فرانز فانون… سيرة سياسيّة
من البديهي افتراض أنّ كثراً من قرّاء هذا المنبر سمعوا باسم الطبيب النفساني والمفكّر الاجتماعي الفرنسي من أصول مارتينيكية فرانز فانون ومؤلفه الفذّ «معذبو الأرض» الذي صدر باللغة العربية في طبعات عديدة.
«فرانز فانون: سيرة سياسية» (i.b. Tauris ـــ 2021) بقلم الكاتب ليو زيليغ. وهو باحث مشارك في «معهد المجتمع والعمل والتنمية» في «جامعة ويتوترزراند» في جنوب أفريقيا.
و يلخص حياة المفكر القصيرة لكن الثرية بالإنجازات الفكرية والتطبيقية عندما التحق بصفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
حياة فرانز فانون
فرانز فانون خدم خلال الحرب العالمية الثانية في جيش فرنسا الحرة وحارب النازيين. التحق بالمدرسة الطبية في مدينة ليون. وتخصّص في الطبّ النفسي ثم عمل طبيباً عسكرياً في الجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي. ثم رئيساً لقسم الطبّ النفسي في مستشفى البليدة الجزائرية.
حيث انخرط منذ ذاك الحين في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وعالج ضحايا الصراع. في عام 1955.
انضم فرانز فانون طبيباً إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية وغادر البلدة الجزائرية سراً إلى تونس. وعمل طبيباً في مشفى منوبة. ومحرراً في صحيفة «المجاهد» الناطقة باسم «جبهة التحرير الوطني» الجزائرية.
كما تولى مهمات تنظيمية مباشرة. وأخرى دبلوماسية وعسكرية مهمة. في عام 1960 عيّنته الحكومة الجزائرية المؤقتة سفيراً لها في غانا.
توفي فانون في عام 1961 عن عمر يناهز السادسة والثلاثين بمرض سرطان الدم ودُفن في مقبرة مقاتلي الحرية الجزائريين.
الكاتب، ليو زيليغ يشرح في مؤلفه تفاصيل حياة فانون الثرية
الكاتب، ليو زيليغ، يشرح في مؤلفه المرجعي هذا تفاصيل حياة فانون الثرية. من نشأته في المارتينيك إلى تجاربه في زمن الحرب . وعمله في أوروبا وشمال أفريقيا.
ويضع أفكاره ونشاطه ضمن السياق الأكبر لمسيرته المهنية طبيباً نفسياً ممارساً ومحيطه المضطرب سياسياً.
يغطي المؤلف فترة حرب الاستقلال الجزائرية والتحرر الوطني وما وصفه فانون بـ«لعنة الاستقلال». وقصد بذلك أنّ التحرر الوطني سيكون نقمة .
ما لم يتحول إلى نضال اجتماعي واقتصادي دائم وشامل يمكن أن ينتقل إلى ما وراء الدولة القومية.
ويُعد في الوقت نفسه قراءة أساسية للمهتمين بجذور الحركات الحديثة المناهضة للعنصرية وإنهاء الاستعمار.
ذلك أنّ الكاتب سلّط الضوء على دور فانون باعتباره المنظّر الأكثر تأثيراً في النضال ضد الاستعمار ومن أجل التحرر من العنصرية.
ألقاء فرانز فانون خطاباً أمام قمة عموم أفريقيا
في عام 1960، ألقى فرانز فانون خطاباً أمام قمة عموم أفريقيا في أكرا. اخترق تحليله للأحداث في الجزائر وتعذيب مسلحي جبهة التحرير الوطني على يد الفرنسيين أسماع الحاضرين.
حيث ناشد بعبارات متقطعة توفير الدعم الأفريقي للنضال الوحشي الذي يخوض أعنف حرب في القارة من أجل إنهاء الاستعمار.
لكنّ فانون بدا مرهقاً خلال ذلك الخطاب الذي وصفه الكاتب باللامع والمذهل.
فعندما اقترب منه أحد أفراد الجمهور ليستفسر عن صحته. أوضح أنه شعر فجأة بالضيق من فكرة أنه كان عليه أن يقف هناك، أمام ممثلي الحركات القومية الأفريقية المجتمعين.
لمحاولة إقناعهم بأن القضية الجزائرية مهمة . في وقت كان فيه الرجال يموتون ويتعرضون للتعذيب في بلاده من أجل قضيتهم التي يجب أن تحظى بالدعم التلقائي من البشر العقلانيين والتقدميين.
حاول المؤلّف وضع فانون في سياقه الصحيح
قال الكاتب إن هذا المؤلّف يحاول وضع فانون في سياقه الصحيح على حد تعبير حسين بولهان الذي كتب كثيراً عن ممارسة فانون النفسية.
«علينا أن نجد طريقة لوضع السيرة الذاتية في التاريخ، وأزمة الهُوية الشخصية في الاقتلاع الجماعي.
والأعراض السريرية في النُّظم العلائقية وردود الفعل المفرطة (أو حتى التقاعس) في عالم اجتماعي مفتوح للتدخل ليس كما نرغب في أحلامنا الجامحة.
ولكن وفقاً لما يجب علينا وما نستطيعه تاريخياً». هذه السيرة الذاتية تأمل في تحديد موقع فانون ضمن الفترة القصيرة للغاية التي عاش خلالها.
هذا المؤلّف لا يكتفي بعرض سيرة حياة فرانز فانون فقط، وإنما أفكاره أيضاً.
وهو عمل ريادي مهم لمن يريد من القراء والمؤرخين معرفة تفاصيل نشاطه في فرنسا والجزائر وتونس وإبان حرب الرمال. وكذلك معلومات تفصيلية عن أعماله ومناقشاته مع مفكّرين ثوريين آخرين.