تحليلات سياسية

همزات الوصل والقطع في تشكيل الحكومة الإسرائيليّة القادمة

 على الرغم من كلّ ما يُنشر عن سيناريوهات تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، لا يستطيع أحد أن يجزم بالنتيجة، وإن فعل ذلك، فمن باب الحظ.

تقدم الكتل التي فازت في الكنيست توصياتها حالياً أمام رئيس “الدولة” الإسرائيلي روبي رفلين، لتساعده في اتخاذ القرار لتكليف مرشح لتشكيل الحكومة القادمة، وفق القانون. القانون لا يلزم رئيس “الدولة” بتكليف المرشح الذي يحظى بأكبر عدد من التوصيات/ عدد النواب، وهو يمتلك الصلاحية، وفقاً لماهية التوصيات، بأن يكلّف مرشحاً آخر يعتقد أنه صاحب الحظ الأوفر في تشكيل الحكومة. هذا التفصيل وغيره من التفاصيل المهمة ينساها الكثير من محلّلي المشهد الانتخابي الإسرائيلي.

من المتوقّع أن يقوم رفلين بتكليف أحد المرشحين لتشكيل الحكومة، ويعطيه فرصة مدتها 28 يوماً. وما لم ينجح في ذلك، يمدد له 14 يوماً إضافياً. وفي حال لم ينجح إطلاقاً في تشكيل الحكومة، من حقه أن يكلّف مرشحاً آخر، ويعطيه فرصة لمدة 28 يوماً. وما لم ينجح، من حق الرئيس أن يعلن عن فشل المحاولات وعن انتخابات جديدة.

من حقه أيضاً أن يعيد الموضوع إلى الكنيست لمدة 3 أسابيع. وخلال هذه المدة، يستطيع 61 عضواً أن يرشحوا أي عضو كنيست، باستثناء الذين تم تكليفهم وفشلوا في المهمة، ليشكل الحكومة الجديدة، فيأخذ المرشح الجديد من رئيس “الدولة” فرصته لتشكيل الحكومة خلال مدة لا تتجاوز 14 يوماً، فإن نجح وصادق الكنيست على الحكومة الجديدة ينتهي الأمر. وما لم يصادق عليها، يكون الكنيست قد قرر “أوتوماتيكياً” حل نفسه، ويتم الإعلان عن موعد لانتخابات جديدة.

على الرغم من كلّ ما يقال ويُنشر عن سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة، لا يستطيع أحد أن يجزم بالنتيجة. وإن فعل ذلك، فمن باب الحظ، لا من باب اليقين أو التحليل الموضوعي، وذلك لسيولة المواقف والتحالفات، وغياب الأجندة الاقتصادية المتصارعة، وانعدام الفوارق الإيديولوجية الجوهرية وترجمتها في السياسة الخارجية والأمنية، وانتشار الانتهازية والابتزاز في صفوف الكتل المركبة للكنيست الصهيوني على العموم.

وإضافةً إلى الصراع بين الكتل الدينية المتزمتة والكتل العلمانية، وما يشكله شخص بنيامين نتنياهو من أزمة قيادة، بسبب غياب شخصية سياسية منافسة تحظى بإجماع وازن في “المجتمع” الإسرائيلي، تبرز في الأيام الأخيرة 3 حلقات تجعل المشهد الإسرائيلي أكثر تعقيداً: نفتالي بينيت (كتلة يمينا)، ومنصور عباس (العربية الموحدة/ الإسلامية الجنوبية)، وبيني غانتس (كتلة كحول لفان/ أزرق أبيض).

نفتالي بينيت يضع نفسه في الوسط. وبلغة الابتزاز وانتهاز الفرصة، يطلب رئاسة الحكومة لنفسه، على الرغم من أن قائمته لا تتعدى 7 مقاعد من 120 مقعداً، فيما يمتلك منصور عباس 4 مقاعد. ورغم ذلك، يُقيّم مكانته العددية في الميزان، ويتناسى قيمته السياسيّة في نظر الأحزاب الصّهيونيّة، ويحاول أن يلعب، وفق قوانين اللعبة الإسرائيلية، بلغة المساومات، “حُكلّي تا حُكلّك”، وهي لغة الأحزاب الدينيّة، الحريديم، ونهجها، مع التّذكير بأنَّ الأحزاب الدينية، الحريديم، هي النموذج الذي تحاول الحركة الإسلامية في الكنيست تقليده منذ أن انشقّت عن الحركة الأم ودخلت إلى الكنيست في العام 1996.

أما بيني غانتس، فهو يحمل راية الصهيوني الحكيم، رغم فشله المتراكم، ويصرّح أنه لا يجوز ترك نتنياهو يشكل حكومة يمينية متطرفة من “دون قوة موازنة لقوة الصهيونية المتدينة” بقيادة سموطريتش في الحكومة، ما يعني، وفق ما قالت زعيمة حزب العمل، أنه لا ينفي الانضمام إلى نتنياهو مرة أخرى بحجة “التوازن” المطلوب.

مقابل كلّ ذلك، يقوم مقربون إلى نتنياهو – ولا شكّ في أنّ ذلك يحصل وفق تنسيق غير معلن معه – بفحص سيناريو مختلف تماماً، هو عبارة عن صفقة يقوم نتنياهو بموجبها بالتخلي عن ترشحه إلى منصب رئاسة الحكومة، ويسمح لأي عضو آخر من “الليكود” بأن يقوم بذلك. في المقابل، يعلن رئيس “الدولة” الحالي عن عفو خاص عنه من كلّ التهم الموجّهة إليه، ويتم انتخابه رئيساً لـ”الدولة”، بدلاً من ريفلين الذي سيترك الرئاسة قريباً جداً وفق القانون.

وعليه، فقد تم استطلاع الرأي العام، ونُشرت النتائج في موقع “واللا” صباح الإثنين. وقد تبيّن أن 53% من الجمهور اليهودي يرفض هذا السيناريو، بينما يقبله 30% فقط. أما على الصعيد الحزبي، فيُظهر الاستطلاع أن 59% من مؤيدي الليكود يقبلون بالصفقة، فيما يرفضها 18%. وهكذا يبقى القبول والرفض في يدي نتنياهو أولاً، وتحت علامة سؤال كبرى.

في ظلّ غياب الاختلاف في الأجندة السياسية والأمنية والاقتصادية من جدول الأعمال الحكومي والأحزاب الطامحة إلى المشاركة في تشكيل الحكومة، تقدمت الأجندة الاجتماعية، وخصوصاً الصراع بين العلماني/ الليبرالي والديني وتأثيره في الحياة العامة والخاصة، وأصبح المتدينون، يهوداً أو مسلمين، أقرب إلى بعضهم البعض من اليهود أنفسهم أو العرب أنفسهم، وهي ظاهرة جديدة لا بدَّ من التوقف عندها، والسؤال: هل هي حقاً أجندة اجتماعية فقط أو أن لها بعداً سياسياً محلياً، وربما إقليمياً؟ من هي الأطراف الفاعلة؟ من هو المبادر؟ ومن أبدى حسن النية أولاً أو قدم التنازلات؟ ومن الطرف الذي يتوجب عليه أن يقدم التنازلات في المقابل؟

الوزير السابق بن عزري (شاس) قال لموقع “معاريف”، صباح الإثنين، إنه “لا يرفض أن يكون منصور عباس وباقي العرب في إسرائيل شركاء في الحكم”، وأضاف: “قبل سنتين، تقدمت بفكرة لإقامة حزب عربي يهودي يحمل مشروعاً للانضمام إلى الحكومة. شاس كان جسراً بين العرب واليهود دائماً. لدينا ناخبون كثر من العرب، وأنا ضد التعميم. قبل سنتين، أجرينا استطلاعاً بين الجمهور العربي، ووجدنا غالبية تريد الاندماج في إسرائيل، وهو ما نجح منصور عباس في فهمه”.

فكرة انضمام القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس إلى حكومة نتنياهو خلقت خلافاً في الرأي داخل “الليكود”، وداخل حزب “يهدوت هتوراة” (حريديم أشكناز) أيضاً، فعضو الكنيست أوري مِكلِب (يهدوت هتوراة) يرى وجوب الاعتماد على “الموحدة” لتشكيل حكومة جديدة برئاسة نتنياهو، بينما يرى آخرون، ومنهم رئيس القائمة يتسحاق بندروس، أن منصور عباس “يدعم الإرهاب”، ولا يجوز الاعتماد عليه، ولكن في نهاية الأمر، يتفق الطرفان على أن الربانيم الكبار هم أصحاب القرار، وأن الكتلة تلتزم بقرارهم.

خلاف الرأي لم يقتصر على حزب واحد من حلفاء نتنياهو الأقرب في القائمة الصهيونية المتدينة، برئاسة بتسلئيل سموطريتش وبن غفير؛ هذه القائمة التي وصلت إلى الكنيست بفضل تحالفها مع الليكود، وبفضل بنيامين نتنياهو بشكل خاص. في تصريح لافت للرّاف يتسحاك شيلوح، رئيس المدرسة الدينية في مستوطنة معاليه أدوميم، وهو من مؤيدي سموطريتش، لقناة الكنيست في 3 نيسان/أبريل، قال: “يمكن أن نتعاون مع الحركة الإسلامية بالطبع، وخصوصاً أن لهذا التعاون أبعاداً تتعدى تشكيل الحكومة؛ أبعاداً محلية وإقليمية أيضاً، وعلى مستوى العلاقات بين اليهود والمسلمين”.

أما سموتطريتش، فيرى أن منصور عباس ومن معه لم يستجيبوا لكل الشروط المطلوبة بعد. وعليه، فقد أبلغ نتنياهو بأنه يرفض الجلوس في أي حكومة “مدعومة من العرب، وإن كان الدعم خارجياً أو حتى بالغياب عن جلسة الكنيست للمصادقة على تشكيل الحكومة”. وأضاف: “يجب أن ننتظر حتى ينمو بين العرب في إسرائيل حركة تتخلى عن حلم تحقيق أمانيها الوطنية في أرض إسرائيل (فلسطين)، وتطلب أن تعيش بشراكة مدنية في الدولة اليهودية”.

هذا الشرط الأخير الذي وضعه سموطريتش هو تكرار لما جاء في مقالة جابوتنسكي تحت عنوان “الجدار الحديدي” في العام 1923، والتي قال فيها: “إن الشعب الحي”، وهو يتحدث عن الشعب الفلسطيني في وطنه، “لا يتنازل عن حقوقه في المسائل المصيرية إلا إذا فقد كل أمل لتحقيق أحلامه”.

من هنا، يتضح أن المعركة الحقيقية هي معركة تركيع حتى التسطيح، ومعركة على ما تبقى لنا من أمل في تحقيق حقوقنا الوطنية، في وقت يعمل كل أعداء شعبنا، من الخليج إلى المتوسط، وعبر البحار، على سلبنا ما تبقى لنا من أمل.

أما المصيبة الكبرى، فتكمن في أن بين ظهرانينا من ادّعى القيادة والحكمة، وأخذ على عاتقه الترويج لفكرة العجز عن مقاومة الاحتلال والصهيونية. وبدلاً من ذلك، يقترح التصالح والشراكة في المصالح، وعلى هذا يحتدم الصراع أكثر وأكثر.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى