هل يطوي حكم المحكمة، صفحة إغتيال الحريري ؟؟!

 

خاص باب الشرق

يعلمنا التاريخ أن أي صراعاً بين أطراف المجتمع لا يمكن أن يطوى إن لم يعالج وتنتفي عوامل النزاع فيه لتحل محلها قواسم تعاون أو تعايش.. وكما يعرف الكبير والصغير أن إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أحدث إنقساماً كبيراً، ليس في الشعب اللبناني فقط، بل على إمتداد المشرق العربي وصولاً لبعض الآفاق العالمية كفرنسا وأميركا. ومن اللحظة الأولى للإغتيال وقع الإنقسام، واشتعل نزاع كبير وظل يستعرمع الأيام، مع مرور فترات إتقاد الجمر تحت الرماد إنتظاراً لنسمة تعيد الإشتعال و تطلق الإحتراق.

و في 18/ 8/2020 أعلنت المحكمة الدولية في لاهاي حكمها في هذه القضية، حيث أدانت سليم عياش و برأت المتهمين الثلاثة الآخرين، وأوردت القاضية في تفاصيل الحكم ، و بشكل واضح، أن لا علاقة لقيادة حزب الله وسورية في جريمة الإغتيال. . . و استغرقت المحكمة حوالي العشر سنوات في دراسة ومداولة الأدلة حتى توصلت إلى حكمها، و السؤال : هل تطوي المحكمة بحكمها هذه القضية، و هل يفتح الباب لمعالجة النزاع و الصراع الذي نتج عن هذا الإغتيال.

و من يدقق في حكم المحكمة هذا يجد أنه يمتلك كل العوامل اللازمة لمعالجة الخلاف والنزاع الناشب عن جريمة إغتيال الحريري. فهو من جهة ، أدان المرتكب وأنزل به الحكم، ومن جهة أخرى برأ قيادة حزب الله, وسورية. وكلا الأمرين، إدانة المرتكب وبراءة حزب الله وسورية، يحققان البيئة اللازمة لمعالجة هذه القضية وإطفاء النزاع حولها . فإدانة المرتكب ترضي أولياء الدم و حلفاؤهم، وتبرئة سورية وحزب الله تفتح الطريق لاستعادة التعاون الطبيعي المطهر من الأحقاد والمظالم والإحساس بالغبن. . . فهل تسعى أطراف هذه القضية لإستثمار حكم المحكمة في معالجة قضية الإغتيال و إطفاء النزاع القائم بسببها ؟؟ و هل يلبي كل طرف ما عليه لتحويل هذا الحكم إلى عنصر تقريب و تعاون ؟؟ و هل ترتقي الأطراف كافة إلى مستوى الواجب الوطني, بتقديم بعض التضحيات لتفعيل فرصة الحكم وتحويلها إلى بيئة تعاون وتعاضد بدل التنابذ والتباعد ؟؟ إن المصلحة الوطنية اللبنانية السورية العربية، و المسؤولية التاريخية تجاه الأخطار التي تحيق بلبنان، والمعاناة الشعبية جراء النزاع القائم، كل ذلك يحتم على أطراف القضية كافة إعتبار الحكم إحقاقاً للحق وتحقيقاً للعدالة وتسوية عادلة لقضية خطيرة ومعالجة تفتح أبواب التعاون الوطني وتستبعد صراعاً يمكن أن يحرق ما تبقى من إمكانيات الحياة و الإستمرار.

الحكم الصادر في قضية الحريري فرصة لمعالجة هذه الأزمة وإنهاء النزاع حولها. إن أستغلها الأطراف سيعبرون بلبنان و المنطقة إلى آفاق أكثر أمناً و إستقراراً، أما إن استمر كل طرف باستثمار جزئية من هنا  و جزئية من هناك للتعنت والمكابرة، فهذا ما يشكل نسفاً لهذه الفرصة المتاحة للخروج من الصراع و الشقاق إلى التعاون والإتفاق. إنها لحظة التحدي الكاشفة لمن يسعى للوحدة الوطنية، و لمن يصر على الصراع و الإقتتال و الفناء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى