هل لتعديل النظام الداخليّ للحكومة الإسرائيلية علاقة بالملف النوويّ الإيرانيّ؟

مقدمة

أثار توقيت قرار الحكومة الإسرائيليّة الذي أدخل تغييرات في النظام الداخليّ لعمل الحكومة، ومنَح رئيس الحكومة صلاحيات إدارية إضافية، بعض التكهنات في خضمّ النقاش الحاد الجاري في إسرائيل بشأن توجيه ضربةٍ عسكريّة إسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة، إذ رجّحت هذه التكهنات أنّ القرار يهدف إلى تسهيل مهمة رئيس الحكومة في تمرير قرار ضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة. ولكن، سرعان ما تبيّن أنْ لا أساس لهذه التكهنات. فالصلاحيات التي أضيفت لرئيس الحكومة ليس لها علاقة بعملية صنع القرارات التي تخص الأمن القوميّ، مثل إعلان الحرب أو القيام بعمليات عسكريّة كبيرة. والنقاش الدائر في إسرائيل بشأن توجيه ضربة عسكريّة مستقلٌ عن تعديلات النظام الداخليّ للحكومة وصلاحيات رئيسها، ونفحص "في تقدير الموقف" هذا المسألتين، ونحاول أن نبيّن سبب التعديلات من جهة وأسباب النقاش الدائر بشأن توجيه ضربة عسكريّة لإيران.

التعديلات

كانت الحكومة الإسرائيليّة قد شكّلت قبل أكثر من عامين لجنةً لإجراء تعديلات في النّظام الداخليّ لعمل الحكومة، بهدف تحديثه، وتحسين أداء عمل الحكومة وتسهيل تنفيذ قراراتها وزيادة الصلاحيات الإداريّة لرئيس الحكومة. وكان النّظام الداخليّ للحكومة قد وُضع في عام 1948، وقد أضيفت إليه -مع مرور الوقت- مراسيم مختلفة، صيغت فيها كنصوص رسمية بعض التقاليد التي سنتها الحكومات المتعاقبة من دون نص واضح. وقد قام سكرتير الحكومة الإسرائيليّة تسفي هاوزر بتركيز عمل هذه اللجنة التي كُلّفت بتقديم اقتراحات للتعديلات. وقدّمت هذه اللجنة توصياتها للحكومة مؤخرًا. وفي يوم 12-8-2012، أقرّت الحكومة الإسرائيليّة توصيات هذه اللجنة. وقد شملت التّغييرات التي أقرّتها الحكومة في النظام الداخليّ النقاط التالية:
1.   يحق لرئيس الحكومة التصويت في اللّجان الوزاريّة التي تشكّلها الحكومة، والتي ليس رئيس الحكومة عضوًا فيها. ويحق لرئيس الحكومة كذلك تغيير جدول أعمال اللّجان الوزاريّة.
2.   يحق لرئيس الحكومة تجميد قرارات اللّجان الوزاريّة التي تشكّلها الحكومة ودعوة هذه اللّجان إلى مناقشة قراراتها مرة أخرى. وبإمكان رئيس الحكومة تجميد القرار مرة أخرى وعرضه على الحكومة لاتخاذ القرار بشأنه.
3.   يحق لرئيس الحكومة منع الوزراء الّذين يتغيّبون عن حضور اجتماع الحكومة لسبب من الأسباب من المشاركة في التصويت على القرارات التي تتّخذها الحكومة أثناء غيابهم. وقد كان يسمح قبل هذا التغيير للوزير الذي يغيب عن حضور اجتماع الحكومة المشاركة التصويت على القرارات التي تناقش خلال الاجتماع بتكليف أحد الوزراء بالتصويت عنه أو بإرسال تصويته على ورقة مكتوبة.
4.   يحق لرئيس الحكومة في حال تعذّر اجتماع الحكومة إجراء تصويتٍ هاتفيّ على قضيةٍ ما، خلال فترة 12 ساعة قبل تنفيذ القرار. وبإمكان رئيس الحكومة تقصير هذه الفترة الزمنيّة إذا رأى أنّ الضرورة تستدعي ذلك.
ومن الواضح أنّ هذه التعديلات التي مَنحت رئيس الحكومة صلاحيات إداريّة إضافية، لا تتعلق بقضايا الأمن القوميّ كشن حربٍ أو القيام بعملياتٍ عسكريّةٍ كبيرة. فالحكومة في إسرائيل هي الجهة الوحيدة المخوّلة باتخاذ قرار الحرب، ولا يوجد في إسرائيل منصب القائد العام للقوات المسلحة، والحكومة الإسرائيليّة كفريق هي التي تتولى هذا الدور. وينص قانون الحكومة الأساس بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ على ما يلي: "لا تشنّ الدولة حربًا إلا بقرار من الحكومة". أمّا بخصوص القيام بعملية عسكريّة كبيرة قد تقود إلى حرب، فلا يستطيع رئيس الحكومة وحده، ولا مع وزير الدفاع ووزير الخارجيّة، ولا "لجنة الوزراء التّسعة" لوحدها، اتخاذ القرار؛ وإنّما ينبغي تمرير مثل هذا القرار على الأقل على "لجنة الوزراء لشؤون الأمن"، والتي يبلغ عدد الوزراء فيها حاليًا 14 وزيرًا.
وفي ما يتعلق بمن يتخذ قرار توجيه إسرائيل ضربةً للمنشآت النوويّة الإيرانيّة، يجري الحديث في الأيام الأخيرة في إسرائيل عن أنّ نتنياهو قد لا يعرض هذا الأمر على الحكومة لاتخاذ قرار فيه، وقد يكتفي بعرضه على "الكابنت المصغر" (اللجنة الوزاريّة لشؤون الأمن). وقد رفع مثقفون إسرائيليّون مؤخرًا عريضةً تطالبُ بضرورة أن تكون الحكومة الإسرائيليّة هي الجهة المخولة باتخاذ مثل هذا القرار.
وفي أجواء اللّغط الكثير في إسرائيل عن الملف النوويّ الإيرانيّ، والتساؤلات بشأن أيّ مؤسسة يتخذ قرار ضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة فيها، أكّد وزير الدفاع الإسرائيليّ إيهود براك في خطابه أمام الكنيست في يوم 16-8-2012، أنّه إذا ما استدعت الضرورة أن تقوم إسرائيل بضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة، فإنّ الحكومة الإسرائيليّة بكاملها هي التي ستتّخذ هذا القرار.

نتنياهو وبراك والضربة العسكريّة ضد إيران

ما انفكّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة نتنياهو ووزير الدفاع براك يطرحان بشدة ضرورة قيام إسرائيل بتوجيه ضربةٍ للمنشآت النوويّة الإيرانيّة قبل أن تفرغ إيران من وضع منشآتها النوويّة في "مجال الحصانة". وقد طوّر براك في الشهور الأخيرة الماضية مصطلح "مجال الحصانة" الذي قصد به سعي إيران إلى وضع المنشآت النوويّة الحيويّة في مواقع في باطن الأرض محمية جيدا ضد الضربات العسكريّة. ودعا براك إلى قيام إسرائيل بضرب المنشآت النوويّة الحيويّة الإيرانيّة قبل فراغ إيران من إقامة "المجال المحصّن". وفي سياق تبشير نتنياهو وبراك بتوجيه ضربة عسكريّة إسرائيليّة ضد إيران وتلويحهما المستمر بأنّ على إسرائيل القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، نشبَ خلافٌ جديّ علنيّ بينهما من ناحية، والإدارة الأميركيّة من ناحية أخرى، بشأن إمكانية قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكريّة ضد إيران قبل الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة المقبلة. ويبدو أنّ هدف نتنياهو وبراك من طرح خلافهما مع الإدارة الأميركيّة على الملأ عشية الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، هو الضغط على الرئيس أوباما لكي يقدم على القيام بالتالي:
1.   فرض المزيد من العقوبات الشديدة والخانقة على إيران.
2.   انتزاع تصريحٍ رئاسيٍّ علنيٍّ من الرئيس أوباما، يلتزم فيه باستعمال القوة العسكريّة الأميركيّة لمنع إيران من الوصول إلى القدرة على إنتاج سلاحٍ نوويّ، وعدم الاكتفاء بتصريح الرئيس أوباما العامّ الذي التزم فيه بأنّ الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النوويّ. فنتنياهو وبراك يريدانه أن يعلن الالتزام باستعمال الولايات المتحدة القوة العسكريّة لمنع إيران من الوصول إلى القدرة على إنتاج سلاحٍ نوويّ.
3.   الضغط على الإدارة الأميركيّة للشروع في الاستعدادات اللوجستيّة، والبدء في نقل مختلف القوات العسكريّة الضرورية لتوجيه ضربة عسكريّة حاسمة ضد إيران إلى مواقع قريبة من إيران.

موقف الإدارة الأميركيّة

في مقابل ذلك، بذلت الإدارة الأميركيّة بدورها جهدًا كبيرًا في توضيح موقفها الملتزم بمنع إيران من الوصول إلى القدرة على إنتاج سلاح نوويّ، والمعارض في الوقت نفسه لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكريّة لإيران، وخاصة قبل الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة. وفي سياق هذا المسعى الأميركيّ، قام عديد من كبار المسؤولين الأميركيّين بزيارات متتاليّة إلى إسرائيل، واجتمعوا ليس فقط مع نتنياهو وبراك لثنيهما عن توجيه ضربة عسكريّة لإيران، وإنما أيضًا مع مسؤولين إسرائيليّين آخرين، ومع العديد من كبار الصحافيّين الإسرائيليّين الذين يعارضون توجيه ضربة عسكريّة إسرائيليّة لإيران قبل الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة. ويستشف من وسائل الإعلام الإسرائيليّة -ومن التسريبات التي حظيت بها من مسؤولين أميركيّين- أنّ موقف الإدارة الأميركيّة، والذي يلتقي مع مواقف قطاعٍ واسعٍ من المسؤولين الإسرائيليّين وكبار الصحافيّين وقادة المؤسسة العسكريّة والأمنيّة الإسرائيليّة، شدّد على مسائل مهمة كثيرة في معارضته لقيام إسرائيل بتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لإيران، وخاصة قبل الانتخابات الأميركيّة المقبلة، ومن أبرزها:
1.   لن تتمكن الضربة العسكريّة الإسرائيليّة من وضع حدٍّ للمشروع النوويّ الإيرانيّ وستقود -في أحسن الأحوال- إلى تأخيره سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.
2.   ستحدث هذه الضربة الإسرائيليّة أزمةً حقيقيةً بين إسرائيل وأميركا وستكبح الولايات المتحدة عن استعمال قوتها العسكريّة ضد إيران في ربيع العام المقبل، في حال فشلت المساعي الأخرى المختلفة في إقناع إيران بوقف مشروعها النوويّ.
3.   قد تقود الضربة الإسرائيليّة إلى تفكيك التحالف الدوليّ القائم حاليًا ضد إيران، وقد تقود أيضًا إلى فك العزلة الدوليّة عنها.
4.    قد تمكّن الضربة الإسرائيليّة إيران من الاستمرار في تطوير مشروعها النوويّ على أرضيّةٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ أفضل. وقد تقدم إيران على سحب توقيعها على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النوويّة.
5.    ستقود هذه الضربة إلى مواجهةٍ عسكريّةٍ ليس فقط مع إيران وإنّما مع حزب الله أيضًا، وهو الذي يمتلك ترسانةً من الصواريخ القادرة على إلحاق أذًى جديّ بالجبهة الداخليّة الإسرائيليّة.
6.    قد يقود استمرار إسرائيل في تحدّي الإدارة الأميركيّة في الملف النوويّ الإيرانيّ إلى فتح الإدارة الأميركيّة موضوع الملف النوويّ الإسرائيليّ، وقد يقود ذلك إلى تعريض التفاهمات الأميركيّة – الإسرائيليّة بهذا الشأن للخطر.
7.    في مقابل قدرة إسرائيل العسكريّة المحدودة في إلحاق الأذى بالمشروع النوويّ الإيرانيّ، تمتلك الولايات المتحدة الأميركيّة القدرة العسكريّة الكافية لتدمير المشروع النوويّ الإيرانيّ بالكامل، حتى وإن كانت إيران قد حصّنت جميع منشآتها النوويّة الحيويّة عميقا في باطن الأرض. فالولايات المتحدة الأميركيّة تمتلك أنواعًا حديثةً من الصواريخ والقنابل القادرة على اختراق تحصينات هذه المنشآت النوويّة، ومن ضمنها قنابل صنعت حديثًا تزن كل واحدة منها 15 طنًا، صُمِّمت خصيصًا لاختراق المنشآت المحصنة في عمق باطن الأرض.
ويواجه سعي نتنياهو وبراك لتوجيه ضربة عسكريّة إسرائيليّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة من دون التنسيق مع الولايات المتحدة وأخذ موافقتها المسبقة، معارضةً شديدةً من جميع قادة المؤسسة العسكريّة – الأمنيّة الإسرائيليّة. ويفضّل هؤلاء أن تقوم الولايات المتحدة الأميركيّة بتوجيه هذه الضربة العسكريّة.
كما يواجه نتنياهو وبراك صعوبةً كبيرةً، وفق المعطيات والمعلومات العلنيّة المتوفرة حتى الآن، في الحصول على أغلبيةٍ في الحكومة الإسرائيليّة لتوجيه ضربةٍ عسكريّةٍ إسرائيليّةٍ ضد المنشآت النوويّة الإيرانيّة، لا سيما في ضوء معارضة جميع قادة المؤسسة العسكريّة – الأمنيّة الإسرائيليّة لهذه الضربة في الوقت الحاضر، وفي ضوء انقسام موقف "لجنة التسعة الوزاريّة" بهذا الشأن. صحيح أنّ الحكومة الإسرائيليّة (أي المستوى المدنيّ وليس العسكريّ) هي التي تتّخذ القرار، ولكن الحكومة الإسرائيليّة تتّخذ القرارات في قضايا الأمن القوميّ -وفق ما هو متبع- بناءً على قراءة الواقع الذي تقوم به هيئات المؤسسة العسكريّة – الأمنيّة، وخاصة قسم الأبحاث التابع لجهاز المخابرات العسكريّة (أمان)، وبناءً على تفسير هذه الهيئات العسكريّة للواقع، وبناءً على التوصيات التي تقدمها للحكومة. وقد احتكرت المؤسسة العسكريّة في إسرائيل -منذ إنشائها وحتى اليوم- قراءة الواقع الأمنيّ والاستخباريّ وتفسيره، وهو ما منحها قوةً مهمة في التأثير في عملية صنع القرارات التي تخص الأمن القوميّ، وبشكلٍ حاسمٍ في كثير من الأحيان. وقد طوّرت هذه الهيئات، وخاصة قسم الأبحاث في جهاز المخابرات العسكريّة (أمان)، كفاءات متخصصة في مجال القدرة على قراءة الواقع وتحليله وتقديم مقترحات ومشاريع قرارات وبدائل متعدّدة للحكومة. فعندما يجري بحث مسألةٍ أمنيّةٍ مهمة، يشارك الجنرالات (ممثلو المؤسسة العسكريّة – الأمنيّة) في اجتماعات الحكومة واجتماعات "الكابنت المصغر" واجتماعات "لجنة الوزراء التسعة"، ويكون في حوزتهم معطيات ومعلومات وتحليلات ومشاريع ومقترحات وبدائل أُعدّت بمنهجية وهي نتاج عمل هيئاتٍ في المؤسسة العسكريّة، وهو ما يؤدي إلى تفوّق مقترحاتهم ومواقفهم ومشاريع قراراتهم.
فإذا ما طرح نتنياهو مسألة توجيه ضربةٍ عسكريّةٍ للمنشآت النوويّة الإيرانيّة على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ قرار بشأنها، سيظهر قادة الهيئات العسكريّة – الأمنيّة ويشاركون في الاجتماع ويقدّمون قراءةً للواقع وتفسيرًا له وتوصيات، وهؤلاء  هم: رئيس الأركان وقائد سلاح الجو ورئيس جهاز المخابرات العسكرية (أمان)، وربما يصطحب معه رئيس قسم الأبحاث التابع لجهاز المخابرات العسكريّة (أمان)، وقائد قسم التخطيط في هيئة الأركان ورئيس الموساد وقائد الجبهة الداخليّة وقائد الأسطول. وجميع هؤلاء الجنرالات يعارضون بشكلٍ واضحٍ توجيه ضربةٍ للمنشآت النوويّة الإيرانيّة في الوقت الحاضر، ويتبنون بشكلٍ عامٍّ موقفًا قريبًا من الموقف الأميركيّ في هذه المسألة. وسيجد نتنياهو وبراك صعوبة كبيرة في تمرير هذا القرار في الحكومة، عندما يظهر في الحكومة جميع الجنرالات بموقفٍ واحدٍ مبلور (ومهنيّ الطابع والتبرير) ضد توجيه ضربة عسكريّة لإيران في الوقت الحاضر، وقبل الانتخابات الأميركيّة.

المركز العربي للدراسات للأبحاث ودراسة السياسات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى