يوميات ناقصة | ربيع يابس (نزيه أبو عفش)

 

نزيه أبو عفش

«إلى جولان حاجي»
في لوحةِ الإعلان، قبالةَ مقهى رويّال مباشرةً،
صورةٌ لجدارٍ أبيض
ونافذةٍ خشبيةٍ عتيقةْ
مفتوحةٍ على هواءٍ وشمسْ.
و…لا أحد. أبداً لا أحدْ.
في كلّ مرة، أنظرُ وأقولُ مُواسِياً نفسي:
بعد قليلٍ تُطلُّ من النافذةْ..
المرأةُ التي لا تَظهرُ في الصورةْ
بعدَ قليلٍ تُطلُّ من النافذةْ.
أنظرُ، وأُواصلُ النظرَ، وأقول:
بعد قليلٍ يظهرون..
الأولادُ الذين لا يُرَون في الصورةْ
بعد قليلٍ يظهرون.
أنظرُ وأنظُرُ وأُطيلُ النظر.
لا شيءَ يتغيّرُ
سوى أنني
بين الحين والآخر
أتخيّلُ أنّ الريحَ حرّكَت المصراع
وأنّ أحداً يصرخُ من الداخل:
الهواءُ بارد. أرجوكم، أغلِقوا النافذة!
.. .. .. ..
مضى الربيعُ كلّهُ، والانتظارُ كلّهُ، والأحلامُ كلّها
ولم يظهر أحد.
أيكون البيتُ مهجوراً ؟
أم أنّ المرأةَ (العانسَ التي لا أولادَ لديها)
يئستْ من الانتظار
وغادرتْ إلى بلادٍ أخرى؟
31/3/2011

رُواةُ السيرة

أنتم الذين تَتَشَمّسون في الحديقةِ الخلفيةِ لإيوانِ الربّ
تُدَخّنون السلامَ والضجرْ
وتُرَمّمون سِيَرَ الحياةِ الناقصةْ..
كيف لكم أنْ تُقَدّروا آلامَ مَن يجلسون في الداخل
مضمومين على هواءِ أنفسِهم كديدانِ الأرض
يطحنون دموعَهم بأسنانهم
ويُشعلون الشموع
لجثامينِ أنفسهم
النائمةِ داخلَ التوابيت!
31/3/2011

أخطاءُ الخوف

كأنما لم يتغيّرْ شيءْ.
في الماضي
كنّا إذا سمعْنا صرخةَ امرأةٍ تُغْتـصَب
نهزّ رؤوسنا ونقول:
«المسكينةُ نافدةُ الصبر..تؤنِّبُ أطفالها».
وإذا أبصرْنا جثةً عالقةً على ضفّةِ النهر
نقول: «لعلّهُ كيسُ قمامةْ!».
.. .. ..
الآن، إذْ نسمعُ صوتَ المرأةِ المؤَنِّبةْ،
نقول: «العذراءُ سيئةُ الحظ ..إنهم يغتصبونها».
وإذا أبصرْنا كيسَ قمامةٍ عالقاً بين أعشابِ الضفّةْ
نقول مُتَحَسّرين:
«تُرى، جثّةُ مَن
تلك التي تَتَخبّطُ في مجرى مياهِ النهرْ؟..».
.. .. ..
بين أمسِنا الكفيف وغَدِنا الأعمى
لا شيءَ يتكرّرُ
سوى الظلمات
وأخطاءِ القراءةْ.
2/4/2011

رائحةُ الغائب

في غيابي
ساعةُ الحائطِ لن تتوقّفَ عن الطنين،
والهواءُ سيزدادُ قتامةً وصمتاً
كأنهُ يتذكّرُ رائحةَ لحمي.
3/4/2011

أعدائي البِيض/ أعدائي السود

لطالما قلتُ لأعدائي:
انتبهوا! أنتم ذاهبون إلى الموتْ.
وطالما قلتُ لأعدائهم:
وأنتم أيضاً ذاهبون إلى الموتْ.
لا هؤلاء صدَّقوا ، ولا أولئك.
أما أنا فأستطيع منذ الآن
أنْ أرى ما حدثَ في المستقبل:
الأعداءُ ماتوا. وأعداؤهم أيضاً.
وحْدهم أبناؤهم اليتامى
واقفون بانتظاري على أبوابِ جبّاناتهم
ليقولوا لي:
آه يا شيخَنا التعيس
كم كنتَ صادقاً في نبوءتِكْ!
4/4/2011


صحيفة الأخبار اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى