ما هي تداعيات عمليّة اغتِيال أوّل إسرائيلي بعد توقيع “اتّفاق السّلام”
بعد توقيع “اتّفاق السّلام” تضاربت الآراء حول مقتل إسرائيلي طعنًا بالسكّين على يَدِ شاب مغربي في مدينة طنجة شِمال المغرب، سواءً حول جنسيّة القتيل أو الحالة العقليّة لمنَفِّذ العمليّة، فبينما حرصت جميع وسائل الإعلام المغربيّة الرسميّة، وغير الرسميّة، على التّأكيد أنّ القتيل مواطنٌ مغربيّ يعتنق الدّيانة اليهوديّة، أكّدت نظيراتها الإسرائيليّة في تل أبيب أنّه مُواطنٌ إسرائيليّ وأنّ شُبهَة “اللّاساميّة” (لم تَستَخدِم صفة الإرهاب) غير مستَبعدة كسَببٍ للقتل، وسيدفَن في “إسرائيل” التي يَحمِل جنسيّتها.
أهمية الحادث الأوّل من نوعه مُنذ الإعلان رسميًّا عن علاقاتٍ دبلوماسيّة مغربيّة إسرائيليّة
الحادث يستمدّ أهميّته لأنّه الأوّل من نوعه مُنذ الإعلان رسميًّا عن علاقاتٍ دبلوماسيّة مغربيّة إسرائيليّة كاملة، وبعد أقل من عشرة أيّام من قِيام يائير لابيد وزير الخارجيّة الإسرائيلي زيارةً للرّباط لافتِتاح السّفارة الإسرائيليّة فيها، وإجراء مُباحثات مع نظيره المغربي ومسؤولين مغاربة آخَرين.
الرّوايات الرسميّة، وشِبه الرسميّة المغربيّة، تُحاول التّقليل من أهميّة عمليّة القتل هذه، بالتّركيز على أنّ القاتل مُختَلٌّ عقليًّا، وأنّه يملك سِجِلًّا جنائيًّا حافِلًا، وكان يتَردَّد على الإسرائيلي القتيل الذي كان يُدير مطعمًا في المدينة. في محاولةٍ لنفي أيّ طابَع سياسي لعمليّة القتل، وهذا ليس مُفاجِئًا. لأنّ النّهج نفسه في التّعاطي مع حوادث مماثلة في دُوَلٍ عربيّة مُطبّعة مِثل مِصر والأردن جرى اتّباعه. وبطَريقةٍ متطابقةٍ، فجميع الذين هاجموا سوّاحًا أو مُستوطنين إسرائيليين في هذه الدّول كانوا مُختلّين عقليًّا، ويترَدّدون على مصحّاتٍ نفسيّة، لإسقاط أيّ دوافع سياسيّة رافضة للتّطبيع يُمكِن أن تكون وراء عمليّة الاغتِيال التي أقدموا عليها للتّعبير عن مشاعرهم الوطنيّة ومُعارضتهم لأيّ تواجد إسرائيليّ على أرضِ بلادهم.
لا نُريد استِباق الأُمور وإصدار أحكام مُتَسرِّعَة حول الدّوافع الحقيقيّة لعمليّة القتل هذه، أو إضفاء طابع سياسي عليها، ليس لأنّ التّحقيقات ما زالت في بدايتها، وإنّما لأنّ السّلطات تتكتّم على التّفاصيل، حِرصًا على هيبتها الأمنيّة أوّلًا، ولعدم تقديم الفاعل المُنَفِّذ “كبطل” يقتدي به آخَرون، ممّا يُلحِق أضرارًا بالسّياحة الإسرائيليّة التي بلغت ذروتها بعد افتِتاح خُطوط طيران مُباشر بين تل أبيب والمُدُن المغربيّة وسَط احتِفالات رسميّة ضخمة.
الشّعب المغربي كان وما زال من أكثر الشّعوب العربيّة والإسلاميّة دعمًا للقضيّة الفِلسطينيّة، وعارضت النّسبة الأكبر منه اتّفاقات التّطبيع التي وقّعتها حُكومته مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وساهمت بطَريقةٍ أو بأُخرى في توتير عُلاقات بلاده مع الجارة الجزائريّة، لأنّ إسرائيل تظَل دائمًا بُؤرَة الفتن والتّحريض لتأزيم العُلاقات بين الشّعوب الشّقيقة.
السيّاح الإسرائيليّون الذين يتمتّعون بسُمعةٍ سيّئة في معظم دول العالم، لما يقدِمون عليه من سَرِقاتٍ للمناشف وتجهيزات الفنادق التي يُقيمون فيها حسب العديد من التّقارير في الصّحافة ومحطّات التّلفزة الإسرائيليّة نفسها قد يتحلّون بكُلّ أنواع الحذر أثناء زيارتهم للمغرب في المستقبل، وسيَبْلُغ هذا الحذر ذروته إذا تأكّد أنّ دوافع الشّاب مُنَفِّذ عمليّة القتل المَذكورة آنِفًا سياسيّة وتضامنًا مع ضحايا الشّعب الفِلسطيني بصواريخ الطّائرات الإسرائيليّة المُغيرة بشَكلٍ شِبه يوميّ على قِطاع غزّة، واقتِحام مُدُن الضفّة الغربيّة، وقتل العديد من النّشطاء السّياسيين الرّافضين للاحتِلال.
اتّفاق السّلام بين المغرب وإسرائيل، وبغضّ النّظر عن عمليّة الطّعن هذه، سيَظَلُّ عُنوانًا للمتاعب والأزَمات للسّلطات المغربيّة التي سارعت لتَوقيعه بضُغوطٍ أمريكيّة، وتَضليلٍ إسرائيليّ.. واللُه أعلم.