نوافذ

هوميروس بلا طروادة

هوميروس بلا طروادة … كانت الحرب تدق طبولها في ربيع 2003. ولكن البيت الأبيض أراد تبييض احتجاج الشعراء الذين فاجأوا القراء والزعماء ب 3500 قصيدة ضد الحرب، والعدد مرشح للتزايد، في بلورة حركة احتجاج يقوم بها شعراء أحسوا أن بلادهم ذاهبة إلى حرب مصالح لا إلى تصنيع الديمقراطية في العراق، بإزاحة مستبد شرقي.

بادرت “لورا بوش” زوجة الرئيس إلى دعوة أهم الشعراء إلى ندوة ثقافية في البيت الأبيض تتناول سيرة حياة وإنتاج الشعراء: والت وايتمان،وإيميلي ديكنسون، ولانجستون هيوز في 12 شباط/ فبراير 2003 ـ قبيل الحرب وفي 15شباط فوجيء المدعوون بإلغاء الدعوة، لأن المخابرات قالت ستتحول الندوة إلى مركز احتجاج صاخب في قاعة من قاعات البيت الأبيض.

أحد الشعراء قال: “إن واجب الشعر وجزءاً من دوره هو أن يعبر عن رأي الشاعر بما يجري بصوت عالٍ ومسموع”.

وقال آخر ـ جاي باريني ـ “الشعراء يكتسبون أهمية وقت الأزمات. فلغتنا متطهرة فيما يسيء السياسيون استخدام اللغة”.

حدث هذا في بلد تغلب على نزوعه العاطفي لغة الحياة اليومية، العملية والباردة. بلد مصاب بـ 11 أيلول يغذي مواطنيه بخطورة قادمة أخرى… حدث هذا في حقل الشعر لأن الشعر خبير بويلات الحروب، سواء كانت ذات شرعية، أو كانت ذات أهداف سياسية ولكن يفوح من رائحتها النفط.

إن هوس يوم القيامة، الذي تخترعه نزعة القوة والسيطرة، ليس مما يثير الطمأنينة لدى الشعراء، كما أن يوم القيامة، عسكري الطابع، والذي يغري البصرية الهوليودية دائما، ليس المشهد المحببّ بالتأكيد لمن اختص بالأسئلة كالشعراء… هؤلاء الذين يولدون غالباً من سؤال وجودي أول. الذين يجعلون الوقت المستقطع من الحياة، وقتاً لا زماً لروح الإنسان في عصر الصناعة القصوى.

وبما أنه واجباً تقنياً أن يجر العربة حصانان…فالشعراء الأمريكيون أصحاب هذه الآلاف من قصائد اللعنة على الحرب… لم يناقشوا ديكتاتورية صدام حسين، بل لا أخلاقية المصالح الى تزج بأمة كاملة في حرب. ناقشوا الخسائر، والنتائج، والضحايا ودمار بلاد جائعة ومنهكة، وشعب خارج من ثماني سنوات حرب مع إيران.

ثمة وضوح هذه المرة…. وضوح الالتباس الذي أدى إلى انقسام العالم، انقسام الأفراد. التمزق الوجداني… الخيارات الدرامية: زوال الديكتاتور، وإنتاج استبداد الاحتلال.

وقد اختلفت التسميات…. ولكن الشعراء العرب سكتوا، على الرغم من جرثومة العدوى البيضاء التي يفترض أن تكون انتقلت من شعراء أمريكيين إلى شعراء عرب. لكن الشعراء كانوا ينقسمون، كما العالم العربي، إلى مهرجانات، منهم:

جنارديون، وعويسيون، ومربديون، وكردستانيون، ونوبليون.

نحن نعرف لا الشعراء الأمريكان منعوا الحرب ولا العرب كانوا سيخففون عدد القتلى.

الشعراء العرب“، كالشعوب العربية جرى تخييرهم بين: غزو، وديكتاتورية، وحرب أهلية. وكان ينقصهم “هوميروس” لكي يكشف لنا العقوبة الإلهية في ” كعب أخيل”… عندئذٍ تحدث “طروادة” مستنسخة، وذات نكهة كاريكاتورية في أدب الانحطاط.

أما اليوم… فنحن بانتظار الرجل على دربكة في عرس ومأتم، على صفيح ساخن لترقص القرود!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى