وقف إطلاق النار في سوريا: ماذا بعد؟

وقف الحرب مطلب السوريين، إلاّ القلّة الذين لهم مصلحة في استمرارها. مع ذلك جاء وقع الاتفاق الروسي – الأميركي على «وقف الأعمال العدائيّة» غريباً. وكأنّ لا أحد يستطيع أن يصدّق أنّه بالإمكان وقف انحدار سوريا والسوريين نحو مزيدٍ من الجحيم.

برغم المفاجأة التي خلقتها، كانت خطوة الاتفاق الروسي – الأميركي تبدو متوقّعة، إذ نصّ قرار مجلس الأمن الرقم 2254 على الصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار والعمليّة السياسيّة. كما أشارت الورقة غير الرسميّة التي نُشرت عن موقف الولايات المتحدة إلى أنّ التعاون الأمنيّ بين المتصارعين على الأرض بغية الوصول إلى وقف لإطلاق النار هو أوّل خطوة عمليّة في سياق الحلّ.

وسبق تلك الخطوة تحرّك لافت من المبعوث الأمميّ ستيفان دي ميستورا للضغط على السلطة السوريّة لإيصال المعونات للمناطق المحاصرة. وهذا بدأ يأخذ حيّز التنفيذ.

واللافت أنّ السلطة، كما المعارضة السوريّة المتجمّعة في «الهيئة العليا»، كانتا غائبتين عن المبادرة في ما يخصّ هذه التطوّرات، بل خضعتا لضغوطٍ كبيرة كي تتماشيا معها. السلطة تعرّضت، وعلى الأخصّ رئيسها، لخطابات قاسية اللهجة جاءت من موسكو. اللهجة القاسية نفسها تضمنتها ضمنيّاً تعليقات السيّد كيري وزير الخارجية الأميركي حيال «الهيئة العليا» للمفاوضات. ولم يأتِ من قبل الدول الإقليميّة للطرفين سوى تصعيدٍ خطابيّ وبعض الاستفزازات، بدا واضحاً أنّ التوافق الروسي – الأميركي تعامل معها لاحتوائها.

هكذا وبرغم هزالة المشهد في جنيف استطاع السيّد دي ميستورا أن يُعلِن انطلاق المفاوضات السياسيّة قبل نهاية كانون الثاني 2016، التزاماً بقرار مجلس الأمن. ثمّ أنقذ الأمور عبر إعلانه تأجيل جولات المفاوضات حتّى 25 شباط، استباقاً لنيّة «الهيئة العليا» إعلان انسحابها من التفاوض. ذاك الموعد الذي تمّ تقريباً نسيانه في سياق التحضيرات لوقف إطلاق النار.

هكذا يبدو أنّه تمّ نزع القرار في الملفّين الأمني – العسكري كما الإغاثي من أن يكونا موضوعَي تفاوضٍ عقيم بين السلطة و «المعارضة». السلطة تريد الذهاب إلى التعامل مع جميع الأطراف التي تناهضها على أنّها «إرهابيّة»، والمعارضة المسلّحة غير قادرة على وضع تنظيم «النصرة» جانباً. هكذا تقوم أسس الاتفاق الروسي – الأميركي على إبقاء جبهتين فقط مفتوحتين: الأولى ضدّ «داعش» والثانية مع «النصرة» ومَن يختار البقاء معها. وهذا بالضرورة يُمكن أن يؤدّي إلى فرزٍ بين قوى المعارضة المسلّحة، وبالتالي إلى جعل إمكانيّة استعادة توحيد البلاد والحلّ السياسي أكبر. أضف إلى أنّ التوافق الروسي – الأميركي سيخلق تبايناً في مواقف الدول المساندة للسلطة كما بين تلك الداعمة للمعارضة. تباينٌ يُمكن هو بدوره أن يساعد في الحلّ السياسيّ لصراعٍ أضحى في جوهره «لعبة أمم» على سوريا وفي سوريا.

من ناحية أخرى، يُمكن لفصل الملفّ الإنسانيّ والإغاثي عن مفاوضات الحلّ السياسي وأسس نظام الحكم القادم مع ما يرافقه من وقفٍ للقصف العشوائي، بالبراميل وغيرها، وشروعٍ بإيصال المساعدات إلى جميع المناطق، خاصّة المحاصرة منها، أن يأتي بمناخٍ جديد يعيد سبل الحياة إلى المواطنين الذين يقاسون الأمرّين من فظاعة الصراع ويفتح الأمل بأنّ الحلّ له معنى. فمصير البشر لا يجوز أن يكون أداة لأيّ طرف سياسي، سوري أو إقليمي أو دولي. بل هو ملفّ إنسانيّ قبل كلّ شيء.

وفصل الملفّين العسكري والإنسانيّ عن الملفّ السياسيّ يُمكن أن يعيد إحياء قوى المجتمع التي سئمت الحرب ومقاتليها وهيمنتهم… ربّما كي تسنح الفرصة لها للتأمّل قليلاً وتقول كلمتها في ما أخذتها إليه السلطة كما «المعارضة». وحينها سيكون للسياسة معنى، أكثر من دعم دول بعينها لهذا الطرف أو ذاك. وحينها يمكن للسوريين أن يقولوا إذا ما كانوا يريدون العيش المشترك أم الشرذمة والتقسيم إلى مللٍ ونحل.

ما زال الطريق طويلاً بالتأكيد. ولكنّ ربّما هناك بارقة أمل جديّة لوقف المعاناة والتدمير العبثيّ.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى