شرفات

يوم بكى أستاذنا غسان الرفاعي وهو يحكي عن الصحافة !

يوم بكى أستاذنا غسان الرفاعي وهو يحكي عن الصحافة !… انتبهت في وقت متأخر إلى أنني أعيش وهم المهنة التي اشتغل فيها، (أي الصحافة)، فكل الأحلام التي راودتنا ونحن نترك كل شيء من أجلها، ضاعت، وإذا بنا نعيش إحباطاً وراء إحباط، وربما يكون مرد ذلك إلى أننا توهمنا أن بالإمكان الشغل في صحافة حقيقية وتقديم أنفسنا كصحفيين حقيقيين!

في أحد دروس (فن الصحافة)، وكنا طلاباً، دخل إلى القاعة أستاذنا الدكتور غسان الرفاعي، وكان يومها قد أنجز مجموعة حوارات لافتة من بينها حواره مع قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني في عام 1979، وحواره مع رئيس الوزراء الهندي موراجي ديساي الذي يشرب كل صباح كأسا من بوله ..

خرج الدكتور غسان عن أصول محاضرته الأخاذة، فحكي عن مفاجأته وهو يريد الدخول إلى مكتبه بقرار إقالته من منصبه كرئيس لتحرير صحيفة تشرين، ثم بكى، وقال : من الضروري أن أحكي لكم عن الإحباط وأنتم في أول الطريق، لكي لا تفاجأوا بعد زمن !

ولأنه أسهب في حديثه، وحكى عن أشياء كثيرة، سأقتصر على الإشارة فقط إلى بكائه وتحذيره التاريخي لنا، وأقول أنني تذكرت ذلك، وأنا أشاهد الشريط المصور الذي نشره الإعلامي الكبير مروان صواف من كندا يعلق فيه على ما نُشر عن (وفاته وهو حي)، وأيضا غص مروان صواف بالبكاء، وبكينا نحن الذين نشاهد الشريط !

قبل نحو ربع قرن دار بيني وبين مروان حديثٌ عن إغراءات السفر التي تقدم له، وكان يريد أن يبقى لأن الصحفي في بلده يكون أكثر قوة وأكثر ارتباطاً بقضايا الناس، ورفض مروان كل الإغراءات وبقي في بلده ، إلى أن عاد وسافر تحت ضغوط كبيرة في العمل، ثم استقر في كندا..

ما الذي يجري لمهنة الصحافة؟!

ولماذا نشعر بغصة بين فترة وأخرى، ونحن نحاول  الوقوف عند تجربتنا؟!

سؤالان مهمان، الإجابة عليهما تفتح على تفاصيل كثيرة لها علاقة بمجموعة الظروف التي نعيش فيها، والتي تحيط ببلدنا سورية الحبيبة، فمن الضروري أن نؤسس لقاعدة تقوم على احترام الصحافة ورجالها، لأن الصحافة أحد العناوين الحضارية لأي بلد في العالم، وخاصة أنها تشعبت إلى أبعد من الورق، وتحولت إلى عالم من الصناعات المتصلة بمهنة الإعلام ، وأن المشتغلين بها هم صانعو الرأي العام ، وهؤلاء ينبغي أن يكونوا بخير وأن تحترم تجاربهم وأن نتعامل مع آرائهم باهتمام وأن نتعلم من خبراتهم التي تحولت مع الزمن إلى دروس للمجتمع.

لا نريد أن نبكي ونحن نحكي عن تجربتنا في الصحافة ، ولا نريد أن يخاف الصحفيون الشباب من المستقبل، ولكن من المفيد لنا كحالة حضارية تعيش أقسى مراحل التاريخ أن لا نقع في صناعة الإحباط ..

وللحديث بقية ..

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى