تحليلات سياسية

نِصف مِليار دولار من مِصر لإعادة إعمار قِطاع غزّة..

بعد تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أعلن فيها عن تخصيص نِصف مِليار دولار لإعادة إعمار قِطاع غزّة، وفتح معبر رفح، وتخصيص أربع مُستشفيات في سيناء لعِلاج جرحى العُدوان الإسرائيلي، وشنّ عُلماء في الأزهر حملةً شرسةً ضدّ اليهود، وتوجيه انتِقادات أشرس لدُول خليجيّة مُطبّعة، فإنّ السّؤال الذي يتردّد على ألسنة العديدين داخِل مِصر وخارِجها، ونحن من بينهم: ماذا يجري في مِصر؟ وهل هذا انقلابٌ سياسيّ؟ ولماذا الآن، وفي مِثل هذا التّوقيت؟ وما هي الأسباب التي أدّت إليه؟

قبل الإجابة على هذه الأسئلة لا بُدّ من التّوقّف عند فتاوى غير مسبوقة صدرت عن اثنين من أبرز شيوخ مؤسّسة الأزهر يَحمِلان في ثناياها معاني كثيرةً قد تُفسّر التحوّل الرّسمي المُستَقبلي للدّولة المِصريّة:

الأوّل: الخطبة التي ألقاها الدكتور أحمد عمر هاشم عُضو هيئة كِبار العُلماء من فوق منبر جامع الأزهر الجمعة الماضية والتي بثّها التّلفزيون الرّسمي المِصري وأبرز ما جاء فيها “دعوته لإنشاء قوّات ردع إسلاميّة من “مذاهب شتّى” لمُواجهة العُدوان الإسرائيلي، وترديده لعِبارة الرئيس جمال عبد الناصر الشّهيرة “ما أُخِذ بالقوّة لا يُستردّ بغير القوّة”.

الثّاني: تصريحات الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفكر المُقارن لصحيفةٍ مِصريّة شِبه رسميّة قال فيها “إنّ حرائر فِلسطين يُضرَبن بالأحذية والنّعال على أيدي الصّهاينة الإسرائيليين والعالمين العربيّ والإسلاميّ يتفرّجان”، وهاجم التغوّل الصّهيوني في منطقة الخليج، ودعا إلى “حماية السنّة النبويّة من العبث، ومُحاولة النّيل من أحاديث الآحاد، مُنَبِّهًا إلى ضرورة الأخذ بفقه الأوليّات” في إشارةٍ مُباشرةٍ إلى الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي الذي قلّل من أهميّتها، أيّ أحاديث الآحاد وشكّك فيها وطالب بحذفها في حديثه مع التلفزيون الرّسمي السّعودي قبل أُسبوعين.

لا يُمكِن أن تَصدُر مِثل هذه المواقف، التي جاءت انسجامًا مع حالة الغضب العارم التي تَعُم الشّارع المِصري حاليًّا على أرضيّة العُدوان الإسرائيلي الدّموي على قِطاع غزّة، وسُقوط أكثر من مئتيّ شهيد مُعظمهم من الأطفال والنّساء إلا بضُوء أخضر من قِبَل القِيادة المِصريّة، بالقِياس إلى رُدود فِعل المُؤسّستين السياسيّة والدينيّة السّابقة في أكثر من أربع هجمات إسرائيليّة في السّنوات العشر الماضية، التي اتّسمت بالدّبلوماسيّة ومسك العصا من الوسَط.

وما يُؤكّد هذا الاعتِقاد تصريحات أدلى بها السيّد سامح شكري وزير الخارجيّة المِصري على هامِش انعِقاد مجلس وزراء خارجيّة الجامعة العربيّة الأخير وقال فيها بلهجةٍ بعيدةٍ عن اللّغة الدبلوماسيّة المِصريّة “الوسطيّة” السّائدة طِوال السّنوات السّبع الماضية، قال فيها “الفِلسطينيّون يخوضون معركة وجود دفاعًا عن مُقدّساتهم وبُيوتهم في وجه هجمة إسرائيليّة شرسة”، وأضاف “ما حدث في المسجد الأقصى استفزازًا لمشاعر العرب والمُسلمين جميعًا”، وأكّد “أنّ ما يجري في حيّ الشيخ جرّاح عُنوانٌ للصّمود، وما قام به الفِلسطينيّون في القدس وغزّة مَدعاةٌ للفخر والاعتِزاز”.

هناك عدّة تفسيرات لأسباب هذا التّحوّل في الموقف الرّسمي المِصري تُجاه الاعتِداءات الإسرائيليّة الدمويّة في قِطاع غزّة:

الأوّل: وجود قرار رسمي باستِعادة مِصر لدورها العربي والإسلامي الرّيادي القِيادي، والتّمهيد للوقوف في خندق المُقاومة الفِلسطينيّة خاصّةً أنّها مُقدّمة على حربٍ وجوديّة ضدّ إثيوبيا في غُضون شهرين موعد المرحلة الثّانية من مَلء سدّ النّهضة وبِما يُؤدّي إلى تقليص حصّة مِصر من المِياه وتجويع 40 مِليون مِصري وسوداني في فشلٍ نهائيّ لكُلّ الحُلول السلميّة.

الثّاني: وقوف إسرائيل أمنيًّا وعسكريًّا وماليًّا في خندق إثيوبيا، وتزويدها بمنظومات دفاع أرضيّة وجويّة تُمكّنها من صدّ أيّ هُجوم مِصري سُوداني مُشتَرك.

الثّالث: استِخدام المُقاومة الفِلسطينيّة في قِطاع غزّة كحليفٍ عسكريّ مُستقبليّ قويّ لضرب العُمُق الفِلسطيني المُحتل، وكُل المُدن والبُنى التحتيّة الإسرائيليّة في حالِ دُخول إسرائيل في حربٍ إلى جانب إثيوبيا ضدّ التّحالف المِصري السّوداني.

الرّابع: تدهور العلاقات المِصريّة الخليجيّة خاصّةً مع الحليفين السّعودي والإماراتي، بسبب تغوّلهما، أيّ الدّولتين، في التّطبيع مع دولة الاحتِلال، ومُحاولة الانخِراط في مشاريع بديلة لقناة السّويس، وتضامنها الفاتِر مع مِصر في مُواجهة الغطرسة الإثيوبيّة، وتحوّلهما إلى وسطاء “مُحايدين” في الأزَمة.

الخامس: دعوة الدكتور الأزهري أحمد عمر هاشم إلى تشكيل قوّة ردع عربيّة إسلاميّة من “كُل المذاهب” حديث مُوحَى به تعني مشاركة الأشقّاء الشّيعة فيها، والانفِتاح على محور المُقاومة الذي يَضُم إيران وسورية والعِراق (الحشد الشّعبي)، واليمن (أنصار الله)، ولبنان (حزب الله).

مِصر، ومثلما قال لنا مصدر قريب من دائرة صنع القرار في القاهرة، استَطاعت تأمين جبهتها الداخليّة، واطمأنت للوضع في ليبيا بعد فتحها قنوات تحالفيّة قويّة مع معظم خُصومها، وأوشكت على إكمال خطط التّنمية وتقوية وضعها الاقتِصادي، ولهذا قرّرت مُراجعة مُعظم، إن لم يَكُن كُل تحالفاتها، ومواقفها المُهادنة السّابقة، واستِعادة دورها القِيادي في منطقة الشّرق الأوسط والعالمين العربيّ والإسلاميّ.. واللُه أعلم.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى