يوم قيامة الهويات..

ـــ ١ ـــ

… مهرجان عنف يبشّر به دعاة «انتفاضة الشباب المسلم» في مصر يوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر). الدعاة غامضون حتى بالنسبة لجهات التحرّي الأمني.غموض يكشف هشاشة البنى التنظيمية لاطلال جماعات انتظار الخلافة بعد ازاحة محمد مرسي وسقوط جماعة الإخوان المسلمين في ماراثون الدفاع عن مقعد الحكم.

التبشير بالعنف تحت شعار «معركة الهوية» يبدو من ناحية «انتحاراً سياسياً» لجماعة الإخوان التي نادت في تظاهراتها الاخيرة «وادعشاه» ورفعت أعلامها السوداء .

الجماعة التي قدمت نفسها في صورة «تنظيم سياسي» يمثل «الوجه المعتدل لجماعات انتظار الخلافة أسفرت عن تطرفها الكامن فاضحة عنصريتها التي تسميها «هوية»، وفي بيان رسمي أعلنت «تثمين» حرب الهوية من دون إشارة الى فقرات العنف في برنامج «يوم القيامة المقبل».

والجماعة في انتحارها حاولت اللعب بكل ماتمتلك من بلاغات مدمّرة فاعتبرت «انتفاضة الشباب المسلم» استكمالاً لثورة الشعب المصري، وكأنها كانت «ثورة اسلامية» تعلن تفوق المسلمين وتثبت تميزهم عن البشرية أو فوزهم النهائي بالسيطرة على الاجتماع العام في مصر مقدمة للسيادة على الكون.

اختزال الثورة/ أو التغيير في وهم الهوية «الاسلامية» قدر تعيس يدفع قطاعات واسعة من المجتمع المصري الى مخابئ الاستقرار، أي تثبيت الوضع الراهن، في نسخة ينادي فيها العراقيون على المنقذ الدولي بقيادة أميركا او انتظار الليبيين لمعجزة تحالف دولي جديد… بمعنى مختصر: التشبث بالوضع الراهن في مواجهة «غزاة» يعيشون بالقرب منا او يخرجون من داخلنا.

ـــ 2 ـــ

و… الهويات تقتل!

بمعنى أنه على المخالفين الالتحاق بمن قهرهم في السابق، أو من حوّل حياتهم جحيماً أو احتلالا هرباً من الذين يرفعون المصاحف ويخرجون لينصروا دينهم ويحررون بلدهم لتحتلهم جحافل مقاتلي السكاكين تحت رايات «داعش…» أو نسخها المنتشرة بطريقة «الماركات العالمية» (الفرانشيز) بينما الجهات الأمنية تصاب بالجمود الكامل (الشرطة المصرية) خوفاً من احتفالية غامضة تدعو الناس الى التزام البيوت وعدم الخروج… كأنها تدعم الرعب او تستثمر فيه او على الأقل تعجز عن التعامل الاحترافي معه…

بمعنى أشمل فانهم يطالبون برفع المصاحف لكنهم لا يحددون في وجه من… فالسلطة ترفع مصاحفها عبر مؤسسات غارقة في عمليات اثبات تدين الدولة الى درجة اقتصار مهام الدولة على مهمة «الدفاع عن الاسلام» أو «تقديم صورة الاسلام الصحيح»…، الخلافة، فالدولة التي تأسست على مفاهيم علمانية، وحوّلت علمانيتها الى مجرد غلاف تُحشَر تحت طبقات من الهويات الدينية والقبلية والطائفية… سرعان ما تصعد ممزقة الغلاف ليبقى الصراع الجنوني على من ينفرد باحتكار علامة «الفرقة المؤمنة / الناجية».

ـــ 3 ـــ

…وليس غريباً هنا أن تلقى حرب «الهويات» القاتلة، بما تساق اليه قضية فلسطين... فالصعود اصبح عنيفاً لـ«يهودية اسرائيل»… استكمالا لواقعية الخرافات التي تدفع الصراع على فلسطين الى «حرب أديان» تستدعي تفاصيلها التي كنا نضحك عليها (… مثلا الشجر الذي ينادي على المسلم بأن يهودياً خلفه…) ستصبح اقرب الى الواقعية بعد قليل… وهنا لن تكون دولة فلسطين، هي ارض التحرر من الاستعمار وعودة الحق لكنها معزل عنصري ومستعمرة عقاب لمن لا تنطبق عليه «يهودية اسرائيل»… وأن على المهزومين في حرب التفوق العنصري ان يطمئنوا اسرائيل (… من دون اغلفة علمانية / ديموقراطية…) على أمنها…

وهذه أقل المفارقات مأساوية في جحيم «حرب الهويات…».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى