيز على انها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، ولعل انتخاب حكومة فاشية يمينية متطرفة تريد تغيير النظام القضائي لإسقاط التهم بالفساد التي تطارد رئيسها نتنياهو، واتساع شرخ الإنقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، وتظاهر عشرات الآلاف بشكل شبه يومي ضدها و”إصلاحها” الكاذب، واتساع المخاوف بإنفجار حرب أهلية، كلها عوامل تؤكد ان “إسرائيل” تأثرت بمحيطها الديكتاتوري العربي، وباتت منسجمة معه، بدلا من ان تؤثر فيه، والسبب عنصريتها ومجازرها، وغطرستها، وشبكة الحماية الغربية لها.

ربما من محاسن الصدف، ان القانون الذي تبناه الكنيست بإجماع أكثر من 94 نائبا من مجموع 120، بسحب الجنسية والإقامة من نشطاء متهمين بالإرهاب، وإبعادهم، او بالأحرى “طردهم” الى الضفة او قطاع غزة، او حتى الأردن (نسبة كبيرة من اهل القدس يحتفظون بجنسيتهم الأردنية)، هذا القانون الإرهابي، وغير الإنساني، يؤكد ما ذكرناه آنفا حول سقوط اكذوبة الديمقراطية عن دولة الاحتلال، وسيعطي نتائج عكسية، أي زيادة عمليات المقاومة وتصعيدها.

مثل هذه الاجراءات التي لا تقدم عليها الا حكومات نازية فاشية، لن تؤدي الى تحقيق الأمن والاستقرار لدولة الاحتلال ومستوطنيها، والشيء نفسه يقال عن تزويد هؤلاء، أي مستوطنيها، بمئات الآلاف من الأسلحة النارية، تحت ذريعة الدفاع عن النفس.

ختاما نحذر رجال الأعمال الفلسطينيين الذين تتصل بهم السلطات الامريكية بكثافة هذه الايام للمشاركة في “قمة النقب 2” من الوقوع في هذه المصيدة، لان التهمة بالخيانة وتبعاتها تنتظرهم، والمعنى في “بطن” الكاتب.. والأيام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى