عبد الله الخاني : الشاهد !!! (2)

الوزير والدبلوماسي عبد الله الخاني في الحلقة الثانية من حوار مطوّل وحصري وخاص لـ «الوطن»: أول مرة في تاريخ السلطات العربية يجري التسليم بروتوكولياً بين الأتاسي والقوتلي.

الانقلابات وتغيّر السلطات جعل عبد الله الخاني إلى أن يذهب في منحة للأمم المتحدة في المراسم ودراستها علمياً بين إنكلترا وفرنسا، وحين عاد كانت عودته مع رحيل الشيشكلي وعودة القوتلي إلى سدة الرئاسة فكان أن استفاد من دراسته في المراسم لينظم مراسم انتقال السلطات بين الرئيسين السابق الأتاسي والمنتخب القوتلي في أول مظهر من مظاهر التسليم الديمقراطي في الوطن العربي.

… يفتح الأستاذ الخاني ملفات اللقاءات السياسية التي كانت مرافقة لحرب 1948، وما دار في الاجتماعات بعدها، ويحكي حكاية اكتشاف النفط في سورية، وحقائق للمرة الأولى عن الوحدة وكيف تمت… يروي بألم غياب الثقة بين العرب والتي كانت وراء كثير من الأزمات..

وهل أوضح من قوله: الوزراء السوريون في الوحدة لم يكن لهم إلا الوجود الشكلي؟!

وبقيت مع الشيشكلي؟

الشيشكلي لم يستلم الرئاسة فورا، بل بقي رئيساً للأركان فترة، وأحضر فوزي سلو رئيساً للدرك، وبقيت أنا في القصر، وفوزي كان دمثاً ورجلاً محترماً وبعد الانتخابات استلم الشيشكلي الرئاسة في الجمهورية، بصراحة لم أرغب في العمل معه، وفي وقتها جاءتني منحة من الأمم المتحدة لمدة ستة أشهر، فاخترت أن أدرس المراسم في إنكلترا وفرنسا باعتباري كنت مدير مراسم، وقلت لنفسي سأقارن بين نظام ملكي ونظام جمهوري، وبالتالي أمضيت ثلاثة أشهر في لندن وثلاثة أشهر في باريس، وفي الحقيقة استفدت كثيراً من تجربتي في البلدين، وكانت هذه الفترة هي نفسها التي كان فيها الشيشكلي رئيساً للجمهورية، وفي اليوم الذي عدت به إلى سورية كان الشيشكلي قد غادر البلاد، وعندما وصلت طائرتي في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وفي حين خروجي من الطائرة قلت: «الجو هنا أجمل من الجو في أوروبا هناك كان الجو بارداً وماطراً» فأجاب الرجل الذي كان بقربي: «لكن الجو السياسي ليس جميلا» فقلت له: «خير إن شاء الله» فرد علي «لقد صار.. انقلاب على أديب الشيشكلي ولا أعرف من قام به، ولكن طلب منا أن نهيئ له طائرة للسفر عند اللزوم» هنا قلت له: «كيف سأصل أنا إلى منزلي؟» أجاب: «هيأنا لك وللمجموعة التي معك سيارة»، وفي طريقنا وقبل أن نصل إلى دوار مستشفى المواساة، كانت هناك ثلاث سيارات قد أغلقت الطريق، والأشخاص الذين كانوا موجودين نصوح بابيل والحفار وآخرون وأرادوا أن يعملوا سبقاً صحفياً مع مصورين كي يأخذوا صوراً لأديب الشيشكلي وهو يهرب من سورية، لكنّ الشيشكلي كان قد أخذ سيارته وسافر بها إلى بيروت، ولم يذهب بالطيارة، هنا كان ابتداء الانقلاب الجديد، وعاد الأتاسي رئيساً للجمهورية كي يكمل فترته، حيث بقي سنة ونصف السنة، وعندما انتهت فترته ذهبت وفود إلى الإسكندرية طالبت القوتلي كي يعود، فعاد وأجريت انتخابات فانتُخب القوتلي رئيساً للجمهورية، وهنا لأول مرة في تاريخ السلطات العربية كان الانتقال بشكل دستوري وعلمي ومسالم، وكنت استفدت من فترة وجودي في المراسم في فرنسا حيث حضرت هناك انتقال السلطات بين رينو كوتيه وأوريول، ولكن أنا هنا أضفت إليها أموراً كثيرة جميلة حيث أطلقوا عشرين طلقة.

وعاد القوتلي رئيساً وأنت عدت معه إلى القصر؟

بقيت مع الأتاسي سنة ونصف السنة، وبقيت مع القوتلي نهيئ للوحدة، وللحقيقة فإنه من عام 1946 عندما انتخب رئيساً للجمهورية قال «لن يرفع فوقها إلا علم الوحدة العربية»، لذلك عندما أعيد انتخابه بدأ العمل في سبيل إقامة وحدة بيننا وبين مصر، ولكن كان يسعى لأن تكون وحدة على أسس مدروسة، وعندما عاد للرئاسة في الخامس من أيلول عام 1955، كان هناك مشروع جونسون لتحويل مجرى نهر الأردن، وكانت أميركا تصر على تنفيذه لمصلحتها في المنطقة، ونهر الأردن ينبع من سورية باتجاه الأردن، ولكن إسرائيل كانت تريد أن تستفيد منه، لذلك عملوا مشروعاً قام فيه جونسون وكانوا يريدون فرضه على البلاد العربية، فطلب الرئيس القوتلي اجتماع رؤساء مصر والسعودية وسورية في مصر كي يبحثوا هذا الموضوع، فاجتمعوا في القاهرة وأنا كنت أقوم بأعمال الأمانة العامة، وحضرت هذا الاجتماع الذي كان في 15 آذار عام 1956، لكن الرئيس القوتلي ذهب قبل أسبوع ورافقته أنا وعائلته، وأمضينا الأسبوع الأول في أسوان، وطلب مني أن أرتب الأوراق وأقدم دراسة على شكل مشروع وحدة عربية، وفي 15 الشهر عدنا إلى القاهرة، وعاد الملك سعود من أميركا بعد أن قابل الرئيس أيزنهاور، وكان وقتها جمال عبد الناصر هو رئيس جمهورية مصر، فعقدنا اجتماعاً على أعلى مستوى، وبحثنا موضوع جونسون وهل يمكن لأميركا أن تفرضه علينا بالقوة، وإذا فرضته فكيف لنا أن نقاومها، وترأس الاجتماع جمال عبد الناصر باعتبار الاجتماع في مصر، وكان معه محمد فوزي وزير الخارجية، وعلي صبري مدير مكتب الرئاسة للشؤون السياسية، على حين الوفد السوري كان مؤلفاً من شكري القوتلي رئيساً ومن الأعضاء سعيد الغزي الذي كان رئيس الوزراء ومني أنا، أما بالنسبة للوفد السعودي فكان مؤلفاً من الملك سعود والشيخ يوسف ياسين، وهو سوري الأصل، وكان نائب وزير الخارجية في السعودية، وسأل الرئيس جمال عبد الناصر الملك سعود لأنه كان عائداً من زيارة الرئيس الأميركي أيزنهاور عن الرأي الأميركي في هذا الموضوع، وأخبره الملك بأن الرئيس الأميركي مهتم جداً بهذا الموضوع وأنه ممكن أن يحل كل المشاكل العالقة في المنطقة، وطبعاً الرئيس رد بضرورة أخذ رأي الأردن باعتبار النهر يمر بأراضيها، فاتصلوا بالملك حسين ولم يحضر، لأنهم لم يبلغوه في وقت سابق، وكان طلبه أن يُنقل الاجتماع إليه في الأردن معتبراً أن الموضوع يهمه، وأنه سيكون حاضراً في الاجتماع المقبل.. الأمر الذي اضطرهم لمتابعة الاجتماع من دونه، وكان مجرى البحث في الاجتماع أنه إذا وقعت الحرب بين سورية وإسرائيل فكيف سيكون موقف الدول العالمية الكبرى من الموضوع؟ فسألوا وزير الخارجية المصرية محمد فوزي الذي قال: «إذا وقعت الحرب لا يمكننا أن نطلب من الاتحاد السوفييتي أكثر من أن يتخذ قراراً بوقف القتال في مجلس الأمن، أو نطلب منه أسلحة، ولكن لا يمكننا أن نطلب منه أن يتدخل»، كما سألوه كيف سيكون ثقل القوى السورية والعربية في هذه الحرب إن وقعت؟، هنا قال: «للجواب عن هذا الأمر علينا أن نستدعي رؤساء الأركان أو وزراء الدفاع»، وطبعاً بدأنا بوزير الدفاع المصري عبد الحكيم عامر الذي قال وقتها: «إذا وقعت الحرب فلن أقف إلا في تل أبيب حتى لو اتخذ مجلس الأمن قراراً بوقف القتال، وحتى لو أمرتني سيدي الرئيس جمال عبد الناصر.. أنا لن أقف إلا في تل أبيب»، أنا استغربت كلامه وتساءلت في نفسي هل هو عالم بقوة إسرائيل أو من خلف إسرائيل؟، وقلت في نفسي من هو وما مصدر قوته كي يتكلم كلاماً كهذا؟ حينها سُر جمال عبد الناصر كثيراً بكلام عبد الحكيم عامر، ثم أحضروا شوكت شقير رئيس الأركان السوري وهو ضابط معروف قال لهم: «إذا وقعت الحرب بيننا وبين إسرائيل، بصراحة لا يمكنني أن أخفي عليكم، بإمكاننا أن نصمد لأربع وعشرين ساعة» فنظروا كلهم باستغراب وقال له شكري القوتلي «أربع وعشرون ساعة» فأجاب :«سيدي لا يمكنني أن أخفي عليكم الأمر، وفي أفضل الظروف يمكنني أن أصمد ثمانياً وأربعين ساعة، لأن الأسلحة التي تم طلبها من الاتحاد السوفييتي لم تأت بعد، كما أننا بحاجة إلى وقت كي يتم التدريب عليها»، كما أحضرت السعودية وزير دفاعها الذي قال: «نحن لدينا طيارات ولا نملك طيارين» فقال له جمال عبد الناصر «نحن لدينا طيارون… سنرسلهم إليكم»، هذا الاجتماع كان في 15 آذار عام 1956، بعد ستة أشهر يعني في تشرين الأول كان العدوان الثلاثي، وكادت القوات الإسرائيلية تصل إلى القاهرة لو لم توقفها أميركا، وأين هنا كلام المشير عبد الحكيم عامر الذي كان يريد أن يقف في تل أبيب؟، أما فيما يتعلق بدراسة مشروع الوحدة، فكان الرئيس القوتلي قد طلب مني أن أوزّع الورق الذي قمت بتحضيره، وقال لي «لربما استطعنا في البيان النهائي لهذا الاجتماع أن نشير إليها» فاتصلت أنا مع يوسف ياسين وعلي صبري، والذي حصل بأنهما لم يضعا شيئاً عنها في البيان النهائي، الأمر الذي أزعج الرئيس القوتلي، وطلب مني أن أستفسر عن السبب، فسألت يوسف ياسين الذي قال: إن جمال عبد الناصر لم يرض، وأيضاً سألت علي صبري الذي قال: إن الملك سعود لم يرض أيضاً، وعندما سألت الرؤساء بشكل شفهي كانوا أخبروني بأنهم سيقومون بدراسة مشروع الوحدة، وسيكون الاجتماع القادم بعد ستة شهور في الدمام في السعودية، وسيتم بحثه بشكل أفضل، وكان هذا ضمن اتفاق بأن يكون هناك اجتماع للرؤساء الثلاثة كل ستة أشهر، وطبعاً انفضّ الاجتماع على أساس أن نحضّر أنفسنا للاجتماع القادم في الدمام، وهذا ما حصل واجتمعنا في الدمام في شهر آذار، ولكن بعدها بفترة وعلى التحديد في شهر حزيران أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً بتأميم قناة السويس ثم بعدها بفترة أصدر قراراً اعترف من خلاله بالصين الشعبية.

نصرّ على أننا كسبنا حرب 1948 ثم خسرناها كيف؟

هنالك أربعة مواضيع مهمة حدثت خلال 1948 وعام 1958 وأهم هذه الأحداث كانت حرب الدول العربية على إسرائيل عام 1948، هذه الحرب التي كسبناها ثم أضعناها، كنا كسبناها عندما قررت بريطانيا أن تنسحب وتسحب قواتها من فلسطين في 15 أيار 1948، إسرائيل من جهتها هيأت نفسها لذلك اليوم، وديفيد بن غوريون تم انتخابه رئيساً لإسرائيل وخطب وقال «الآن قامت دولة إسرائيل»، ومن هنا بدأت الدول تعترف بإسرائيل، كان من المفروض أن يقيم الفلسطينيون حكومة لأنفسهم، وأن يحصلوا على اعتراف الدول العربية والدول الإسلامية والدول الصديقة، لأن عددها أكبر بكثير من عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل، فمن يعترف بدولة فلسطين أكثر بكثير، وهنا أخطأ كثيراً الفلسطينيون بشكل خاص والعرب بشكل عام.

لكن أنا عندما أقرأ التاريخ لا أرى أنه كان للفلسطينيين في ذلك الوقت قيادة موحدة؟

سأكمل لك… في تلك الفترة جاء أمين الحسيني وقال «أنا الزعيم» باعتباره كان زعيم القدس، وكان مدعوماً من هتلر من ألمانيا ومن جماعة المحور، وكان يرى نفسه أكثر شخص يصلح لقيادة الدولة الفلسطينية، لكن الخالدي قال «نحن أهم لأنه بإمكاننا أن نجمع عدداً أكبر من الاعترافات»، ثم اتفقوا أن تقوم الدول العربية بتحرير فلسطين ويقوم الفلسطينيون بانتخابات، وهنا كان الخطأ كبيراً، ثم قررت الدول العربية القيام بحرب ضد إسرائيل للقضاء عليها، لأنه لم يكن ممكناً أن تعترف الدول العربية بقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى قسمين، وهنا كان الخطأ كبيراً جداً، وكانت الحرب التي قررتها الدول العربية على إسرائيل على جبهات، في الجبهة الجنوبية والجبهة الشمالية والشرقية، الجبهة الجنوبية والجنوبية الغربية لم يكن من خلاف عليها لأنها كانت تابعة إلى مصر، والجبهة الشمالية كان فيها سورية والأردن والعراق ولبنان، وهنا وجد الخلاف، فعقدوا اجتماعاً في درعا وحضره الرئيس القوتلي ومعه جميل مردم بك الذي كان وزير دفاع، وحضر الاجتماع أيضاً الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله ومعه وزير الدفاع جلال بابان، ومن الأردن جاء الملك عبد اللـه ومعه الأمير سمير الرفاعي رئيس الوزراء ووزير الدفاع، أما من لبنان فحضر بشارة الخوري، كما حضر الاجتماع أيضاً عبد الرحمن عزام باشا أمين جامعة الدول العربية، وفي الاجتماع أصر الملك عبد اللـه على أن يكون هو القائد لهذه الجبهة.

والجيش المصري كان متقدماً في الجبهة الأخرى؟

الجيش المصري كان متقدماً إلى الفلوجة… وفي هذه الأثناء اتخذ مجلس الأمن قراراً بوقف القتال، وتم تبليغ القوات بهذا القرار وعلى أساسه اجتمع الرؤساء الخمسة في لبنان لاتخاذ موقف حول هذا القرار، وحسب ما فهمت فيما بعد، هذا القرار اتُخذ في مجلس الأمن بالأكثرية، فلقد كنت متابعاً لهذا القرار وكم تمنيت ألا يتوقف القتال لأنه لو أتيح وقت إضافي ولو نصف ساعة، لتمكن الجيش من الوصول إلى تل أبيب، ثم إذا قارنتها بسنة 1967 عندما حدثت الحرب مرة ثانية بيننا وبين إسرائيل، اتخذ مجلس الأمن قراراً بوقف القتال، واتصل وزير الخارجية الأميركي بتل أبيب حتى يبلغها بأن مجلس الأمن اتخذ قراراً بوقف القتال، بوقتها أجابت على الهاتف زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأخبرته بأن زوجها ليس في المنزل وهو في الشمال، وطلب منها أن تبلغه فوراً بقرار المجلس، فاتصلت الزوجة فرد عليها زوجها رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي قائلاً «قولي له خط التلفون مقطوع بيني وبينه ولم أستطع الاتصال بزوجي وتبليغه بالقرار، لأنني لن أوقف القتال حتى أنهي احتلال الجولان بكامله».
كان على القوات العربية أن تقوم بالشيء نفسه وتواصل القتال في عام 1948، وكان عليها أن تتقدم وتحتل تل أبيب وتقول كانت خطوط الهاتف مقطوعة ولم نعلم بقرار مجلس الأمن القاضي بوقف القتال.

برأيك ما كان سبب الموافقة؟

هذا السؤال أنا طرحته على الرئيس شكري القوتلي حيث أجاب «هذا القرار اتُخذ بالأكثرية، العراق والأردن ومصر وافقت على القرار» فسألته «لماذا وافقت؟» أجاب «لأن العراق والأردن بريطانيا هي من تدعمهما» لكنني قلت له «ومصر؟» قال: «بوقتها رئيس الوزراء قال نحن لم يعد بإمكاننا أن نحارب لأن الأسلحة التي اشتريناها كانت أسلحة فاسدة، فالمدفع عند إطلاقه بدلاً من أن يذهب للعدو كان ينفجر بمكانه».

هل كانت حقيقة قضية الأسلحة الفاسدة؟

نعم… كانت الأسلحة فاسدة، وكانت إسرائيل وراء موضوعها، فهي دائماً تراقب من أين تشتري الدول العربية الأسلحة ومن أين يُؤتى بها، وإلى حد ما كنت أنا متابعاً لهذا الموضوع، وأذكر أننا نحن كسورية نشتري أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، وكانوا أرسلوا فؤاد مردم بك كي يُحضر الأسلحة، وجاء مع الباخرة حتى وصلت إلى مرفأ تيريستا في إيطاليا، وحيث غرقت الباخرة، أخرجوا الأسلحة وقاموا بتجفيفها ووضعوها على باخرة ثانية كي يتم توصيلها إلى بيروت، والمفروض وقتها أن يأتي فؤاد مردم بك على الباخرة لكنه فضّل القدوم على باخرة أخرى.

وماذا عن اكتشاف النفط في سورية وعدم معرفة الرئيس بذلك؟

في عام 1956 اجتمع الرئيس القوتلي وجمال عبد الناصر والملك سعود في القاهرة، وكانوا قرروا أن يعقدوا كل ستة أشهر اجتماعاً، وعلى أن يكون الاجتماع الثاني في الدمام، فذهبنا إلى الدمام وبعد الغداء سأل الملك سعود جمال عبد الناصر «ألم نتفق أن نتخذ قرارات تشاور حتى لا نفاجأ؟» أجابه عبد الناصر «نعم» تابع الملك «لقد أممت قناة السويس من دون أن تخبرنا، كما عرضت مصر والدول العربية إلى حرب»، هنا قال عبد الناصر «بخصوص تأميم قناة السويس لم أطلع عليها أحداً حتى عبد الحكيم عامر لم يدر بهذا القرار قبل إعلانه، والتزمت الصمت لأنه لو علم به أحد لكان القرار لن يتم، ولم يتم تأميم القناة» ثم سأله الملك السعودي «وماذا عن اعترافك بالصين الشعبية؟، إنهم شيوعيون ونحن لا علاقة لنا بالدول الشيوعية»، أجابه عبد الناصر «الصين الشعبية دولة عظمى لا يمكننا الاستغناء عنها لأنها ستكون دعماً لنا في المنطقة».
في الحقيقة الملك سعود لم يكن مسروراً، ثم بعد الغداء اجتمعنا في الصالون حيث جاء ولي العهد الأمير فيصل، وقال: «سأبشركم بما سمعت الآن، في سورية يوجد نفط»، الكل هنا استغرب لوجود النفط في سورية.

الرئيس القوتلي كان في الدمام ولم يعلم بهذا الموضوع؟

لا لم يكن على علم، لقد فوجئ أسوة بالكل بهذه البشارة والخبر العظيم، ولكن كيف تم اكتشاف النفط في سورية؟… كنت ذكرت جيمس منهل أو نجيب منهل اللبناني الأميركي الذي جاء إلى سورية، وقابل الرئيس القوتلي، كان لدينا في سورية. شركة «إس بي سي» وشركة «أي بي سي» العراقية الأميركية التي استخرجت كميات كبيرة من النفط في العراق وفي سورية قامت شركة «اس بي سي» بإحضار حفارتي نفط وحفرت إلى عمق ثلاث مئة متر، ولم تجد نفطاً، فتركت الآليتين، وعندما جاء نجيب منهل أخذ الحفارتين وأحضر قطع تبديل كي تتمكن الحفارتان من الحفر إلى مستوى أعمق ومن ثم ظهر النفط.
وبالعودة إلى الاجتماع حيث قال ولي العهد فيصل «تجهيزات الإنكليز لم تصل لأكثر من ثلاثمئة كيلو متر، ولكن عندما قام الأميركان بالحفر بتجهيزاتهم والتي تصل إلى عمق خمسمئة متر ظهر النفط في سورية في عام 1956 وعلى التحديد في شهر تشرين الثاني».

الوحدة بين مصر وسورية كيف حدثت وأنت من عايش مسارها عن قرب؟

في يوم الاستقلال يقف الرئيس القوتلي على شرفة السرايا ويقول لن يُرفع فوق هذا العلم إلا علم الوحدة العربية… فهو بدأ حياته باحثاً عن الوحدة.
السرايا التي أصبحت وزارة الدفاع الموجودة في المرجة في دمشق، وكان هذا البناء الذي يجمع كل الوزارات في ذلك الوقت، والتي هي وزارة الداخلية، والتي يقومون بترميمها في الوقت الحالي، وكان قال عبارته تلك عن رفع علم الوحدة العربية في السرايا، وكان وقتها الرئيس القوتلي بدأ العمل من أجل الوحدة مع مصر
هذا قبل تسلم عبد الناصر الرئاسة وحتى بعد تسلمه الرئاسة، فالقوتلي كان يطمح للوحدة العربية وتشكل هاجساً له، وهو مؤمن بأنه من دون الوحدة العربية لا قيمة للبلاد العربية لكن تفكيره كان أن يتم البدء بإقامة دولة عربية من خمس دول: سورية، لبنان الأردن السعودية ومصر، بشكل اتحادي.

لماذا استثنى العراق؟

لأنّ العراق وقتها كان دولة كبرى وله كيانه المستقل… وبكل أسف الأحداث التي حصلت داخل الجيش السوري وتركيا اتهم الجيش بأنه أصبح شيوعياً وذلك بسبب العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وشراء الأسلحة منه، مع إرسال خبراء روس إلى سورية، وفي الجيش أظهر اتجاهاً واضحاً، فحشدت تركيا قواتها على الحدود، لأنها خشيت من تحول سورية إلى دولة شيوعية، وباعتبار الاتحاد السوفييتي في الشمال فسيطبق الاثنان عليها ويهددانها بالخطر، فاجتمع الضباط وقالوا: «نحن مع الوحدة مع جمال عبد الناصر، ولكن عدداً من الضباط البعثيين وميشيل عفلق وصلاح البيطار لم يكن لديهم أي علم بهذا الأمر، وهؤلاء الضباط تجاوزوا مجلس النواب والحكومة، وذهبوا ووقعوا الوحدة مع مصر، في حين الرئيس القوتلي منذ إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية في حزيران 1956 عندما ضم صبري العسلي للوزارة طلب منه تهيئة لجنة مقابلها لجنة من مصر لدراسة الموضوع بإقامة الوحدة، وهذا ما حصل، جاءت لجنة من مصر وتمت دراسة هذا الموضوع لإقامة اتحاد بيننا وبين مصر وما أقصده إقامة اتحاد فيدرالي، في تشرين يأتي وفد من مجلس الأمة المصري برئاسة أنور السادات، ويقابل الوفد الموجود في سورية ويجري تبادل الأعلام بين مصر وسورية».

من كان رئيس الوفد السوري؟

كان رئيس مجلس النواب ناظم القدسي، وكانوا اتفقوا على إقامة هذه الوحدة بيننا وبينهم، فاجتمعوا في أول كانون الثاني في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس القوتلي وحضر رئيس الوزراء وكل الوزراء ورئيس مجلس النواب أكرم حوراني ورئيس الأركان عفيف البزرة ورؤساء المكاتب الأول والثاني والثالث، وكلهم أدلوا بآرائهم من أجل قيام هذه الوحدة بيننا وبين مصر على أساس اتحادي، ولكن فوجئوا بأن الضباط سافروا إلى مصر، وقرروا إقامة الوحدة مع جمال عبد الناصر، والضباط عندما وصلوا إلى مصر كان الرئيس جمال في الجنوب وكان عنده رئيس جمهورية إندونيسيا سوكارنو، فعقدوا اجتماعهم مع عبد الحكيم عامر الذي قال لهم: «إن موضوع الوحدة هو موضوع مهم، ولكنني أنا لا يمكنني أن أبت به، عليّ انتظار قدوم الرئيس»، عندما جاء الرئيس جمال أخبره الضباط «نحن جئنا كي نقيم الوحدة مع مصر»، ولكن اختلف الضباط السوريون فيما بينهم.

من كان مسؤولاً عن هؤلاء الضباط بهذه الزيارة؟

أمين الحافظ هو كان أكبر ضابط بينهم، وفي ذلك الوقت كان عفيف البزرة حاضراً في سورية ويتناقش مع القوتلي والوزراء والمكاتب حول الوحدة مع مصر، في ذلك الوقت ردّ جمال عبد الناصر على الضباط السوريين «أنتم بيدكم القوة ولكنكم لا تمثلون الشعب السوري والحكومة السورية، فكيف سأتعاقد وأتفق معكم؟» فيقول له أحد الضباط السوريين «تريد أن نحضر لك الحكومة؟، سنحضرها لك»، وبالفعل اتصلوا بأمين خوري وطلبوا منه إحضار الحكومة السورية إلى مصر، وقام خوري بإرسال باص جمع فيه الوزراء، وكان ذلك في الليل وتوجهوا إلى المزة إلى المطار وظنّ وقتها الوزراء بأنهم ذاهبون إلى السجن لأنه هكذا جرت العادة عند حدوث انقلاب، ولكنهم وجدوا أنفسهم في مطار المزة في الطائرة وغادرت الطائرة وهم لا يعلمون ما وجهتهم، طبعاً وصلوا إلى مصر، وقتها قال أحد الضباط الصغار للرئيس جمال عبد الناصر «هل تريد شكري القوتلي، يمكنني إحضاره؟» هنا ردّ جمال عبد الناصر «أنا قلت للضباط الذين قاموا معي بالثورة بأن هذا عمل جليل، ولكن ما أنتم تعملونه الآن هو عمل سياسي، وليس عسكرياً، وعليكم خلع بدلاتكم العسكرية وأن تصبحوا مدنيين، وهذا ما أريد أن تقوموا به» فردوا عليه «لك ما تريد»، هنا قال أمين الحافظ: «سيدي وإذا أمرت أن ندمر الشام بالمدفعية، فأنا سأقوم بهذا»، لكن عبد الناصر أجابه: «لا.. دمشق غالية جداً على قلبي من أنني أقوم بإصدار أمر كهذا»، وأخبرني شفيق عبد الرحمن العظم بأن عبد الناصر كان دعاهم على العشاء في حدائق قصر القبة، هؤلاء الضباط تجاوزوا الحكومة السورية وأحضروها إلى مصر، وكان صلاح البيطار موجوداً في دمشق يناقش الوحدة مع مصر مع القوتلي، وتم إرساله ليرى ما يجري في مصر، وصلاح بعثي وعندما علم جمال عبد الناصر بقدومه طلب دعوته على العشاء نفسه في حدائق قصر القبة.

كيف كان موقف شكري القوتلي من هذا الذي حصل؟

شكري القوتلي الذي سعى دائماً إلى الوحدة وسبقوه فيها، لم يعد بإمكانه أن يتردد، وكان جمال عبد الناصر ترجاه للحضور إلى مصر، ولكنه كان وفياً للوحدة وفي سياق ما جرى كان مغلوباً على أمره.

بهذه الطريقة أصبحت الوحدة اندماجية؟

كان التخطيط من شكري القوتلي أن تكون الوحدة بين سورية ومصر فيدرالية، ولكن جمال عبد الناصر رفض، لأنه رأى أنه إذا كانت الوحدة فيدرالية، وحصل أمر في سورية فهو لن يكون قادراً على التدخل لاتخاذ ما يلزم، ولهذا أراد أن تكون الوحدة اندماجية، وقد تجاوب معه الضباط السوريون الذين قالوا له «الذي تأمر به يُنفذ».

تم توقيع الوحدة؟

وقعت الوحدة وكان هناك حكومة في مصر وحكومة في سورية في الشمال والجنوب، وقام عبد الناصر بتعيين الضباط وعدد من الوزراء، ووضع لهم سكرتير وسيارة، وفي ذلك الوقت السكرتير لم يسمح لأحد من أصدقاء الوزراء برؤيتهم أو بمقابلتهم بذريعة أن الوزير مشغول، وعليهم أخذ موعد، ولكن عندما يذهبون إليه في المساء ويقولون له كنا نريد مقابلتك إلا أنك كنت مشغولاً جداً، فيأتي جواب الوزير «لم أكن مشغولاً إلا بقراءة جريدة الأهرام!!»، ما أريد الإشارة إليه من هذا الحديث بأنه لم يوكل لهؤلاء الوزراء الذين أبقى عليهم جمال عبد الناصر بأي من الأعمال!!.

هل كان هذا الأمر مقصوداً؟

في حقيقة الأمر إن الوزراء السوريين في عهد الوحدة لم يكن لهم إلا الوجود الشكلي، مكاتب وسكرتير وسيارات، ولكن لا عمل!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى